حسين القابجي الموسوي
إن القرآن الكريم ليس مجرد سلسة من الأنظمة والقوانين الجافة، التي لا معنى لها إنما نجد في القرآن القانون كما نجد التاريخ والموعظة وتبيان حكمة الخالق وآلاف المسائل الأخرى..فالقرآن حين يشرع قانوناً ما من جهة نجده يتحدث في مكان آخر عن الطبيعة وخلقها ومن جهة أخرى فهو يبين خلق الأرض والسماء والنبات والحيوان والإنسان والأسرار في الموت والحياة والعزة والذلة والارتقاء والانحطاط والغنى والفقر وغيرها من الأشياء المخلوقة من قبل الخالق تبارك وتعالى .. إن القرآن لا يعلم أتباعه قانونا ولا يَعظّهم وعظاً مجردا، إنما يبين لهم عن طريق بيان حكمة الخالق ومن الأمور التي بينها القرآن لأتباعه أساس الأنظمة الإسلامية في الحياة الاجتماعية كالملكية والحكم وحقوق الأسرة ومن المواضيع التي أكد على بينها القرآن وأهمها في الحياة هو موضوع خلق المرأة والرجل .. فالقرآن الكريم في هذا المجال لم يَدع الجو خاليا للمتقولين كي يصوروا موقف الإسلام بأنه موقف احتقار للمرأة.. بل بادرهم ببيان موقف بغاية الرقي وعلو الشأن للمرأة بشكل واضح ..وإذا أردنا معرفة نظرة القرآن الكريم حول خلق المرأة والرجل وجب علينا أن نركز على مسألة طبيعة وطينة خلق المرأة والرجل والتي أشارت إليها جميع الكتب الدينية واهم الكتب هو القرآن الكريم لم يسكت عن هذا الموضوع .. حيث يذكر القرآن الكريم في آيات عديدة بصراحة تامة قول الله تعالى انه خلق النساء من جنس الرجال ومن طينة مشابهة لطينة الرجال فيذكر عن آدم قوله جل وعلا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء.....}والمقصود هنا هو نفس آدم (ع)..

وكما ذكر في سورة النساء وآل عمران آيات تتضمن خلق الزوجة من جنس الزوج ضمن استعراض نعم الله عزوجل على الإنسان، ولا تجد في القرآن أثرا لما تجده في كتب الأديان الأخرى من أن المرأة قد خلقت من مادة أدنى من مادة الرجل أو إن المرأة ناقصة الخلقة وأن حواء قد خلقت من احد أعضاء آدم عليه السلام .. وعلى هذا نرى انه لا توجد نظرة في الإسلام تجاه المرأة من احتقار أو ما شابه، ذلك في طبيعة خلقها وأصلها إنما هي نظرة سامية وعالية اتجاهها..والإسلام قد أدحض كل النظريات التي منها تحتقر المرأة والتي كانت سائدة فيما مضى والتي تركت في الشعوب آثاراً سيئة تلك التي تقول (( إن المرأة هي عنصر الخطيئة ومن وجودها يدب الشر والفساد .. وان المرأة شيطان صغير .. وان للمرأة يدا في كل جريمة وخطأ يرتكبه الرجال ..)) والنظريات الأخرى التي تقول (( إن الرجل في حد ذاته مبرأ من الخطأ وان المرأة هي التي تجره إلى الخطيئة)) ويقولون إن الشيطان لا يجد طريقا مباشرا إلى الرجل إلا من خلال المرأة..والمرأة هي التي تخدع الرجل بدورها .. فالشيطان يوسوس للمرأة وهي توسوس للرجل .. ويقول البعض(( إن آدم (ع) الذي خدعه الشيطان وتسبب في إخراجه من جنة النعيم إنما كان انخداعه عن طريق المرأة فالشيطان خدع حواء وهي أغرت آدم (ع))).

وتوجد الكثير من قبيل هذه النظريات المسيئة في مقام المرأة وبالخصوص في حق حواء لآدم (ع) وقصة نزولهما للأرض وخروجهما من الجنة..

بينما نجد القرآن يطرح قصة جنة آدم بدون أن يشير أبدا إلى إن الشيطان أو الثعبان قد أغوت حواء .. وان حواء أغوت آدم بل انه لا يجعل حواء مسؤولا رئيساً ولا يخرجها من الحساب فالقرآن يقول {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا}

ثم حين تطرق إلى وسوسة الشيطان نجد انه يتحول القول الى التثنية في الحديث فيقول{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ}

وقوله {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ}

وقوله{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}

وبهذه الآيات الكريمة قد حارب الإسلام الأفكار التي انتشرت في ذلك العصر ويبرئ القرآن المرأة مما كان ينسب إليها من كونها عنصر وسوسة وخطيئة .. وحارب من يقول إن المرأة شيطاناً صغيراً ..

ومن النظريات الأخرى التي كانت تحتقر المرأة تلك التي تتعلق باستعداداتها الروحية والمعنوية، فكانوا يقولون إن المرأة لا تدخل الجنة ، وإنها لا تستطيع أن تسمو في المراتب الروحية والدينية، ولا أن تدرك ما يدركه الرجل في القرب من الخالق عزوجل.

هذا بينما نجد في القرآن آيات كثيرة تصرح بأن الجزء الأخروي والقرب إلى الله عزوجل لا يرتبط بفرد معين من الذكر أو الأنثى، بل يرتبط القرب بالإيمان والعمل الصالح, سواء كان الإيمان من قبل المرأة أو من قبل الرجل.

ثم وضع القرآن الكريم إلى جانب كل رجل عظيم ومقدس امرأة عظيمة ومقدسة، فيذكر بكل تقدير زوجات آدم وإبراهيم ، وأمهات عيسى وموسى (عليهم السلام).

وكذلك قد أشار إلى زوجتي نوح ولوط على إنهما غير صالحتين فقد أشار إلى زوجة فرعون على إنها امرأة عظيمة ابتليت برجل فاجر، وكأن الكتاب العزيز فد حفظ في قصصه التوازن بين المرأة والرجل ولم يقصر البطولة على الرجل فقط.

قوله تعالى في حديثه عن أم موسى(ع)

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}

والدلالة في الآية الكريمة على مكانتها إذ يوحى إليها الله العلي القدير.

وتحدث القرآن العزيز عن مريم المقدسة والدة عيسى (عليهما السلام) كيف كانت الملائكة تحدثها في المحراب، وكيف كان رزقها يأتيها عن طريق الغيب حيث يدل هذا على ما بلغته من مرتبة ربانية عالية حتى إن نبي زمانها احتار في أمرها وتجاوزته هي في درجاتها عند الله.

وفي التاريخ الإسلامي ذاته قديسات كثيرات وجليلات، إذ لم يبلغ درجة قدسيتهن احد كزوجات النبي الأكرم (ص) وبناته وأولاده (ع).

فالإسلام لا يرى فرقا بين الرجل والمرأة في سيرهما التكاملي نحو الله عزوجل، بينما جاءت نظريات عديدة خلاف ذلك وقد ردها الإسلام ومن النظريات التي كانت تحتقر المرأة تلك التي تتعلق بالرياضة الجنسية وتقدس العزوبية إذ إن العلاقة الجنسية تعتبر في بعض الشرائع قذرة في حد ذاتها.

ومن أتباع هذه الشرائع يعتقدون إن الإنسان لا يبلغ الرتب الروحية العالية إلا إذا قضى عمره أعزب.

وأساس فكرة الرياضة الجنسية والعزوبية ما هو إلا سوء الظن بالعنصر النسائي واعتبار الميل نحو المرأة من المفاسد الأخلاقية العظمى.

ومن النظريات التي تحتقر المرأة تلك التي تقول ((إن المرأة خلقت من أجل الرجل وهي لعبة بيده)).

وقد حارب الإسلام هذه الخرافة بشدة واعتبر الزواج أمراً مقدساً والعزوبة انحطاطاً، وجعل حب المرأة من أخلاق الأنبياء، وقد وردت أحاديث عديدة في حب المرأة وتقديسها.

ويقول برتراندرسل: ((في جميع الأديان نوع من التشاؤم وسوء الظن تجاه العلاقة الجنسية ما عدا الإسلام ، انه وضع لهذه العلاقة ضوابط وحدوداً لصالح المجتمع ولم يستقذرها على الإطلاق)).

أما الإسلام فلم ترد فيه مثل هذه النظريات التي تتناقص من شأن المرأة أبدا ، بل يوضح بكل صراحة مبدأ العلية ، يقول بوضوح كامل إن الأرض والسماء والنبات والحيوان والرياح خلقت كلها من اجل الإنسان لم يقل مطلقا إن المرأة خلقت من أجل الرجل أو ما شاكل ذلك، نعم، قال إن المرأة والرجل قد خلق كل منهما للآخر، وجعل كل منهما مكملا للآخر:

{ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}

ولو كانت المرأة خلقت من اجل الرجل، لظهر ذلك في القوانين التي شرعها الإسلام من القرآن الكريم.

ومن النظريات التي انتشرت قديما والتي كانت تحتقر المرأة أيضاً: (( إن المرأة من وجهة نظر الرجل شر لا بد منه)).

فكان الكثير من الرجال على الرغم من الفوائد التي يكسبوها من وجود المرأة إلى جانبهم، إلا أنهم يحتقرونها وينظرون إليها على إنها أساس تعاستهم! وبؤسهم! بينما نجد القرآن الكريم يناقش هذا المطلب بالذات فيعتبر وجود المرأة باب خير للرجل، وأساس سكنه وهدوء كما عبر القرآن{لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً ..}وهذا يدل على وجود المرأة سكنه للرجل وغيرها من الأمور الايجابية.

ومن النظريات ما كانت تغفل دور المرأة وأثرها في النسل والأولاد، فقد كان عرب الجاهلية وبعض الأمم الأخرى ينظرون إلى المرأة على إنها وعاء لنطفة الرجل ولا يعدو دورها الاحتفاظ بهذه النطفة وإنماءها. بينما اتجاه هذا القول يقول القرآن الكريم {أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ} في هذا الخطاب جعل التساوي بين منزلة المرأة والرجل وقد خاطب القانون الإسلامي بكل المواضيع كهذا الخطاب مما أدى في النهاية إلى القضاء على هذه النظرة عند الشعوب التي آمنت بالإسلام.

والإسلام من ناحية النظرة الفلسفية وأسباب الخلق لا يتضمن نظرة احتقار إلى المرأة بل انه رد على النظريات التي تنقص من شأن المرأة وتنظر لها بعين الاحتقار وقد فندها الإسلام، وبين لكل من الرجل والمرأة حقوق وواجبات ولم يجعل أفضلية احدهما على الآخر ولا تشابه وإنما التساوي في الحقوق وبالتالي كل منهما مكملا للآخر.

JoomShaper