أحمد الفلاحي
نشأتنا في مجتمع تقليدي منذ البدايات الأولى لعمر المعرفة أتاح لنا – حقيقة – معايشة تشظي مستوى الوهم المفتعل في قضية التضاد، أو التنافس، أو النزاع القائم بين المرأة والرجل، أو بين الرجل والمرأة الذي تروج له بعض الوسائل الإعلامية، ذلك انه عبر العمر الممتد بين هذه البدايات، وحتى اليوم لم نعايش الذي يثار بين كل فترة وأخرى من ظلم الرجل للمرأة، ومن هدر حقوق المرأة من قبل الرجل.
فأسرنا، والحمد لله مترابطة، ومتآزرة، ومتكاملة، ومتفاعلة، ويعضد أفرادها بعضهم بعضا، وهنا أوثق مرحلة عمرية تتجاوز الأربعين عاما، ولم الحظ هذا الظلم، وهذا الاستبداد، وهذا التسلط، وهذا النزاع المميز أو الخاص، وهذا التشظي الأسري ليرتفع وتيرته إلى مستوى ظاهرة اجتماعية، وكل ما يثار في هذا الجانب ما بين الرجل والمرأة هو نوع من التخيل، ونوع من افتعال المواقف، ونوع من إثارة الضجة الشبيه بالزبد "الذي يذهب جفاء". عندما تشرفت أعيننا برؤية أمهاتنا، وآبائنا وجدناهما جنبا إلى جنب يتبادلان الرأي والمشورة، ويذهبان منذ الصباح الباكر إلى البيادر في أطراف القرية، حيث تتخضب أيديهما التي يحبهما الله – كما جاء في الحديث – "من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له"، و "هذه يد يحبها الله ورسوله" مع جلال المناسبتين التي قيلت فيهما هذين النصين.
وجدناهما يعودان آخر النهار، وقد حملت هي ما جادت به المزرعة أو الحقل للغذاء، وحمل هو ما جاد به أيضا هذا الحقل للغذاء، وان كان للحيوانات التي تنتظر هذه الهدية، وهذا العطاء. وجدناهما منذ الصباح الباكر يحصدان ثمر النخيل؛ يجمعانه للبيع والتخزين، وجدناهما يذهبان بعيدا حيث الرعي، وجلب الماء، وجلب الحطب، وجدناهما يسهران على كائنات صغيرة تتوزع على مساحة البيت الضيقة في جغرافيتها، المتسعة في اتساع مساحة الود منهما، حيث يذهب الراعي الرجل إلى القرى البعيدة متزودا بما يمكن أن يسد أفواه هؤلاء الصغار، وتذهب هي إلى معمل الخياطة، أو الحراثة، أو الحطابة، وغيرها ومع آخر النهار هناك مشاعر متجسدة لا تعبر إلا عن نفس واحدة يحيطها الرضا، والسعادة، والوفاء. وها هي الصورة تتجسد اليوم، وان اختلفت الأداة، وتعددت الاشتغالات، وزادت الاتجاهات وكبرت الطموحات، ولكننا لا زلنا نرى في أسرنا التكاتف، والتواد، والتراحم، والتكامل، والتعاون، وان كانت الفترة الماضية كنا نراها في سلوكيات واشتغالات الوالدين، فاليوم نمارس نفس هذه السلوك الايجابي، ولا نشعر مع قرارة أنفسنا بشيء من هذه المماحكة التي يتحدث عنها ليل نهار، ويروج لها أشخاص عمية عن الحق أعينهم، تائهة عن الحقيقة بصيرتهم.
وهذا الأمر لا ينفي أبدا التصادم بين الطرفين فهذا أمر ليس غريبا على الإنسان، لأنه إنسان تتجاذبه مجموعة من المشاعر، ومجموعة من الإرهاصات، ومجموعة من العقد المكتسبة من البيئة المحيطة، وهي في غالب الأحوال بين إنسان وإنسان، وليس من الضرورة بمكان أن يزج المرأة والرجل على حد سواء في هذا التصادم فما يحدث بين نوعين مختلفين يحدث بين النوع الواحد، الرجل والرجل، والمرأة والمرأة.
أما عند النظر إلى مسألة العلاقة بين القوي والضعيف فهذه أيضا مسألة فطرية فكما تقع فيها المرأة يقع فيها الرجل، والحياة لن تخرج عن مفهوم "شريعة الغابة" إلا بما يتيسر لهذا الإنسان من الجنسين من قوانين وتشريعات تنظم هذا السلوك الخارج عن الفطرة، سواء سلوك يقره أبناء المجتمع كأسلوب حياة نابعة من قناعاتهم لتنظيم حياتهم، أو تشريع منظم من السلطة في حالة أن السلوك الاجتماعي لن ينفع في تهذيب هذه العلاقة القائمة بين أي طرفين متنازعين من نفس النوع، أو من نوعين مختلفين. أما أن تزج العلاقة القائمة على عقد الزواج – على وجه الخصوص – أو تحت مسمى أي علاقة تجمع المرأة والرجل ليسقط عليها كل هذه التهم، فهذا أمر يخرج عن حقيقة الوعي بهذه العلاقة، ويخرج إلى مستوى التقليد، أو النعيق عبر أبواق الآخرين، وليس من قناعات يفرضها الواقع المعاش، وأنا هنا أتحدث عن السلطنة، واستنكر أي برنامج إذاعي أو تلفزيوني يخصص لهذا النوع من المناقشات العقيمة – كما حدث الأسبوع الماضي في إحدى الفضائيات العمانية - إلا إذا كان معدو البرامج نفدت كل أفكارهم ولم يستحضروا إلا ما يثير الغثيان في نفسية المستمع أو المشاهد.
جريدة عُمان