لا نظن أحدا – والعهدة على ما يُنشر في الصحافة – يجادل في انتشار التدخين بين الإناث،ونحن حين نقول الإناث فذلك من أجل الإشارة أن التدخين ليس حكرا على فئة عمرية محددة،وإنما هو بلاء انتشر بين الإناث في مختلف الأعمار،ومختلف المستويات الاجتماعية.

تلك (الظاهرة) تحتاج إلى دراسة،بل دراسات،للبحث الجاد عن أسباب تلك الظاهرة والسعي نحو إيجاد حلول لها.
بين يدي مجموعة من المقالات القديمة،والتي تتحدث عن تلك الظاهرة،وتحذر منها،ورغم مرور أكثر من عقد على بعض تلك المقالات،إلا أننا نعتقد أن ظاهرة تدخين الإناث لم تزل في ازدياد،فإلى الله المشتكى.
لعل الأسئلة التي يجب أن تُطرح : لماذا تدخن المرأة؟! هل تدخينها مجرد محاولة لتقليد الرجل؟! هل تدخينها رسالة تمرد؟!
ذكر الدكتور صالح الكريم أنه حين انسحب’مع عائلته من جناح العوائل في أحد الأماكن،وذلك بسبب النساء المدخنات،أو (السيارات المبوشة)،حسب وصفه لهن،وعندما أخبر أحد المباشرين عن سبب انصرافهم السريع،علق المباشر قائلا :
(خليها تكيف .. ليه الرجال أحسن منها.){جريدة عكاظ العدد 11528 في 17/11/1418هـ}.
فهل تلك الكلمة التي قالها المباشر،ببراءة هي المفتاح؟! أي أن النساء يدخن ليكن مثل الرجال!!
لقد تضافرت وسائل الإعلام،ومنذ زمن بعيد،على الحديث عن ظلم الرجل للمرأة واضطهاده لها .. إلخ فهل أصبحت المرأة تتقمص دور جلادها؟!
وعن تشبه المرأة بالرجل نقرأ ما نُشر بجريدة الأهرام القاهرية يوم 27/5/1977م :
(مع بداية غزو البنطلون والزي الرجالي لعالم أزياء حواء بدأت النساء في التشبه بالرجال في كل شيء ووصل الأمر ببعض النساء إلى درجة الإحساس بالذنب عند التفكير بأنوثتهن،فأصبحت الأنوثة أحدث ما أضيف إلى قائمة الممنوعات الاجتماعية.){ ص 120 (المرأة العربية المعاصرة إلى أين؟) / د. صلاح الدين جوهر }.
ولا يخفى على أحد انتشار موضة ارتداء البنطال بين النساء في مجتمعنا.وقد قرأنا ما يلي :
(تحت العشرين الموضة مع الجينز المطاطي .. يمثل قماش الجينز المطاطي أنسب الخامات لموديل الشابات خاصة إذا ما تم انتقاؤه وفق ألوان موضة الموسم والتي تشمل البرتقالي .. هذا ويمكن إعداد إنسامبل مكون من قطعتين .. إلخ){ جريدة الجزيرة العدد 8985 في 28/12/1417هـ}.
نتجاوز (الموضة) لنعود إلى الإلحاح على ظلم المرأة،واضطهاد الرجل لها،ذلك الإلحاح،وخصوصا عبر الأعمال الدرامية المتلفزة والمسينمة،أرى أنه سوف يفرز لنا أحد أنموذجين من النساء المتمردات،والحديث بطبيعة الحال لا يشمل من نجاهن الله واعتصمن بدينهن،ولا من كان لديهن الوعي الكافي لقراءة تلك الرسائل التي يبثها الإعلام.
الأنموذج الأول الذي يفرزه تكرار الحديث عن ظلمة الرجل المرأة،وتضخيم الأمر : المرأة التي تكره الرجل وتعده عدوها الأول.ولعلنا نتلمس ذلك في مجتمعنا الخليجي في هذه الكلمات التي كتبتها من رمزت لنفسها بــ(امرأة)،في مقالة نُشرت بمجلة (أسرتي) الكويتية يوم 21/4/1979م :
(هو كالطفل يتوقع من زوجته دائما أن تلعب في حياته دور أمه هو أناني دائما يميل إلى السيطرة وينتظر من زوجته الطاعة العمياء والرضوخ لأوامره ونواهيه فهو السيد في البيت وحتى على الفراش هذا هو الرجل العربي كما أراه وتراه كل زوجة). كما كتبت فتاة خليجية رمزت لنفسها بــ( م.ق. أ)،بنفس المجلة،ولكن في يوم 9/6/1979م :
(الرجل العربي دائما متناقض دائما أناني ولا أخال تلك الصفات ستزول عنه وستبقى ما بقي على وجه الأرض إنك أناني جدا .. أناني ولم تعرف بعد الطريق لكيفية العيش مع المرأة واحترامها وتقديرها.){ص 45 ( المرأة العربية المعاصرة إلى أين؟)}.
الأنموذج الثاني : المرأة التي تحاول التشبه بالرجل القوي،في كل ما ترمز إليه قوته،ورغبة التشبه تلك،تدفعها إلى كره كل ما يذكرها بأنوثتها،ورقتها،إذا أن الأنوثة تصبح – في لاوعيها – معادلا للنقص والضعف.
وفي هذا الصدد تقول الصحفية الأمريكية لوسي فريمان،عن تجربتها مع التحليل النفسي :
(وهكذا ساعدني جون على اكتشاف مسألة (زادتها وضوحا ذكريات الطفولة ) مفادها أنني أخجل في أعماقي من كوني فتاة ولست صبيا وهذا الخجل كان دافعي لأقلد الصبيان في طفولتي ولأعمل بالمساواة مع الرجال فيما بعد. ومن ثم فقد كان هذا الخجل من كوني فتاة هو الذي يمنعني من التفكير في الزواج الذي هو مصير كل أنثى .. وفيه ما فيه من الاستسلام للرجل){ ص 19،مجلة "الثقافة النفسية" العدد الخامس،المجلد الثاني،كانون الثاني – يناير 1991م}.

لعل مما يدل على مدى انتشار تدخين الإناث،أن الأمر تجاوز حد المعقول – إن كان ثمة معقول – أي التدخين في المقاهي أو المطاعم،ولكن الأمر وصل إلى التدخين في .. تخبرنا الأستاذة سلطانة العبد الله أنها ذهبت لأداء واجب العزاء فوجدت النساء يدخن الشيشة!! ثم تقول :

(ناولتني إحداهن "اللي" ولكني اعتذرت فنظرت إلي بنصف عين وكأنها تقول : متخلفة.){ جريدة الندوة العدد 11991 في 17/12/1418هـ }.

ربما كان هذه النظرة التي تعني (متخلفة) تلخص نظرة المرأة – المدخنة – للتدخين وتدل على أنه أكثر من مجرد (كيف) فنحن لا نجد الرجل المدخن يصف غير المدخن بأنه (متخلف) ولكنه ربما هنأه على عدم تدخينه .. أو اعتبر الأمر ليست له دلالة خاصة يُصنف صاحبها على أنه (متقدم) أو (متخلف).

من هنا فإنني أرى – والله أعلم – أن الذين يصفون المرأة المدخنة بأنها (مسترجلة) – لينفروها من التدخين – إنما يدفعونها للتدخين أكثر فأكثر.

وقد نقل الدكتور عبد القادر طاش – رحمه الله – عن الدكتور يسري عبد المحسن قوله :

(إن المرأة التي تقبل على التدخين .. مفتقدة للأنوثة ولديها ميل فطري أن تكون مثل الرجل لأن التدخين مزاج ذكوري ولا تقبل عليه سوى المرأة المسترجلة .){ جريدة المدينة العدد 12744 في 13/11/1418هـ}.

أعتقد أن دعوى الدكتور يسري هنا،هي محاولة لتنفير المرأة من التدخين أكثر من أي شيء آخر،فالتدخين ليس غريزة،بل هو عادة،وقد كانت بعض المجتمعات العربية لا تحبذ شرب المرأة للشاي،وإنما هو شيء (ذكوري)!

كما كتب الأستاذ أحمد الفقيه مقالة تحت عنوان : ( إنها تدخن إنها نصف أنثى) بجريدة البلاد العدد 15213 في 25/10/1418هـ. وتقول الأستاذة جيهان حكيم عن صورة المرأة المدخنة :

(وما أبشعها من صورة تجرد المرأة من أنوثتها ورقتها) { جريدة البلاد العدد 15243 في 26/11/1418هـ}.

أرجو ألا يكون هذا الخبر قد ساهم – من حيث لا يقصد – في زيادة أعداد المدخنات لدينا :

(ذكر تقرير صادر عن الهيئة الصحية في فنلندا مؤخرا حول التدخين لدى النساء أن هناك واحدة من بين كل أربع نساء في الدول المتقدمة يدخن في حين أن 7% من النساء في الدول النامية يدخن.){ جريدة الجزيرة العدد 9308 في 26/11/1418هـ}.

فأين المرأة التي لا تريد أن تكون مثل نساء الدول المتقدمة؟!!

وختاما .. عود على بدأ .. لماذا تدخن المرأة؟ كلنا أمل في قارئات هذا الموقع الذي نكتب له (لها أون لاين)، أن يكن من غير المدخنات،ومع ذلك فنحن نتمنى من كل من تقرأ هذه الكلمة من المدخنات،أو حتى من تعرف مدخنة أن تخبرنا عن سبب تدخينها .. أو سبب تدخين صديقتها .. وهل تعرف لذلك سببا أصلا؟! أم أنها تدخن والسلام؟! غني عن القول أننا نتساءل عن السبب وراء اتخاذ قرار التدخين .. لا عن التعود عليه بعد ذلك،أو إدمانه، فذلك مما يتساوى فيه الذكور والإناث.

 

 

محمود مختار الشنقيطي

لها أون لاين

JoomShaper