الرياض - (لها أون لاين)
الدعوة النسائية من الواجبات الشرعية وفروض الكفاية، خاصة في عصرنا حيث ضُيِّعت فيه الهُوية الإسلامية وأُقصيت فيه المرأة عن دينها وقدسية منهجه، ودُعِيَت للتفلت منه باسم الفن والحرية والعلم وإثبات الشخصية، وأُشربت أفكاراً غربية لا تصلح لعابدة تقية، من هنا كان من الواجب تحذيرُ المرأة من فتنة التغريب والتضييع المنبثقة من مؤتمرات متآمرة وإعلام ماجن وتوجيهٍ فاسد من دَعيٍّ فاجر... وردُّها إلى أصالتها وعزّتها وطُهرها وشرفها.
لكن العمل الدعوي النسوي تواجهه العديد من المشكلات والعقبات التي تقف في طريق تحقيقه لأهدافه، حول هذه القضية يدور هذا التحقيق الذي رصد فيه "موقع لها أون لاين" أراء عدد من الداعيات في عدد من البلدان في محاولة للمساهمة في النهوض بالدعوة النسائية والتغلب على الصعوبات التي تواجهها.
مسؤولية المرأة:
في البداية تقول "مها صبره" احدي الداعيات بمحافظة الشرقية بشرق القاهرة: "إن الإسلام أعطي للمرأة الحرية الكاملة والاستقلالية، وجعلها تتمتع بكل حقوقها الفردية والاجتماعية والإنسانية، وفي ذات الوقت جعل الرجل متساويا مع المرأة في أصل النشأة، وفي الخصائص الإنسانية العامة، كما في التكاليف والجزاء والحساب".
ومن هذا المنطلق فهناك ولاية متبادلة بينهما، حيث ألقي علي كاهل كل منهما مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى:"الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ....." التوبة 71.
وتضيف صبره، أن تأخر الدعوة بين النساء بما يقابلها من إشكاليات يرجع في الأساس لطبيعة المرأة وواقعها ووضعها في الأسرة، وفي المجتمع، ولاختلافها عن الرجل.
وتفسر مها ذلك بقولها: "إن المرأة الداعية عندما تتحرك في مجال الدعوة تبدو مقيدة ببعض العقبات الأسرية والأعراف الاجتماعية، فليس لها أن تتحرك إلا في أطر محددة من قبل الزوج أولا، ثم الأولاد ثم الأهل والقرابة، ثم الأعراف السائدة في المجتمع ككل".
وتستطرد قائلة: "إن لم يكن الزوج في قافلة الداعين إلي الله، أو لم يكن مقدرا للدور الذي تقوم به زوجته الداعية، أو ليس عنده اهتمام بقضايا الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلاشك أنه سيصبح عقبة في طريق الأخت الداعية، وكذلك الأولاد بما يمثلون لها من ثقل وقلق ومنع وعدم تقدير لمجهودها، وكذلك المجتمع في بعض الأوساط التي تستنكر هذا الأمر، وربما تقابل بالاستهزاء والسخرية، كل ذلك يؤدي علي الأقل إلي تحجيم دورها وحركتها، فتقف عند حد معين في مجال دعوتها يمنعها من الوصول إلي الريادة في هذا المجال.
وتشير الدكتورة "مكارم الديري" الناشطة الإسلامية إلى أن بدايات العمل الدعوي النسوي كان من خلال نشاط مجموعة الأخوات المسلمات والتي أنشأتها الداعية والكاتبة الإسلامية "زينب الغزالي" والتي تعد رائدة في هذا المجال.
وتضع الدكتورة مكارم عدة أسباب لتخلف بعض الداعيات في مجال الدعوة النسائية، منها: وضع المرأة في أطر ضيقة ومحددة للتحرك، حيث لا يوجد اهتمام بالناحية العلمية والدراسية للأخت الداعية، لأن المطلوب منها علي أرض الواقع يشدها بعيدا عن أن تعكف علي دراسة أو تلقي علم قوي يساعدها في أن تكون رائدة في مجال دعوتها.
وتذكر الدكتورة مكارم، أن عدم وجود خطة لتخريج عالمات في شتي مجالات العلوم، وبالتالي عدم العمل لتحقيق هذا الهدف، من أهم أسباب تأخر الدعوة النسائية بشكل عام، فإذا عكفت الداعية علي دراسة معينة فهو على حساب جهودها الخاصة، بل في النهاية يمكن ألا تكمل المسير بسبب ضغط العمل الدعوي المنوط بها. بما يؤكد عدم وجود آلية مدروسة موحدة لإيجاد مجموعات من الداعيات العالمات ممن لهن القدرة في التلقي والترقي.
العقبات الذاتية:
أما الداعية الإسلامية "جيهان الحلفاوي" فترى أن أهم العقبات التي تقف في سبيل تحقيق ريادة دعوية في مجال النساء، هي العقبات الذاتية أي تلك العقبات الخاصة بالأخت الداعية.
مضيفة أن انشغال الأخت الداعية بظروف الحياة المعيشية والأسرية يقلل من عطائها ولا يجعل ترقيها في الدعوة من أهم أولوياتها، علاوة علي خوف الأخت الداعية من الرياء والسمعة، يجعلها تقف عن حد معين.
وتذكر الداعية جيهان الحلفاوي، أن النزاع والشقاق وكثرة الخلافات في الأوساط النسائية من أهم العقبات، مضافا لذلك الحرج والخجل الذي يمكن أن تطول مدته في حياة الداعية.
كما تري أن الفتور الذي يمكن ينتاب الأخت الداعية يمكن أن يكون سببا رئيسا في تراجع العمل الدعوي، علاوة علي اليأس والقنوط من الأوضاع السيئة، التي يعيشها المسلمون، والتي تكتنف الدعوة والدعاة مع استعجال النتائج.
وتشير الحلفاوي إلى أن إهمال الوسائل الحديثة في الدعوة كان سببا مباشرا في تراجع العمل الدعوي، ويشمل ذلك البعد عن العلوم والثقافة والقراءة والاقتصار علي القشور.
وتنهي الداعية "جيهان الحلفاوي" كلامها بأن تراجع الفكرة الأيدلوجية التي تؤمن بها بعض النساء الداعيات، كما يؤمن بها بعض الرجال الدعاة تقف عقبة في طريق الأخت المسلمة، وتؤدي إلي تأخر العمل الدعوي النسوي، علاوة علي ذلك المضايقات الأمنية التي يلاقيها الدعاة بشكل عام في بعد البلدان.
سبل الارتقاء:
وتقول الداعية "زينب صلاح الدين"، صاحبة جمعية منابر النور: "إن الداعيات في مصر يعانين من أزمة التقوقع على الذات والانغلاق، ربما لسوء الفهم والإدراك الضيق من جانب، وربما للعوائق التي تقابل العمل الدعوي النسوي من جانب آخر.
وترسم الداعية "زينب صلاح" شكلا للارتقاء بالعمل الدعوي النسوي، من خلال الاهتمام بالداعيات من حيث تثقيفهن وإفهامهن لدورهن الأساس في خدمة دعواتهن.
كما تري أن تحديد مجموعات من الداعيات المتميزات للارتقاء بهن في مجال الريادة الدعوية أحد أهم السبل للارتقاء بالعمل الدعوي بشكل عام، ويكون ذلك عن طريق وضع هذا الهدف نصب أعيننا ودراسة إمكانية تحقيقه مع إعطاء الداعيات علوما ودورات وتدريبات مكثفة ليكون ذلك زادا لهن علي الطريق.
وتستطرد قائلة: "إن الحرص علي استغلال الإمكانات والطاقات المتوفرة مع التوظيف الأمثل لهذه الطاقات من أهم سبل تحقيق رقي دعوي للنساء، مع محاولة إقناع الرجل والأسرة والمجتمع بالدور المهم للأخت الداعية في مجال دعوتها، وأهميته في عرض وسرد قصص الشخصيات النسائية التي ضحت من أجل دعوتها، وبذلت الغالي والنفيس، ودورهن في الحفاظ علي الدعوة حتى وصلت إلينا".
وتقول الحاجة زينب:"إن البعد عن مواطن الخلاف ومحاولة درء كل ما يحدث الخلاف والشقاق، بحيث يكون جل اهتمامات الداعية في التفكير في كيفية الارتقاء بالعمل الدعوي، مع ابتكار وسائل دعوية جديدة في الدعوة والاهتمام بالداعيات في تعريفهن بالتكنولوجيا الحديثة للدعوة، وكيفية استخدامها".
وفي نفس الإطار علي الداعية أن تحدد الأهداف المطلوب تحقيقها، وعدم البعد عن طريق تحقيق الهدف، مع الاهتمام بالقراءة وطلب العلم النافع، والبعد عن مواطن الإحباط، والانشغال بكيفية الارتقاء، والنهوض بالدعوة، مع الإلمام بالقضايا المعاصرة، ومعرفة كيفية الرد علي هذه الشبهات.
وأنهت الحاجة زينب رأيها في محاولة الارتقاء بالعمل الدعوي في مصر بضرورة أن تكون الداعية اجتماعية، وأن تخالط من حولها، مع مراعاة التدرج في الدعوة، حتى لا يرفضها المجتمع، وقبل كل ذلك الاستعانة بالله عز وجل، و إخلاص النية لله والتوكل عليه.
الدعوة النسائية في ظل الحصار:
أما واقع الدعوة النسائية في فلسطين فهو يختلف عن غيرها من البلدان الإسلامية؛ نظرا لظروف الاحتلال، حيث تشير الداعية الإسلامية ومسؤولة العمل النسائي بغزة "رجاء الحلبي" إلى أن الدعوة النسائية آخذة في التطور في المجتمع الفلسطيني حتى أصبح للمرأة في الدعوة الإسلامية كيان يعتد ويفخر به بعدما أثبتت للجميع أنها قادرة على السير بنفسها في هذا المجال، وقادرة على تحمل مسؤولية العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية.
وأضافت الحلبي أن العمل الدعوي في الأوساط النسائية اتسم بالشمولية والعموم، فاقترب من الفتاة في مرحلة الطفولة والشباب وعايش هموم المرأة ربة المنزل وشاركها في ألمها وقام ببثها الصبر والجلد على ما يعترضها من مشكلات ومنغصات.
وفيما يتعلق بالمعيقات التي تواجه الدعوة النسائية في فلسطين، أشارت الحلبي إلى أن المعيقات والعقبات هي ذاتها التي تواجه المجتمع الفلسطيني، مؤكدة على أن المرأة العاملة في مجال الدعوة تجد نفسها تقف في ذات الخندق الذي يقف به شعبها وتتجرع معه المعاناة والألم، لافتة إلى أن ذلك لا يمنعها من الاجتهاد في تذليل العقبات، وتقديم الخدمات بشكل مميز يؤدي إلى المزيد من الصبر والثبات على البلاء.
وأوضحت الحلبي أن أحد أهم المعيقات التي تواجه المرأة العاملة في الدعوة الإسلامية: "الحصار الذي يحول بينها وبين تقديمها خدماتها لفئات مختلفة من المجتمع ، قائلة: "نتمنى أن نطرق أبواب كل البيوت الفلسطينية لكن لا نستطيع أن نطرقها بأيدي فارغة في ظل علمنا بحاجة من خلف الأبواب، سواء طالبات جامعيات أو ربات بيوت إلى معونة ومساعدة مادية".
وأضافت أن الضغوط النفسية التي تواجهها المرأة العاملة في الدعوة تؤثر سلباً وتعد عقبة ومعيق آخر في طريق عملها والسبب لدى الحلبي أن المرأة العاملة في الدعوة هي الأم الفلسطينية التي تعاني الحصار وزوجة الشهيد أو الجريح أو المطارد أو الأسير كما أنها أيضاً كثيراً ما تتحمل دور مزدوج في رعاية الأسرة، فكثيراً ما تكون الأم والأب معاً خاصة في الوقت الحالي.
وشددت الحلبي على أن تلك العقبات في طريقها إلى الذوبان، خاصة في ظل تغير النظرة السلبية للمرأة العاملة في مجال الدعوة حيث باتت أكثر تقبلاً وانتشاراً، وبينت الحلبي أن نظرة المجتمع في السابق للمرأة العاملة في الدعوة كانت أهم المعيقات ولكنها الآن لم تعد كذلك، فلم يعد قيام المرأة إلقاء ندوة أو محاضرة في مسجد أو جمعية بين النساء أمرا مستهجنا، بل يعتبر أمرا محببا ومقبولا.
ــــــــــــــــــــ
شارك في هذا التحقيق من مصر "منير أديب" ، ومن فلسطين "ميرفت عوف".