محمد وردان
في اليوم العالمي للمرأة الذي يهدف إلى نشر الوعي بضرورة إقرار المساواة بين الرجال والنساء ومنحهن حق التعليم والعمل والتعبير والمشاركة في الحياة السياسية، نستحضر قوة وإرادة النساء حول العالم. لكن علينا أيضاً أن نلقي نظرة خاصة على واقع المرأة السورية بعد 13 عاماً من الحرب الدائرة في سورية، حيث تعيش النساء السوريةت تحديات فريدة، بسبب تشابك الأثر الناجم عن الحرب مع مطالب المجتمع والأسرة، فتتكون لديهن صورة معقدة عن حياتهن اليومية.
بدايةً، تأثرت الأسر والمجتمعات في سورية بشكل كبير جراء الحرب، إذ حملت النساء عبء الحفاظ على استقرار الأسرة، وتعاملت مع تحديات اقتصادية واجتماعية متسارعة بفعل النزوح وتدهور الظروف. وقد أظهرت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة عام 2022 أن 43% من النساء السوريات، تعرضن لشكل من أشكال العنف، الإساءات اللفظية والجسدية، الحرمان من الموارد الأساسية وغير ذلك.
لذلك، في اليوم العالمي للمرأة، علينا أن نتحد جميعاً لتكريم النساء السوريات ودعمهن في مواجهة التحديات والعمل نحو مجتمع أكثر تقدماً وعدالة، فمنذ أيامها الأولى أجبرت الحرب المشتعلة المرأة على الخروج إلى سوق العمل وفرَضَت عليها الكثير من الأعباء التي تفوق طاقتها وتكوينها، خاصة أن المرأة السورية في الأوقات التي سبقت الحرب كانت متفرغة لشؤون أسرتها وتربية أبنائها، خصوصاً في المناطق الريفية التي تحتفظ فيها المرأة بصورتها التقليدية ووضعها الخاص.
وقد حذّرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أنّ عشرات الآلاف من نساء سورية وقعن في دائرة المشقّة والعزلة والقلق، ليكافحن من أجل البقاء والعيش في ظلّ “حربٍ قاتلة”. كما أوردت صحيفة “فاينشيال تايمز” الأمريكية الكثير من الملاحظات حول وضع المرأة السورية لتؤكِّد تلك التحديات المتعلقة بها، حيث أشارت الصحيفة إلى أنّ تناقص عدد الرجال في سورية بسبب الحرب دفع النساء إلى العمل خارج البيت بشكل لم يألفه المجتمع السوري التقليدي.
وبالرغم من تلك التحديات، تُظهر النساء السوريات قوة استثنائية في التحدي والصمود، وتتحمل كثيرات منهن مسؤولية الأسرة وتسعى جاهدة لتوفير الحماية والعناية لأطفالهن.
إنّ ثقافة عمل المرأة هي ثقافة جديدة في بعض الأوساط السورية التقليدية، عمرها بضع سنوات، إذ لم يكن عمل المرأة مألوفاً سابقاً سوى لحاجة تفرضها الأوضاع الاقتصادية السيئة، وكل امرأة تعمل هي بالضرورة مضطرة، فيما لا يناسب عمل المرأة الطبقة الراقية أو الفئات المحافظة، ويقتصر دور المرأة الفاعلة من الأسر الغنية على الصالونات الثقافية والأعمال التطوعية، بعيداً عن الأعمال المأجورة والبعيدة عن تخصّصها.
لكن ظروف الحرب فتحت أمام النساء أبواباً لم تُفتح من قبل، ولم يكن العمل ثقافة وتطوراً، بل بات واجباً تفرضه الأوضاع المعيشية الصعبة في الداخل السوري، وقد تعرّضت المرأة السورية لانتكاسات صعبة أثقلت حملها مع فقدان المنزل والمعيل من أب أو زوج أو أبناء، مروراً بالتشرد والنزوح، ووصولاً إلى العمل في ظروف صعبة.
تدنّي المستوى المعيشي والاقتصادي دفع الكثير من الشباب للهجرة والعمل لإعالة الأسر السورية، كذلك أدّت الحرب إلى مقتل عددٍ كبيرٍ من الرجال، وقد أفرز ذلك تغيّراً ديموغرافياً، فزادت نسبة النساء عن الرجال بشكل كبير، وحمل ذلك التغيّر معه تغيّرات كثيرة في أنماط الحياة السورية، إضافة إلى إفراز وإنتاج مشاكل اقتصادية واجتماعية جديدة، كما كان للتغيّر في الهيكلية النسبية بين الإناث والذكور آثار واضحة تتعلق بتأخر الزواج وتراجع معدلاته، وزيادة عدد حالات الطلاق والعنوسة.
كل ما سبق وضع المرأة أمام تحدّيات عظيمة، إذ تحوّل -بالإضافة إلى دورها كأم- إلى أبٍ أيضاً بتحمل المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، بعد أن كانت مهمتها الوحيدة هي رعاية الأطفال في المنزل وترك المسؤولية الاقتصادية والإدارية على الأب، كما أنّ الفتيات اللواتي بعمر الزواج اضطررن للزواج من أي شخص، وإن كان الرجل لا يتناسب مع عمر الفتاة ومؤهلاتها الفكرية، وذلك من أجل “السترة” واستمرارية العيش، ووقعت المرأة السورية في مشكلة أخرى هي زواج القاصرات، ناهيك عن تجنيد القاصرات من قبل عدة تنظيمات عسكرية، خاصة اللواتي احتُلّت مناطق سكنهن من قبل هذه التنظيمات.
لكن أثبتت المرأة السورية جدارتها وقدرتها على تحمُّل المسؤوليات كافة، وما كان يهمها هو إعاشة أبنائها وحمايتهم من العوز والمرض والحاجة ما أمكنها ذلك.
وانطلاقاً من ذلك وجب السؤال، إلى متى تظل معرفة المرأة واكتسابها للعلم كابوساً مقلقاً؟ وإذا كان يتم السماح لها بالعمل لدواعي الحاجة الاقتصادية، فما هو السبب الرئيسي الذي يمنع ذهابها إلى مراكز التعلّم والتمكين؟
إنّ الحق في التعلّم واكتساب الشهادات العلمية والمهارات الحياتية والمهنية واجب على الجميع، بل وضرورة في ظلّ هذه الظروف التي هيّأت المرأة نفسياً واقتصادياً لاكتسابها. يجب علينا توفير كل الظروف المتاحة أمام المرأة لنيل ذلك الحق، لأنّنا بذلك نهيّئ الفرص للأم والأخت والزوجة للقيام بدورها الفاعل في تمكين نفسها من تعليم أولادها ومساندتهم أيضاً، بل ومساعدة الرجل في ظلّ هذه الظروف القاسية التي عاشها الإنسان السوري في وطنه بسبب الحرب.
إنّ المرأة التي استطاعت أن تستوعب قسوة الحرب هي ذاتها القادرة على تعويض عائلتها، فيما لو أعطيت مكانتها الحقة في التعلّم والعمل معاً.
يتعين على المجتمع الدولي الالتفات إلى حالة المرأة السورية وتقديم الدعم الفوري. يجب أن يكون هناك تركيز على تحسين الخدمات الصحية وتعزيز فرص التعليم للنساء والفتيات. كما يتعين دعم الجهود التي تعمل على تمكين المرأة وتعزيز دورها الريادي في بناء المستقبل.
وفي الختام فإنّ المطلوب من المنظّمات الدوليّة والمحلية الاهتمام بالمرأة السورية وحاجاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، لأنّ المرأة السورية بمفردها غير قادرة على القيام بالمهام الرئيسة التي تتطلبها الأسرة، لذا بات من الضرورة بمكان أن تنتشر الدعوات إعلامياً لكل المنظمات المهتمة بالمرأة لإنقاذ المرأة السورية من الوضع الصعب والخطير الذي باتت تتعرض له، ومحاولة تخفيف وقع الحرب وآثارها الكارثية ما أمكنها ذلك.