هناء إبراهيم :هيئة إرادة المرأة
مدخل:
أن المكاسب القانونية التي تتحقق لشرائح المجتمع وطبقاته في سياق تراكم حراكي ونضالي طويل المدى‘تمسي في الأعراف القانونية وروح الدساتير الوطنية حقوقاً مكتسبة لا يجوز التراجع عنها..
إن السياسات "الحكومية" التي ترتد بهذه الحقوق المكتسبة إلى ما قبل المرحلة التاريخية التي انتجتها، وتتراجع مفاهيم الحقوق لديها ما يؤدي الى تراجع حركة التطور وضرب مصالح الشعب بمكوناته الاجتماعية والطبقية ،يعتبر انتهاكاً صارخاً لقيم حقوق الإنسان والمفاهيم التي تأسست من أجلها وجعلتها مكاسب حقوقية ، يحق للمجتمع أن يدافع عن مكتسباته من خلالها بل وفرض حقوق مضافة لصالحه انطلاقاً منها.
لانستطيع أن نعزل الانتهاك الذي أصاب واقع المرأة من جراء الغزو والاحتلال وقمع حكومات الاحتلال المتتالية عما أصاب العراق من انتهاكات مست سيادة الدولة والوطن شعباً وأرضا ودمرت البنى التحتية ومقومات الحياة .
ولعَل أول حقوق الإنسان التي طالها الانتهاك كما اتفقت عليها اللوائح الدولية التي تبدأ بحق الحياة فالحرية فالكرامة فحقوق أخرى هي الحقوق التي بانتهاكها تزعزع الوضع الإنساني للرجل والمرأة معاً، وتُهدد الأمن النفسي والاجتماعي للفرد والمجتمع وتستبيح الأمن القومي للعراق والأمة العربية جمعاء. غير أن الخصوصية التي تجعل من المرأة والطفل شريحتين أكثر هشاشة لاسيما في زمن الحروب والكوارث والفوضى الاجتماعية العارمة لأسباب لسنا الآن بصدد الخوض فيها، وهي أسباب تناولتها وتتناولها البحوث الاجتماعية والنفسية فإن حجم الانتهاكات مضاعفة ومركبة تلك التي أصابت واقع المرأة وانعكست على مكانتها الاجتماعية وتراجِعها وانكسار أُسس ومنطلقات الحماية القانونية التي تحققت لها من جراء نضالها الطويل على مدى عقود سبقت التغيرات السياسية في العراق منذ عام 1958.وقد بلورتها قوانين متطورة على مستويات متعددة يتعلق بعضها بالدستور العراقي للنظام الوطني قبل الاحتلال والقوانين التي شملت بالتحديد حقوقها في قانون الأحوال الشخصية وقانون العمل المنطلقة من مبدأ المساواة بين المرأة والرجل خارج قاعدة التمييز،كما منحت المرأة مكاسب قانونية بما يحترم تعدد أدوارها في الحياة والأسرة والمجتمع والعلم والعمل وينسجم مع حاجاتها ألأساسية لسقف قانوني يدعم نهوضها ويدعم ديناميكية حراكها ومصالحها بالتطور والتقدم.
تفكيك القاعدة القانونية لمكاسب المرأة
تشترك المرأة مع الرجل في الانتهاك الذي طال وطنها وثرواته وشروط الحياة والبيئة بالتدمير والسرقة والمصادرة والتغييب وانتهاك الحقوق الأولى في الحياة والحرية والكرامة كما أسلفنا.
إلا أن التأسيس لمصادرة المكاسب القانونية لحقوق المرأة التي أدَت إلى تغيير مكانتها الاجتماعية وقيمتها كإنسان في الثروة القومية تبدأ بالمؤشرات التالية التي انتهت إلى قاعدة لعزل المرأة عن مستلزمات نهوضها بالمجتمع وتطَورها في سياقهِ المعافى:
1. قام مجلس الحكم الذي شكلهُ الحاكم الأمريكي للعراق على قاعدة الطائفية والعرقية والتمثيل الجنسي.
وهنا جاء اختيار المرأة عضوه فيه بأسباب مركبة:
وأغراض خبيثة تحدد النظرة إلى المرأة انطلاقا من:
ٲالجنس:لغرض عزل المرأة في جنسها بعيداً عن كفاءتها.
ٮالطائفة:لغرض إخضاع المرأة لهوية طائفية وعزلها عن
قيمتها كإنسان في شروط المواطنة.
جالعلمانية:لغرض جعل هذه السمة قيمة تنافس مع الطائفية
لغرض حصر الصراع بكونه صراع نسائي
بين العلمانية والدين.
2. إصدار قرار من قِبل أحد زعماء الطوائف في آخر يوم من رئاستهِ لمجلس الحكم بإلغاء قانون الأحوال الشخصية وإخضاع المرأة لأعراف المذهب وأحكامه. ورغم أن بريمر في حركة سينمائية مكشوفة الأغراض جمد القرار ومنح النساء حصة 25%كوتا نسائية في تشكيل اللوائح الانتخابية ومقاعد البرلمان ، إلا أن هذهِ الحصة استخدمت ضد مفعولها الحقيقي إذ تمثلت النساء في القوائم الطائفية والعرقية حصة لطبقة سياسية لا تؤمن بحقوق المرأة وتخضعها للثقافة المذهبية والعرقية وتستثمرها قائمة انتخابية خارج مشروع المرأة في الحرية والتقدم والارتقاء بواقعها إلى مستوى الطموح.
هنا حدثت المصادرة السياسية المباشرة لإرادة المرأة الحرة واستغلت وسيلة انتخابية فقط لا غير
3. في زحف واضح لمصادرة حقوق المرأة التي تضمنها قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته وقانون العمل وتعديلاته ، مارست الوزارات المختلفة سلوكاً إدارياً خارج أية مرجعية قانونية منعت المرأة الموظفة/ العاملة من الاستمتاع بحقوقها في حق العمل و إجازة الأمومة/ وتوفير حضانة للأطفال في موقع العمل/ وفي سياقات قانونية أخرى ولعَل التلاعب بحق العمل كمفهوم في الدستور أدى إلى
التلاعب بحق المرأة في العمل وحصرهِ بترشيح حزبي/ طائفي حسب توازع الوزارات من قبل جنِرالات الطوائف.
4. إن البطالة في العراق وصلت إلى 75% حسب المنظمة الدولية ومنظمات ناشطة أخرى ،مثلت بطالة المرأة فيها 90% . أي أن المرأة خضعت لحرمانها من حق العمل بشكل مضاعف عن الفُرص التي أُتيحت للرجل والتي انحصرت في أجهزة الشرطة والأمن وتنظيف الشوارع واشكال أخرى من العمالة شبه الرثة.أي أن المرأة فقدت المناخ التنموي الآمن لاستغلال كفاءاتها وطاقاتها في التنمية الاقتصادية كما فقدت فرص إعادة تأهيلها في مفاهيم التنمية المستدامة والتنمية الإنسانية
5.رغم أن نسبة تسرب الطلبة من مقاعد العلم في مختلف مراحله وعلى مستوى الجنسيين 70% إلا أن حصة ألأنثى كانت هي الأكبر لأسباب تتعلق بالأمن النفسي والأمن الاجتماعي المُغًيًبين تحت سطوة عنف الاحتلال وحكوماته المتتالية. وفي مثال دقيق حسب وزارة التربية الحالية أن من بين كل 480 طالب يَنهون الدراسة الابتدائية يصل 100 (مائة)طالب فقط إلى المرحلة المتوسطة أغلبهم ذكور.
كما أن الكثير من الإناث انسَحبَن من إكمال الدراسة الجامعية والعليا خوفاً من ألاختطاف أو ألاغتيال أو بسبب الهجرة القسرية داخل العراق وخارجهُ وغياب المناخ القانوني لمتابعة الدراسة في جامعات دوَل الجوار إلا لِميسوري الحال في الجامعات الأهلية.
لم نتناول كل مظاهر الانتهاكات التي أصابت المرأة
في جوانب الحياة الأخرى لاسيَما ما أصاب شريحة ألأرامل التي بلغ عددها 3ملايين أرملة تقريباً ،
كما لم نتناول ما أصاب واقع المرأة المعيلة
بسبب غياب الزوج لأسباب الاغتيال أو ألاعتقال ،
كما لم نتناول وضع المرأة في المعتقلات
والانتهاكات التي تعرضت لها مُثلها مثل الرجل ،
كما لم نتناول التحديَات التي تعرضت لها الأسرة والدور المركب الذي تمارسه المرأة من أجل توفير الأمن للوحدة الاجتماعية ألأولى على قاعدة قَيمية رصينة في الوقت الذي تسعى فيه إلى توفير لُقمة الطعام المغَمسة بالكرامة.
إلا أننا نستطيع أن نصل إلى نتائج عامة تحتوي مكتسبات المرأة القانونية التي تعرضت للإنتهاك ، وحقوقها الأصيلة وفق الشرائع الدولية الواجب تطبيقها في العراق على قاعدة: حقوقنا لأتسقط في التقادم وهي القاعدة التي تتبناها رابطة الأرامل والأيتام وهيئة إرادة المرأة (المنظمة ألأم) معاً والتي تمثل عنوان الحركة النسائية المناهضة للاحتلال والهيمنة منذ لحظة الغزو الأولى مروراً بسنوات الاحتلال العِجاف وصولاً إلى مرحلة استحقاق الحق ، وإعمال أسباب استرجاع الحقوق المنتهكة والمستلبة ، واستعادة المكاسب القانونية التي تكتسب شرعيتها من كونها مكاسب لايجوز التراجع عنها أو مصادرتها أو إلغائها أو الإلتفاف عليها.
كما أن حقوق المرأة المرتبطة بلوائح حقوق الإنسان والمرأة ، ستبقى سقفاً للحركة النسائية من أجل أن تدعم المرأة العراقية (أفراداً وجماعات) في محاكمة المسؤلين (دولة احتلال ،حكومة تابعةـ أفراد ومؤسسات) عن انتهاك جميع حقوقها المكتسبة والمقرة في اللوائح الدولية/ والحصول على التعويض المعنوي والمادي وإنزال العقوبات التي تقع تحت طائلة جرائم حرب / وجرائم ضد الإنسانية .