بقلم : طه خليفة
فرنسا فبراير 2004 تصدر قانوناً بمنع ارتداء الحجاب في المدارس العامة والمؤسسات الحكومية.
فرنسا يوليو 2010 تصدر قانوناً بمنع ارتداء النقاب تماما في الفضاء العام أي في كل مكان عام في فرنسا.
فرنسا 2004 كانت الأسبق في أوروبا بمنع الحجاب لتلميذات المدارس بينما في منع النقاب سبقتها بلجيكا التي أصدرت قانوناً هذا العام قبل فرنسا.
مسألة وقت فقط لتمنع كل أو معظم بلدان أوروبا الحجاب والنقاب ثم ربما يستديرون على " اللحية " لمن يطلقها من أبناء الجاليات المسلمة خصوصا - دون فرق ربما بين متدين أو من يطلقها لأسباب غير التدين - لأن غير المسلمين في أوروبا سواء من أبنائها أو المهاجرين من أصحاب الأديان والعقائد الأخرى يطلق بعضهم لحاهم ليس لأسباب دينية غالبا فالمستهدف من القوانين والإجراءات التي تضيق على الحريات والخصوصيات والهويات الدينية والعقائدية هى الجاليات المسلمة .
هناك في الغرب بشكل عام " فوبيا " من الإسلام تحولت إلى هوس مرضي بعد هجمات 11 سبتمبر المدانة بالطبع . الرفض والعداء للإسلام موجود تاريخيا في أوروبا والحروب الصليبية كانت واحدة من محطات العداء الدموي ضد الإسلام والمسلمين.
فرنسا البلد الذي فجر واحدة من أعظم الثورات البشرية التي رفعت شعارات إنسانية عالمية هى الحرية والإخاء والمساواة من الأسف أنها فتحت باب سن القوانين للتضييق على الحريات الخاصة والعامة لاستهداف المسلمين فيها بحجة الحفاظ على العلمانية وقيمها ومبادئها أمام التطرف الإسلامي.
نحن نقر بأن بعض المسلمين يعتنقون أفكارا متطرفة ولهم ممارسات لاتتفق وصحيح الإسلام وهم يشوهون صورة الإسلام الحقيقي في الغرب والعالم لكن " الاسلاموفوبيا " لم يعد يفرق بين قلة شاردة وأغلبية منضبطة غير متطرفة والخطورة أن عداء الغرب امتد للإسلام ذاته كدين وكعقيدة كما امتد لرموز هذا الدين والرسوم المسيئة مجرد نقطة في بحر الإساءات .
إذا كان البعض قد أساء استخدام الحجاب أو النقاب فهل يبرر ذلك صدور تشريعات تحمل معنى العقاب لكل من تضع قطعة القماش على رأسها أو وجهها. ثم كيف يهدد هذا الزي العلمانية في فرنسا وأوروبا ؟. أليس من قيم العلمانية الحرية الشخصية ؟. وأليس اللباس هو حرية شخصية ؟. ماهذا التناقض وماهذا التهافت للعلمانية التي تهددها قطعة القماش ؟.
لكن ألا يضير هذه العلمانية أن تتعرى المرأة أو تمارس حريتها الشخصية كما تريد؟. هنا لايكون ذلك ضد العلمانية بينما أن تضع المسلمة قطعة قماش على رأسها أو تخفي بها وجهها فان ذلك يضر وينسف العلمانية . اللباس حرية شخصية والدساتير الأوروبية تكرس الحرية الشخصية وحرية اختيار الدين والمعتقد والمذهب بل وحرية الإلحاد أيضا فلماذا تقف هذه الحرية عند غطاء الرأس أو غطاء الوجه ؟.
ولماذا لا ينظر إلى الحجاب أو النقاب على انه فضيلة تحفظ المرأة وتصونها من التحول إلى سلعة وتجارة وبيع وشراء وانتهاك.أيهما أفضل للغرب العقلاني المتسامح المنفتح أن تكون المرأة عفيفة أم تكون سلعة مهانة منتهكة؟. لا أريد أن أضع الحجاب أو النقاب في مواجهة العري ولا أريد القطع بأن غير المحجبة أو المنقبة هى منفلتة أخلاقيا .
المعنى أن الغرب إذا كان يؤمن بتحرير المرأة حتى من اللباس فليس القصد أن كل المتحررات هن عرايا أو متهتكات أو بلا أخلاق وفضائل أو هن سلعة للاتجار فالمؤكد أن بين النساء في الغرب فتيات وسيدات محترمات ومنهن المتدينات أيضا لكن من المهم الانتباه إلى انه عندما تترك الحرية للمرأة لتكون كما تشاء تبقى امرأة أم تتحول لرجل تلبس أو تتعرى تتزوج أو تصادق تنجب من زوج أو من رفيق فانه من حق المرأة المسلمة هناك أن تكون كما تشاء أيضا محجبة أو منقبة أو بدون حجاب أو تفعل كما يفعل أهل روما و باريس .
نسق القيم والفضائل لا يختلف من مجتمع لآخر ولا من ثقافة لأخرى لأنه نسق إنساني لايتغير بتغير الأمكنة والثقافات والحضارات فالكذب مثلا هو عادة مذمومة في كل ثقافة وفي كل مجتمع وفي كل دين سماوي أو معتقد وضعي وكذلك الأمر بالنسبة للاجتهاد في العمل والإخلاص والأمانة والحفاظ على المال العام والفضائل والقيم الأخلاقية. السيدة أو الفتاة المحتشمة لا تلفت انتباه احد ولا تثير غرائز احد أما العارية فإنها تثير الغرائز وقد تجعل الإنسان ينقاد وراء أسوأ ما فيه وهو الجانب الحيواني الشهواني .
بينما بابا الفاتيكان يدفع أوروبا دفعا إلى التدين والعودة لحظيرة الإيمان نجد الساسة يدفعون الجاليات المسلمة إلى الابتعاد عن التدين عبر التضييق والملاحقات والاشتباه ووصم كل متدين بأنه متطرف أو إرهابي.
لكن للأمانة فإنه بقدر ما نلوم الأوروبيين على سلوكهم السياسي الذي يناقض ما عرف عنهم من حرية وديمقراطية وحقوق إنسان فإننا لابد أن نلوم بعض أبناء الجاليات الإسلامية الذين لا يقدم بعضهم النموذج والقدوة الحسنة لدينهم الرائع هناك. إنهم يرتكبون أخطاء شنيعة وممارسات مرفوضة جعلت المجتمعات تخشاهم وتقلق منهم.
أفظع ما يفعلونه أن ينخرط بعضهم في ممارسات عنف ضد الأوطان التي يعيشون فيها حيث آوتهم وحمتهم وأعطتهم حقوقا لم يكونوا يحصلون عليها في بلدانهم بل إن منهم من فروا من بلدانهم بسبب الاضطهاد والاعتقالات والتعذيب وانتهاك حقوقهم الإنسانية فوجدوا الحماية والرعاية والعيش الكريم في الغرب غير المسلم لذلك عليهم أن يقدموا الصورة الحسنة والايجابية لدينهم الذي لايستحق منهم كل هذا التشويه.
المؤسف أيضا أن بعض الأنظمة الحاكمة في البلدان الإسلامية تحارب النقاب وتمنعه في المصالح والمؤسسات الحكومية وفي الجامعات ويسخر الإعلام الرسمي من المنقبات بينما يحترم المتبرجات والأمر لايقتصر على النقاب فالحجاب هو الآخر يواجه بالتضييق وتشن الحروب على غطاء الرأس أيا كان من بعض النخب الإعلامية والفكرية والثقافية المزيفة ويصور على انه رمز التخلف والقهر أما خلعه فهو رمز التحرر والتمدن والتحضر .
ومن هنا تستمد البلدان الأوروبية مبررات المنع . التضييق على الحجاب والنقاب خطأ مشترك ترتكبه: حكومات أوروبا المعبئة ضد الإسلام وسلوكيات بعض أبناء الجاليات الإسلامية وحكومات دول إسلامية تشارك في هذه الحملة.
حملة عالمية على الحجاب والنقاب
- التفاصيل