ياسر الزعاترة
  بحسب تقرير نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية (8 ـ 9) للصحافي الشهير (روبرت فيسك) ، فإن عدد اللواتي يقتلن تحت مسمى جرائم الشرف في الدول العربية وعدد من الدول الإسلامية يراوح في حدود العشرين ألف فتاة (ركز التقرير على باكستان ، مصر ، الأردن والضفة الغربية وغزة).
  في التقرير قصص تثير الغثيان حول عدد ممن قتلن بالتهمة المذكورة ، ويبدو أن الكاتب كان متعاطفا مع القضية إلى درجة المبالغة وقبول روايات من الصعب التحقق منها ، كما أن حشر بعض قضايا الانتحار في سياق جرائم الشرف هو أمر إشكالي أيضا ، لأن الانتحار ظاهرة موجودة تحصد مليون إنسان في العالم سنويا تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يصلوا إلى مليون ونصف المليون خلال السنوات المقبلة.

 الأردن وفلسطين يتصدران التقرير رغم أن عدد الحالات فيهما متواضع جدا (حوالي 15 حالة في الأردن سنويا) ، الأمر الذي يثير أسئلة يدركها المعنيون ، والسبب المعلن هو وجود نص قانوني يخفف العقوبة على القاتل ، والذي تضغط سائر المنظمات الدولية باتجاه شطبه ، ليس من أجل بناتنا وروح العدالة بالطبع ، بل من أجل تشجيع الرذيلة وتفكيك منظومة الأسرة ، الأمر الذي تؤكده الكثير من النشاطات التي تقوم بها تلك المنظمات التي لن نصدق للحظة أنها  حريصة علينا وعلى واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
  والحق أن كثيرا مما يجري على هذا الصعيد لا صلة له بالدين ، بدليل تأكيد التقرير على أن بعض جرائم الشرف ترتكبها عائلات مسيحية ، أي أن القضية ذات صلة بالعادات والتقاليد أكثر من الدين الذي لم يفرق في جريمة الزنا بين الرجل والمرأة ، ولم يقل بقتل المرأة الزانية (حكم الرجم خلافي بحسب بعض العلماء ، وليس هذا مجال الخوض فيه) ، مع العلم أن أكثر جرائم الشرف تمارس بحق الفتيات وليس النساء المتزوجات. والخلاصة أن الحكم الشرعي معروف للقاصي والداني ، لكن المعنيين لا يطبقون قانون الشرع ، وإنما قانون القبيلة والأعراف السائدة ، أما مسألة التخفيف في الحكم فلها أصل في الشرع أيضا ، إذ أن بوسع وليّ المقتول أن يعفو عن القاتل.
 من الصعب الحديث عن أي براءة في سياق التركيز على جرائم الشرف على النحو الذي نتابعه منذ سنوات طويلة ، وها هو "فيسك" يتورط فيه بكثير من المبالغة وإثارة المشاعر. نقول ذلك لأن ثمة جرائم كثيرة ترتكب بحق البشر من قبل أمريكا وحلفائها لا يتم التوقف عندها (لا ينسحب هذا على روبرت فيسك الذي ينتصر كثيرا لقضايا المستضعفين) ، ولنسأل عن عدد ضحايا الحرب الأمريكية المجنونة على العراق ، وعدد الضحايا في أفغانستان ، بل وباكستان أيضا. ألا يمكن القول إنها تساوي عدد ضحايا جرائم الشرف خلال عشرات ، بل ربما مئات السنين؟،

 

  ثم ماذا عن ضحايا الفيضانات والأوبئة؟ لماذا تدفع الملايين على منظمات تتابع قضية من هذا النوع ، بينما يبخل على ضحايا الفيضانات في باكستان بالمساعدة ، وعندما تقر المساعدات المحدودة يذهب أكثرها للمصاريف الإدارية ، ولا يصل المساكين منها إلا النزر اليسير؟،

 المؤكد أن أحدا لا يقتل ابنته أو أخته وهو في حالة حبور وفرح ، لكنه ضغط الواقع الاجتماعي ، مع العلم أن من تفرط بعرضها طائعة (نكرر طائعة) وهي تعلم ما يعنيه ذلك بالنسبة لأسرتها وعشيرتها هي مجرمة من دون شك ، كما أن شريكها مجرم أيضا ، بل لعله أكثر جرما نظرا لفعله ذلك عن سبق إصرار وتصميم ، ولا شك أن القانون ينبغي أن يلتفت إلى أمثال هؤلاء بتغليظ العقوبة ، مع أن الأفضل والأنجع هو تطبيق الحد الشرعي. أما إذا كان المعني مغتصبا ، فهو مفسد في الأرض يستحق القتل.

 في مقابل الذين يقتلون بناتهم ، هناك آخرون يفعلون العكس ، حيث يسترون عليهن ويذهبون نحو عمليات ترقيع البكارة ، أو يلملمون الموقف بطرق أخرى ، لاسيما إذا أدركوا أن الأمر كان محض خطأ أو نتاج استدراج ، وليس صحيحا أن كل من علم بأمر معيب على ابنته يبادر إلى قتلها.

 لا نريد رش السكر على الموت ، لكننا نقول إن في معالجات القضية الكثير من المبالغة غير البريئة ، بل المقصودة ، وينبغي للعقلاء أن يوازنوا بين التورط فيما يشجع التسيب والفلتان الأخلاقي وبين التسامح مع جرائم تخالف الشرع وتأخذ بالشبهة ، فالقيم الأسرية هي آخر حصوننا ولا ينبغي السماح لأحد بتهديدها بدعوى الحرية وحقوق الإنسان.

 

JoomShaper