منى أبو حمور
عمان- في إحدى مجموعات فيسبوك المخصصة لنساء منفصلات عن أزواجهن، فاجأت إحدى العضوات المجموعة بنشر منشور غريب خرج عن إطار الاستشارة أو طلب المساعدة المعتاد، حيث كتبت "حد يساعدني بقضايا ممكن أرفعها على طليقي عشان أبهدله".
تزداد ظاهرة "الانتقام الزوجي" بين الأزواج بعد الانفصال، حيث يتجاوز بعضهم حدود السعي للحصول على الحقوق، ليبدأوا بالبحث عن كل ما يمكن أن يعكر صفو الآخر.
أثار المنشور تفاعلًا هائلًا بين مجموعات فيسبوك، وتم نشر تجارب شخصية في رفع القضايا والدعاوى، وفيها كم كبير من مشاعر الغضب والاستياء تجاه شركاء الحياة السابقين. وكان نَفَس الانتقام واضحا وكأنها موجهة ضد أعداء يربط بينهم أطفال في بعض الأحيان.
ليست الزوجات فقط من يسعين وراء الانتقام كذلك الأزواج الذين يبدأون بالتفنن في رفع القضايا بوجه زوجاتهم السابقات وإبقائهن في حالة من التوتر والقلق.
"تهرب مالي وتعمد عدم دفع النفقات المستحقة والتهديد بالأبناء وغيرها من المشاكل التي يتعمد أزواج بعد انفصالهم القيام بها فقط بهدف الانتقام"، ذلك ما يحدث في كثير من الأحيان. ويستهجن خالد حاتم الحربَ التي يعلنها الزوجان على بعضهما بعد الطلاق ويبدأ كلاهما بإخراج أسوأ ما لديهما ضاربين عرض الحائط بالعشرة والأبناء وكل ما يربط بينهما من ذكريات.
"الآباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون"، بهذا المثل الشعبي بدأت أم علي حديثها على أن الخاسر الأول في معركة الطلاق هم الأطفال ففي الوقت الذي ينسى فيه المطلقون أنهم كانوا أزواجا يوما ما وجمعهم بيت واحد لا يوفر أحد منهم فرصة لكسر الآخر والانتقام منه.
تتساءل أم علي، عن الدوافع التي تحرك بعض الأزواج بعد انفصالهم ليتخلوا عن مسؤولية أبنائهم، ويضحوا باستقرارهم النفسي والعاطفي، بسبب معركة "الانتقام الزوجي" التي يخوضونها.
خبيرة العلاقات الزوجية الدكتورة سملى البيروتي تشير إلى أن سعي بعض الأزواج للانتقام بعد الانفصال ينبع من مشاعر عميقة بالكراهية والرغبة في إيذاء الطرف الآخر. تفسر البيروتي هذه المشاعر بأنها ردة فعل نفسية على الشعور بالجرح الذي تعرض له الفرد خلال العلاقة الزوجية. ويصبح هذا الشعور دافعا للفرد للبحث عن طرق لإيذاء الطرف الآخر، وإشعاره بذات الألم الذي يشعر به.
وتحذر البيروتي من مخاطر استمرار العيش في علاقة زوجية غير متوافقة، فهذا القرار يلحق أضرارًا جسيمة بصحة جميع أفراد العائلة، بما في ذلك الزوجان والأطفال. لأن عاصفة الشعور بعدم الأمان النفسي ستجتاح جميع أفراد العائلة، ومنهم من يعانون صدمات نفسية عميقة.
هذه الأحداث بحسب البيروتي تتسبب بأثر نفسي على الأطفال وأعراض ما بعد الصدمة التي يمرون بكافة مراحلها بالإضافة إلى تبني علاقات تعلق غير آمنة مع مقدم الرعاية بما في ذلك سلوكيات قهرية مثل مراقبة الشريك السابق والتجسس عليه، أو محاولة السيطرة على حياته.
ذلك يؤدي بأن يعلق الفرد في دائرة خبيثة من تتبع الشريك والانتقام منه وبالتالي يعيق من عملية الشفاء النفسي.
وتقول البيروتي، "إن ثمن الانتقام باهظ جدا على جميع الأصعدة الاجتماعية، والقانونية والنفسية والثقافية"، متابعةً ليس جميع المطلقين يتبنون نظرية الانتقام، فهنالك من يكون لديه وعي بأهمية الحفاظ على علاقة صحية ذات حدود واضحة أمام الأولاد.
وينبغي على الأزواج بعد الانفصال بحسب البيروتي عدم التكلم بسلبية أمام الأطفال عن الطرف الآخر وشخصيته وسلوكه، منوهة أن هنالك فرقا بين الانتقام ورسم الحدود الجديدة والضرورية للإبقاء على علاقة صحية بين المطلقين من أجل الأولاد.
من جهته يشير خبير علم الاجتماع الأسري رئيس جمعية العفاف مفيد سرحان إلى أن الأصل بأن يتم اختيار كل من الزوجين للآخر بناء على أسس واضحة تراعي الرغبة والانسجام والتوافق والاستعداد للتضحية. وإدراك أهمية الزواج والأسرة والتشارك في تربية الأبناء، وهي أمور ضرورية تساهم في بناء الأسرة على أسس صحيحة.
ويشير سرحان إلى إمكانية حدوث خلافات بين الزوجين التي من الممكن التعامل معها وإيجاد حلول مناسبة لها، وتقديم مصلحة الأسرة والأبناء على أي مصالح شخصية أخرى دون إلحاق الضرر الجسدي أو النفسي بأي من الطرفين، فطبيعة الحياة لا تخلو من المشكلات، لكن المهم كيف نتعامل معها والاستفادة منها وعدم تكرارها.
ويمكن في بعض الحالات استشارة أهل الخبرة والاختصاص من اجتماعيين ومستشارين لمساعدة الزوجين على التعامل مع المشكلة. أو تدخل بعض المصلحين ممن لديهم الحرص على استمرار الزواج والمحافظة على الأسرة، بحسب سرحان.
وفي حال تكرار المشكلات وتفاقمها واستحالة الحياة الزوجية التي تحقق الأهداف المرجوة من الزوجين وهو تحقيق السكن والطمأنينة والمودة والرحمة والاستقرار للزوجين والأبناء، فإن الطلاق هو آخر الحلول وفق سرحان، وهنا يجب أن يراعي الطلاق مصلحة الزوجين والأبناء وألا يسبب الظلم لأحد. ويبتعد عن عقلية تعمد الإساءة والضرر أو الانتقام من الآخر.
ويقول سرحان، "إذا كان قرار الزوجين أو أحدهما ألا يستمرا بالزواج فهذا لا يعني تدمير حياة الآخر أو حياة الأبناء أو التسبب بأضرار نفسية لأي طرف لأن ذلك يعني التحكم في مستقبل الآخرين". ويتابع، الأخلاق والقيم هي التي يجب أن تحكم العلاقة بين الزوجين سواء خلال الزواج أو بعد الطلاق.
ويشير بدوره إلى أن الانتقام من الآخرين صفة مذمومة تنم عن الحقد والضغينة والكره وعدم تمني الخير للآخر بل وإلحاق الضرر به، وهذا التفكير له آثاره السلبية على الشخص نفسه من حيث القلق والأضرار والتوتر وسينعكس سلبيا على حياته فالإنسان يجب أن يحب للآخرين ما يحبه لنفسه.
ولو شعر أحدى الزوجين بالظلم وعدم الإنصاف، فإن من حقه أن يحصل على حقوقه التي حددها الشرع والقانون دون تجاوز أو تبلٍ، بل المطلوب قدر كبير من التسامح مع الآخر، مؤكدا سرحان أن الحقوق المادية للزوجة يمكن الحصول عليها ضمن القانون مع مراعاة ظروف الزوج وإمكانياته. خصوصا إذا كانت رعاية الأبناء ضمن واجباته.
ولا ينبغي أن يكون الأبناء سببا في الضغط وابتزاز أحد الزوجين للآخر حتى لا يكونوا ضحية الخلاف. فكلا الأبوين يجب أن يراعيا مصلحة الأبناء ومستقبلهم. ومن حسن العشرة أن يحافظ الزوجان على الأسرار الزوجية وعدم إفشائها والإساءة إلى الآخر.
ومن أخطر ما يحصل في بعض الحالات أن ينتقل الخلاف إلى الأبناء حيث ينقسم الأبناء إلى فريقين أحدهما يناصر الأم وآخر الأب مما يعني تدمير علاقات الأخوة والروابط الأسرية. وقد يحدث أن تستخدم الأم الأبناء كنقطة ضغط على الأب للحصول على مكاسب مادية ليست مشروعة أو العكس. ووفق سرحان ينبغي ألا يمنع أحد الزوجين الآخر من مشاهدة الأبناء واللقاء معهم أو افتعال الحجج لمنع اللقاء. وهي أمور يصعب معالجتها إذا لم تتوفر النوايا الحسنة والصدق والأمانة والحرص على المصلحة لأن القانون لوحده لن يكون سبيلا لتحقيق مصالح الجميع.