ياسر الزعاترة
في الأردن حوالي مئة ألف امرأة تجاوزن سن الثلاثين دون زواج ، أما في مصر فتقول إحصائية رسمية أن 9 ملايين شاب وفتاة قد تجاوزوا سن 35 ، من بينهم 5,5 مليون شاب و3,5 مليون فتاة ، وعلى هذه الخلفية ظهرت في الإسكندرية جمعية لتشجيع تعدد الزوجات.
لسنا من القائلين بأن التعدد هو الأصل كما يرى البعض ، ولا أنه الحل الوحيد لمشكلة العنوسة التي تتركز معضلتها في البعد الاقتصادي ، لكننا ضد من يجرّمونه في أي حال ، أكانوا من الرجال أم من النساء ، لا سيما أنهم يعترضون على نص صريح في القرآن ، وليس مجرد اجتهاد فقهي ، وهو نص تتبدى أمام الأعين حكمته والحاجة الماسة إليه بين حين وآخر مثلما يحدث بعد الحروب التي تحصد من الرجال أكثر من النساء.
في البوسنة على سبيل المثال ، وبسبب ما تعرض له البوسنيون من حرب إبادة ، أصبح عدد النساء أضعاف الرجال ، وفي العراق تصاعد عدد الأرامل خلال الحروب الأخيرة على نحو مذهل. أما العوانس فيتكاثرن في معظم الدول العربية على نحو يهدد بنيتها الاجتماعية.

من الضروري القول - ابتداء - إن التعدد ظاهرة اجتماعية ، وإن العامل الأساسي المؤثر فيها ، بل في عموم قضايا الزواج ، هو العرض والطلب (من الرجال والنساء كي لا يخرج علينا متنطع ليقول وهل المرأة سلعة ، وهي ليست كذلك في ديننا ، بينما أصبحت كذلك في الغرب رغم دعوات التحرر). فالمرأة التي تتوقع الحصول على شاب أعزب لن تقبل الزواج برجل متزوج ، أو حتى يكبرها بسنوات كثيرة ، والمرأة التي يمكنها الحصول على زوج غني لن تقبل بفقير إلا أن يملك مواصفات تجبر فقره ، وهكذا تتعامل المرأة مع المتقدمين إليها بحسب ظروفها الاجتماعية والاقتصادية وإمكاناتها الأخرى. وفي ذات السياق فإن المرأة التي فاتها القطار يمكن أن تقبل برجل متزوج على أمل أن يكون لها بيت وأسرة وأبناء ، لاسيما أنه ما من شيء يمكن أن يعوض المرأة عن دفء الأسرة والزوج والأبناء. ولو كان لهذا الذي يدعو النساء إلى الثورة على منطق التعدد أخت بلغت الأربعين (ربما أقل أو أكثر في بعض الأحيان) ، ثم جاء من يطلبها زوجة ثانية وطرده بناء على نظرياته "التحررية" لسبّته ودعت عليه لأنه فوّت عليها فرصة الحصول على زوج وإنشاء بيت وأسرة ، الأمر الذي لن يتغير كثيرا في حال كانت عاملة ولها دخل (حتى لا يتنطع بعضهم ليقول إن الحل في تشغيل النساء ، مع أن هذا الحل ليس متاحا في العالم الثالث ، وإذا توفر فعلى حساب الرجال بسبب شيوع البطالة).

إضافة إلى العرض والطلب ، هناك البعد الاجتماعي الذي يؤثر بدوره في قضية التعدد ، إذ يتوفر أزواج يرغبون في التعدد ولديهم القدرة المالية والجسدية (هما شرطان أساسيان كي لا يتحول التعدد إلى مشكلة ، مع العلم أن الإمكانات المالية قد تكون من نصيب الزوجة في بعض الأحيان) ، لكنهم لا يفعلون خوفا من زوجاتهم ، أو خشية التأثير على استقرار البيت الأول ومشاعر الأولاد ، وهي قضية تتأثر بالواقع الاجتماعي ويمكن أن تتغير بمرور الوقت. ونكرر أننا نتحدث عن قوم يرغبون في التعدد ، ويجدون حاجة إليه ويملكون الإمكانات ، بينما نعلم أن كثيرين لا يرغبون وهم مرتاحون في وضعهم ولا يرضون عنه بديلا.

أما الذين يأخذون القضية من زاوية كرامة المرأة (بعضهن وبعضهم يفضل الخيانة الزوجية على التعدد) ، فهم يتجاهلون أن هناك رجالا يُرفضون من قبل نساء كثيرات نظرا لقلة إمكاناتهم ، وأن هناك نساءً يَخلعن أزواجهن في المحاكم لأسباب عديدة (من بينها الزواج بأخرى) ، وأن اللواتي قبلن برجال متزوجين قد فعلن ذلك بإرادتهن ، مفضلات ذلك على العنوسة ، طبعا باستثناءات محدودة لا يمكن نفيها.

لا حاجة إذن لكل هذه الضجة ، فضلا عن دعوات الثورة والتمرد ، فالتعدد هو نتاج وضع اجتماعي خاص يتمثل في توفر نساء أكثر من الرجال الراغبين في الزواج والقادرين عليه ، وفي مطلع القرن الماضي لم يكن ثمة عنوسة إلا نادرا ، بل إن ذوات عاهات جسدية كنّ يتزوجن بسهولة ، الأمر الذي تغير بالتدريج لاعتبارات الواقع الاجتماعي.

ديننا أيها السادة يحترم المرأة ويُكرمها: بنتا وزوجة وأمّا وأختا وجدة ، وفي هذا السياق كلام كثير ، ولكن بعضهم لا يعلمون ، وأحيانا لا يريدون أن يعلموا لأمر أو أمور في نفوسهم ، لكن شرع الله الثابت ليس برسم المساومة بحال من الأحوال

 

جريدة الدستور

JoomShaper