بغداد _ نجلاء الخالدي
عقود طويلة قضتها النساء في النضال من اجل الخروج من بين جدران المنزل والالتحاق بميدان العمل بل ومنافسة الرجال للحصول على وظيفة، الا ان الضغوطات التي واجهت بعضهن فيما بعد بسبب التزاماتهن تجاه العائلة والاطفال وعدم قدرة عدد كبير منهن على المزاوجة بين الوظيفة والعائلة جعلتهن يتخلين عن مكتسباتهن الوظيفية التي تحققت خلال عقود من الكفاح واثبات الذات.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة من اجل تمكينها واشراكها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية فأن عددا كبيرا منهن فضلن الانسحاب من ساحة العمل والتفرغ للبيت والعائلة.
أهلكتني وظيفتي
منذ خمسة عشر عاما وأنا امضي نهاري في الدائرة وحال خروجي منها اتوجه الى السوق لاقتناء ما يحتاجه البيت ومن ثم اقوم بتحضير الواجبات المدرسية مع اولادي الاربعة، وقبل ان اخلد الى النوم في حدود الثانية عشرة ليلاً عليٌ تحضير وجبة الغداء لليوم التالي، تقول مها «موظفة في وزارة الصحة» موجهة حديثها لي: «بالله عليك ماذا بقيٌ من يومي فانا بالكاد التقط انفاسي لآخذ نصف ساعة لمشاهدة «مسلسل او برنامج تلفزيوني» مشيرة الى ان الوظيفة والتزامات العائلة تستنزف كل طاقتها، الامر الذي انعكس بشكل واضح على صحتها بسبب الارهاق وقلة النوم فضلاً عن انها حرمت من الاستمتاع بهواياتها المفضلة وممارسة نشاطاتها الاجتماعية، وترى مها ان الفرصة تبدو مواتية لاتخاذ القرار المناسب بترك الوظيفة والتفرغ بشكل كامل لنفسها وعائلتها لاسيما ان دخل زوجها تحسن في السنوات الاخيرة وانتفت الحاجة لاستمرارها بالعمل.
يغار من نجاحي
بذلت مجهودا كبيرا في الحصول على وظيفة مرموقة في احدى دوائر الدولة ومازلت انتظر ترقية جديدة في مجال عملي الذي تفوقت به حتى على زملائي الذكور، وعلى مدى سبعة اعوام كنت اقوم بواجباتي العائلية على اكمل وجه وفي المقابل لا اقصر تجاه عملي الذي يتطلب الدقة والامانة.
تقول هناء «موظفة في وزارة الثقافة «: زوجي يحملني مسؤولية تراجع مستوى اولادي في الدراسة بسب «الايفادات «المستمرة خارج البلاد وتوضح هناء «صحيح انني كثيرة الاسفار وذلك يعود الى طبيعة عملي الذي يتطلب السفر مرتين اوثلاث مرات في الشهر «الاانني كنت اقسم وقتي بين عملي وعائلتي لسنوات طويلة مشيرة الى ان»وظيفتها « ليست السبب في تراجع مستوى اولادها دراسيا لان ذلك يحدث حتى مع التلاميذ الذين تلازم امهاتهم المنزل.
وتعتقد هناء ان زوجها يغار من نجاحها لذا بدء في خلق المتاعب لها متذرعا بتدني مستوى اولادي الدراسي.. وعلى الرغم من حاجة عائلة هناء الى دخل اضافي الا ان زوجها يجبرها على ترك العمل والتفرغ للعائلة وهي اليوم امام خيارين احلاهما مر.
أدوار البطولة
يقول قصي الخزعلي «مستورد اثاث منزلي « تخرج زوجتي في حدود السابعة والنصف صباحا من المنزل ولا تعود الا في الرابعة عصرا وعند عودتها الى المنزل تتفرغ لشؤون الاولاد الدراسية وبعد ان يخلدوا للنوم تحضر «وجبة غذاء اليوم الثاني « ومن ثم تجلس امام «الحاسبة « لاكمال عملها الذي لم تنجزه في الدائرة، مشيرا الى ان هذا المشهد يتكرر كل يوم وعلى مدى خمسة اعوام متوالية منذ تعيينها، اذ تمضي زوجتي نهارها بين العمل والبيت حتى ان اياما تمر لا نجلس فيها معا ًولانتبادل اي حوار خلالها.
وعلى الرغم من ارتفاع دخل قصي المادي الا ان زوجته ترفض فكرة الانسحاب من العمل حتى لو كان زوجها مليونيرا لان عملها يحقق لها استقلالية مادية ومعنوية مضمونة لايحقهها الرجال المتقلبون المزاج وغير المضمونين في الوقت الحالي «على حد وصفها «يعتقد قصي ان زوجته تمارس ادوار البطولة من خلال ايهام المقربين منها على انها قادرة على مسك تفاحتين في يد واحدة مشيرا الى ان الاعلام ساهم في تكريس «دور المرأة البطلة « التي تستطيع الموازنة بين العمل والبيت وهذا هو الخطأ الذي تقع فيه اغلب النساء اللواتي يتمسكن بالوظيفة على حساب راحة واستقرار عائلاتهن ما يخلق مشاحنات ومشاجرات عواقبها غير محمودة والخاسر الاكبر فيها هو المرأة.
المعادلة الصعبة
يخالف محمد قاسم «موظف» وجهة نظر قصي بالكامل اذ يجد ان عمل المرأة هو بالفعل دور بطولي في ظل انفتاح المجتمع وتحرره وازدياد متطلبات الحياة في الوقت الراهن، مشيرا الى المرأة العراقية كانت خلال العقود الثلاثة الاخيرة خير معين للرجل في تحمل اعباء المعيشة الصعبة اذ استطاعت ان تحقق «المعادلة الصعبة» في الاستمرار في الوظيفة وتحمل الاعباء المنزلية، وعلى الرغم من ذلك لاينكر محمد ان ذلك يخلق ضغظا متواصلا على المرأة العاملة مع مرور الوقت الا انه لايمكن ان يحرم زوجته من ان تحقق ذاتها من خلال تمسكها بعملها الذي تبدع فيه كل يوم وفي المقابل فهي لم تقصر تجاه عائلتها وبيتها .
انتزاع النجاح
عدد غير قليل من الشباب الذين التقيناهم يفضلون الزواج من المرأة العاملة لكنهم لايعرفون السبل الكفيلة لدعمها او انهم لايفكرون بدعمها من الاساس باعتبارها اصبحت ندا ومنافسا حقيقيا في ساحة العمل لايمكن الاستهانة به وعلى الرغم من ذلك فهم لايخفون اعجابهم في المرأة المتفوقة في عملها.
يقول قيس زياد: لا اخفي اعجابي بالمرأة التي تعمل وبصراحة اكن لها الاحترام والتقدير وفي المقابل فأنا اغار من نجاحات زميلاتي في العمل مايجعلني دائم النشاط والحركة من اجل كسب ود مديري الذي يرى ان زميلاته اكثر نشاطا وابداعا من بعض الزملاء الذين لايتوانون في حياكة «المؤامرات» لزميلاتهن المتفوقات من اجل احباطهن وانتزاع نجاحاتهن وهذه احدى مساوىء عمل المرأة للاسف في مجتمعنا.
ويشاركه في الرأي زميله احمد الذي يرى ان وجود المرأة في ساحة العمل يدعم عائلتها ويعززمكانتها في المجتمع، ويستغرب احمد من بعض الرجال الذين يرفعون شعاراتهم في المنابر الاعلامية بدعم المرأة ودفع مسيرتها كشريك ستراتيجي في عملية التنمية في العراق وفي المقابل يقفون «حجرعثرة» امام طموحاتها الوظيفية.
الزوجة الموظفة
ترى المحامية والناشطة في حقوق الانسان سحر الياسري: ان بعض افراد مجتمعنا يحرم المرأة من العمل او يجبرها على الانسحاب منه لاسيما بعد الزواج وانجاب الاطفال وعلى الرغم من ان بعض النساء دخلن معترك العمل بسبب غياب المعيل او الحاجة لتحسين دخل الاسرة فان عددا كبيرا منهن ارغمن على ترك عملن للتفرغ للعائلة، مشيرة الى ان نسبة ضئيلة منهن تعثرن في اداء الوظيفتين معا ما اقصده بالطبع دور «الزوجة والموظفة « لان الرجل في مجتمعنا لايدعم المرأة العاملة بل على العكس فهو يحملها مسؤوليات اضافية وأعباء منزلية قد تحرمها من ان تتفوق في عملها وتحسين مهاراتها وشغل مناصب قيادية في وظيفتها لذا لابد من ان تساهم المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة في تحسين ظروف المرأة العاملة في المجتمع وتمكينها من تعزيز الشراكة المتساوية بين الرجل والمرأة في المجالات كافة.
الرجال يفضلون المرأة العاملة ولا يدعمونها
- التفاصيل