زهراء أحمد
تألمت القلوب العربية بعد متابعة حوادث قتل الطالبتين المصريتين نيرة أشرف وسلمى بهجت والأردنية إيمان إرشيد، وانتشر الذعر على المجموعات النسائية الخاصة على "فيسبوك"، خوفا من ملاقاة نفس مصيرهن.
لا تبالغ هؤلاء النسوة في خوفهن، فواحدة من كل 3 نساء حول العالم تتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي، من قبل وجه مألوف بالنسبة لها، وفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة، بالإضافة إلى أن 90% من المعتدين ليس لديهم سجلات جنائية سابقة، وغالبا ما يبدون اللطف للآخرين خارج العلاقة، فلا توجد شخصية نموذجية للمجرم المحتمل، ومع ذلك، غالبا ما يظهر المعتدين المحتملين صفات مشتركة.
علامات تحذيرية لعنف محتمل
ليس من السهل معرفة أن الإعجاب سيتحول لعنف وأذى بالنهاية، فيظهر العديد من المسيئين كشركاء محتملين ومثاليين حتى لحظة رفض الفتاة طلب الارتباط بها، أو طلب المرأة الانفصال عن خطيبها أو زوجها.
وقد شاركت جودي رور، وهي أستاذ بكلية جون جاي للعدالة الجنائية بجامعة نيويورك، ومؤسسة "التحالف المؤسسي لمساعدة وإغاثة النساء ضحايا العنف"، في حديثها للجزيرة نت، علامات تحذيرية مشتركة بين رجال مسيئين، ترتبط جميعها بمحاولة لتأسيس أو اكتساب القوة والسيطرة بطرق مختلفة، ويكفي توفر علامتين لأخذ الاحتياطات ضده.
ويمارس الشخص المسيء ضغطا قويا للارتباط بالفتاة، ويظهر غيرة شديدة تجاه أصدقاء وأفراد أسرتها، وقد يخبرها بأن لا شيء صحيح مما تفعله بحياتها، ويوجه لها نصائح بشكل حياتها الذي يفضله، ويعتبرها من ممتلكاته.
ويُظهر الشخص المسيء تقديرا متدنيا لذاته، ويشعر بالعجز وعدم الفعالية، وقد يبدو ناجحا، لكنه يشعر بضآلة هذا النجاح؛ لذا قد يتعمد إهانة الأنثى والتقليل من ذكائها ومظهرها واهتماماتها أو تحقيرها أو فضحها أمام الآخرين، وهي طريقة يتبعها البعض باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
كذلك يتتبع الشخص المسيء ضحيته والأماكن التي تتردد عليها، ويحاول اختراق حساباتها الإلكترونية، وإرسال هدايا غير مرغوبة، والملاحقة بمكالمات هاتفية متكررة.
وقد نبهت ستيفاني ميودوس باحثة علم النفس بجامعة تمبل، وعضو "الجمعية الأميركية لعلم النفس" (APA)، في حديثها للجزيرة نت، على ضرورة تحجيم أسباب العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، بدلا من إلقاء عبء الوقاية على النساء المهددات.
أشكال مختلفة للتهديد
وتحذر رور من الاستهانة بالتهديدات أو الترهيب بالقول أو الفعل لإيذاء الأنثى أو أفراد أسرتها أو انتحار المسيء، كما تحذر من انفعالات رجل يغضب سريعا، ويتقلب مزاجه بشكل غير متوقع، ويدخل في نوبات عنف، ويحملها مسؤولية مشاعره وأفعاله، ويخبرها بأنه لا مخرج من علاقتهما.
وأشار ستيليوس كيوسيس، أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد، وعضو الجمعية الأميركية لعلم النفس في حواره مع الجزيرة نت، إلى إمكانية استمرار التهديد لنحو عامين بعد تلقي الأنثى أول تحذير من شريك سابق أو حالي، وفقا لنصائح قدمتها نساء معنفات ومصابات للنساء الأخريات اللواتي من المحتمل أن يتعرضن للإساءة.
ولم يحصر كيوسيس التهديدات في التهديد الصريح بالقتل فقط، بل شمل كلامه المضايقات والمراقبة والمطاردة للفتاة والتهديد بالانتحار وسلوكيات من شأنها تدمير حياتها المهنية والاجتماعية، ويعد تناول المخدرات وإدمان المشروبات الكحولية والبطالة والوضع المضطرب لأسرة الشخص المسيء تحذيرات إضافية، وأضاف أن عيش الأنثى بمنطقة بعيدة عن الشخص المسيء يقلل بشكل كبير من خطر تعرضها للقتل.
خطة لوقف جريمة محتملة
واعتبر جاك دريشر، أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة نيويورك، في حواره مع الجزيرة نت، التهديد إنذارا نهائيا باحتمالية وقوع جريمة، ففي حين أن غالبية التهديدات ربما لا تتحول لجرائم قتل، يجب أن يؤخذ التهديد بجدية، والتعامل مع الأنثى كضحية محتملة، ويجب على الفتاة التي تتلقى تهديدات من أي نوع أن تخبر من حولها على الفور، وأن تبلغ عن كل الأماكن التي تتردد عليها، ويجب وضع خطة مع الأصدقاء والعائلة والزملاء في الأماكن التي تتردد عليها، كي لا يُصدموا إذا حاول المسيء تنفيذ تهديده.
وأشارت رور لضرورة التحرك فور إعاقة المسيء لقدرة الفتاة على العمل أو الذهاب للدراسة، ومشاركة الفتاة مخاوفها مع أفراد عائلتها وأصدقائها وجيرانها الموثوق بهم، والعمل معهم لوضع خطة إذا احتاجت مساعدتهم. وقد تتضمن الخطة ابتكار رمز سري لإرساله وقت الحاجة، إذا شعرت باقتراب التهديد، أو كانت تحت المراقبة، والاحتفاظ بهاتفها مشحونا دائما، وفي حوزتها، إذا احتاجت الاتصال لطلب المساعدة فور رؤيتها للمسيء في نطاق وجودها.
وأضافت ميودوس احتمالية معاناة العائلات من ضائقة نفسية عندما يتعرض أحد أفرادها للتهديد والمضايقة، ومكافحتهم لمعرفة التصرف السليم، وهنا يجب اللجوء لمتخصص في الدعم النفسي وخبير متخصص في قضايا العنف، لمساعدتهم على التفكير في خطط حماية قوية.
ونصحت هيدي جاويش، الباحثة القانونية بجامعة لندن، في حديثها مع الجزيرة نت، الوالدين بضرورة تصديق فتاتهم ودعمها، للتفكير في كيفية الحفاظ على سلامة الفتاة المهددة، والبقاء معها، وتفادي إلقاء اللوم عليها، وتقديم مكان آمن للإقامة ووسيلة نقل أو أي أشكال أخرى من الدعم قد تزيد من سلامتها.
وأضافت جاويش أهمية الخطوط الساخنة لاستقبال شكاوى النساء، والتواصل مع المبادرات الاجتماعية لمكافحة التهديد والابتزاز القائم على أساس النوع.
المصدر : الجزيرة