هالة حسن طاهر الحضيري
كثر اللغط والشد والجذب في أمر حقوق المرأة، واستنفد من ميزانيات العالم بما في ذلك الأمم المتحدة الكثير لتنظيم الندوات والمؤتمرات والمهرجانات التي تشجع وتنادي بخروج المرأة للعمل أسوة بأخيها الرجل.. وأصبحت حقوق المرأة كالعلكة التي تلاك في الأفواه يتمضغ بها من لا يهمه حق للمرأة ولا تشغله لها كرامة!.
وانساقت الكثيرات وراء الشعارات البراقة وخاضت مع الخائضين مجالات العمل خارج المنزل. ووقفت جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل، ضاربة في حالات كثيرة عرض الحائط حرمة الاختلاط؛ مدعية فيما زين لها قرناؤها قدرتها على السيطرة على نفسها، وعدم السماح لأحد بالتجاوز معها وإن كانت وسط ألف رجل.
ومن هنا بدأت القصة فخروجها للعمل يستدعي أن ينوب عنها شخص في منزلها! وأصبحت المهام تسند للآخرين من خادمات وجليسات وفي أفضل الأحوال جدات. وصارت المرأة تعود إلى منزلها محملة بهموم العمل ومشاكله، أسوة بأخيها الرجل الذي هو في هذه الحالة (زوجها) الذي يحلم طوال نهاره أن يعود للمنزل ليجد وجها مشرقا مبتسما يستقبله بحب وشوق ينسيه تعبه، فأصبح الآن يعلم أنه إما أن يجد خادمة في انتظاره لتقول له: إن الغداء جاهز، وأن (المدام) نائمة..أو أن يجد نفسه مضطرا للانتظار كون زوجته الغالية لم تعد بعد من العمل!. أو أنه سيجد في استقباله وجها عبوسا وفكرا شاردا يحمل هموم المشاغل المتراكمة!. وبدأت فجوة مقيته تتكون بين الزوجين تزداد يوما بعد يوم.
أما إن كانت الأسرة وهذا هو الغالب (لديها أطفال) فالأمر أمر وأعتى!! سيتضاءل حيز الحنان الذي كان يفيض به عليهم قلبها؛ كونها أصبحت مشغولة، وسيتوترون بين الأساليب التربوية المختلفة مابين الأم والخادمة والمعلمة والجدة وأيضا السائق في بعض الأحيان، فيتشتتون ويتيه فكرهم عن جادة الصواب.
وأمهم لم يعد لديها الوقت الكثير لمتابعتهم ومحاورتهم وملاعبتهم. وربما لايسعفها وقتها أن تجلس معهم أكثر من أوقات الوجبات.. خاصة إن كانت ممن يقدمون المجاملات الاجتماعية على الواجبات الأسرية. فما يتبقى من بعد العمل والطعام سيقسم على الزيارات والمكالمات والاستقبالات والقليل القليل من فائض وقتها للأسرة.
هذه المشكلات والمنغصات الأسرية وإن كانت نشأت في محيط الأسرة وقد لا يعلمها أحد من خارجها؛ إلا أن تأثيرها السلبي يكلف المجتمع ككل ماديا ومعنويا. فمن المعروف أن الاستقرار الاسري عامل مهم في أداء الموظف.. وكذلك عامل أساسي في التحصيل العلمي لطلاب المدارس على مختلف أعمارهم.
علاوة على الاضطرابات النفسية التي تنشأ لدى الأفراد؛ بسبب الجو المتوتر في البيوت، وعدم المتابعة التربوية، مما يؤدي في كثير من الحالات لتدخل المستشارين النفسيين والاجتماعيين لعلاج ما يمكن علاجه.
وعلى الرغم من أن الكثيرات من النساء مقتنعات في الأصل بمهمتهن الرئيسية؛ إلا أن تلبيس إبليس وأعوانه من أبالسة الإنس يهيئون لهن أفكارا أخرى تشتتهن وتلهيهن عن سمو ما هن مكلفات به. وعندما تجر المرأة الأم إلى النقاش حول خروجها للعمل وإضراره في معظم الحالات بمصالح أطفالها وحسن تربيتهم تصل في نهاية النقاش لأن تقول لك: "إن الحق معك، ولكن الحياة صعبة وراتب الأب لوحده لا يكفي؛ لذا أنا مضطرة للعمل".
وتتهاوى هنا كل الادعاءات ليظهر الحق في أن تضحيتها بتربية أطفالها واستقرار أسرتها في غالبه سعيا وراء المادة.
وبالنظر إلى الأمر بواقعية.. تكاليف الحياة حقا تجر المرأة لذلك لتوفر لأطفالها ما يحتاجونه من كماليات، خاصة إن لم تتعلم كيف تربيهم على القناعة. فلو توفر للمرأة الأم راتب يغنيها عن الخروج مخاطرة بتربية أطفالها واستقرار أسرتها لما خرجت وتركتهم.
وربما كان هناك مشاريع مقترحة في بعض الدول لإيجاد مسمى راتب ربة البيت. ولكن حتى هذه الفكرة إن نفذت بشكل سطحي ودون متابعة حقيقية لمهنة ربة البيت؛ فلن تعطي نتائجها المرجوة، حيث إن ربات البيوت ربما استأنسن بالتجمعات النسائية في المنازل والجولات التسوقية وحفلات الاستقبالات.. والراتب ماشي.. ولا مشكلة لديها.. في حين أنها الكارثة على رؤوس الأبناء خاصة والأسرة عامة والمجتمع عموماً.
ولست هنا ضد فكرة راتب ربة البيت.. إنما لتؤتي هذه الفكرة ثمارها يجب أن تطبق بشكل علمي ومدروس دراسة اقتصادية واجتماعية ونفسية. ومن الممكن أن تعتبر ربة البيت موظفة لدى الحكومة تتبع وزارة التربية تتقاضى راتبا شهريا نظير قيامها بمهامها التربوية مع أبنائها.. وتشكل لجنة من الأخصائيات الاجتماعيات والنفسيات والتربويات لمتابعة الأساليب والنتائج التربوية لدى الأم(ربة البيت) بالمثل كما يحصل مع معلمات المدارس من قبل المفتشات التربويات. .وتحصل الأمهات المتميزات على علاوات ومكافآت تبعاً لإنجازاتهن التربوية.
وليكون الناتج التربوي أعم وأفيد للمجتمع ككل. لا يفرق في هذا بين أسر المواطنين وأسر المقيمين. ففي الحصيلة كلهم يؤثرون على رقي المجتمع وسلامته من الآفات التربوية والمشاكل النفسية والاجتماعية.
ربما إن أخذت هذه الأفكار ونوقشت بموضوعية من قبل من وُضِع بين أيديهم مهام اتخاذ القرار؛ لكان ذلك أوفر بكثير لميزانيات الدول التي تصرف على رواتب موظفات يكلف خروجهن للعمل المجتمع ميزانيات أخرى لعلاج القصور التربوي والنفسي لأفراد الأسرة جميعا.
لها أون لاين