صفية محمود
لم تزل الدعوات تُطلق هنا وهناك لتخليص المرأة من قيودها - يزعمون - لتنطلق نحو الكمال، وتبرأ من النقص الذي تصوَّروه، أو ربما يُصَوِّرُوه صنعةً ومكرًا بالمرأة والرجل والأسرة والمجتمع، وحالهم في معركة الوهم، معركة المرأة ضد الرجل كحالِ باحث هُمام أمضى لياليه أمام شجرة مثمرة قوية الجزع صلبة تضرب بجذورها عمق الأرض لتبقى شامخة، ولها فروعٌ تزينها الأوراق وتكسوها، فأنكر مرونة الفروع ورقتها ولينها، وما بها من نقصٍ في الصلابة والشدة وما جُعل ذلك من خصائصها إلا لتحمل الثمر وتميل حين تُثْقَل، فلا تنكسر حتى تنضج ثمارها فتنفصل أو تُقتطَف، حين استوائها والتمام، ثمارًا ناضجة تحمل بقلبها رسالة الحياة بذورًا ولادة تخرج لنا يومًا صنو أبيها وأمها، شجرة صلبة الجزع مرنة الفرع لينته، حلوة الثمر ميسورة القطاف، فيأتي أحمق أو حمقاء وربما متحامق يعيب على الغصن لينه، ونقص صلابته، ويوعز إليه كن صلبًا كالجزع ولا تقبل الظلم، وعلى مثل ذلك يدندنون،

وقد تميل لدعواتهم بعض النساء والفتيات لخلل دخيل على فطرتها، أو لضيق أفق أدى ببعضهن الخروج من تجربة خاصة شخصية، صادفت رجلًا أو رجالًا أساؤوا إليها جهلا بما لَه عندها وما عليه لها؛ انحرافًا عن فطرته فالأصلُ أن الرجلَ مفطورٌ على رعاية الأنثى، والزود عنها لا البغي عليها، وكذا القيام على شأنها أمًا كانت أو أختا أو زوجة أو بنتا فكما تطمس فطرة بعض الرجال تطمس مثلها فطرة بعض النساء ولهؤلاء اللاتي يدعون لتحرير المرأة، إن أردتن تحريرها مما يقعُدُ بها عن كمالٍ تنشُدُه فمعيار الكمال ليس لَكُنَّ رسمه ووزنه، لكن لمن أنزل القسط وضع الميزان، خالقك وخالق الرجل ومنشئ الكون من عدم!! فاسمعي واسمع يا رجل، اسمعا لربكما ولمن أخبر عنه في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كَمُلَ من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عِمران، وإن فضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
قال النووي في "شرح مسلم": (المراد بالكمال: التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى) ا.هــ
ولا شك أن أكمل الناس الأنبياء والصديقين والشهداء وهم في الرجال أكثر وليس في النساء أنبياء وقد بلغوا غاية البشر في كمال خصال الخير، والنساء وإن كان فيهن صالحات وصديقات ففي الرجال أكثر وفيهم الشهداء فهم أهل القتال والنزال والنساء أبْعَد عن ساحات الجهاد، ولا يعني الحديث ألَّن يكمل من النساء غيرُ من ذكرنَ، ولكن فضل الله واسع غير محدود فنسأل الله الكمال والاستقامة، فكان أحرى بالداعين لتحرير المرأة - إن صدق المسمى وهو كذوب - أن يكون سعيهم لكمالها كما رسمه خالقها فيتلمسون طريق الكاملات القدوة اللاتي أشار لهن الحديث والبحث في سيرهن. لا أن تنازع الرجل في أشياء لا تعنى المرأة ولم تؤهل له، ليس لها السفور، ومزاحمة الرجال، والاختلاط المبتذل من أجل العلم والعمل وتحقيق الذات المفترى، أني يَكمُل أداء شيء أخرج عن وظيفته التي صنع لها ودوره المنوط به إنما الكمال أن يبز في دوره ويبلغ مرتبة الإحسان فيه، لا أن يتقمص أدوار آخرين لا تليق به هاجرًا دوره فلا هو بلغ فيها كمالًا لضعف آلته وعدم مناسبتها للدور الدخيل ولا هو لازم ثغره ودوره ففاق فيه، ولعل هذا يذكرنا بالقصة الرمزية، التي ضربت مثلا، حين رأى الغراب مشية الطاووس وراقه اختياله ورام محاكاته ظنًّا منه أنه سيكسب جمالًا فحاول فلم يُصِب وفشل لاختلاف الطبيعتين، فلا هو استطاع أن يعود لمشيته التي نسيها وضل عنها ولا هو صار طاووسًا كما اشتهي فعاد يحجلُ في مشيةٍ مستهجنة.

JoomShaper