ميرفت عوف
في بيت ضاقت جدرانه وأرضه بسكانه الـ26 فردا، بين طفل وشاب وفتاة وامرأة وعجوز، تعيش سماح شريفة الفتاة المقدسية مع أشقائها التسعة ووالدها في غرفة من بيت العائلة، فهو كمقدسي ممنوع من التوسع في البناء، ومرفوض له كل رخصة لبناء مسكن جديد!.
وكما كانت مدينتها العتيقة إذ تميزت بقدسيتها لدى الأديان السماوية الثلاثة، وتاريخها الإسلامي التليد، وحضارتها التي بقيت عصية على الاندثار خلف غمامات التهويد، كانت سماح ابنة العشرين من عمرها كتابا مفتوح الدفتين، تقرأ منه كافة معاني الصمود والصبر على نكبات ونكسات الاحتلال، وفي قلبها تخفق أمنيات بأن يتغير الحال إلى ما هو أفضل، فتبدو القدس حرة طليقة لا يغلفها جدار ولا تقطع أوصالها وتفصلها عن محيطها الجغرافي والإنساني حواجز، أو جيبات تفتيش فجائية من قوات الاحتلال تبعد من لم يملك هوية! وتقتل من يتسلق الجدار؛ لأنه يأبى نسيان حقه في الأرض والبيت الذي شيده بشقى العمر ومر السنين.
حياة ملؤها الأمل
على الرغم من الأوضاع المعيشية التي تعانيها سماح من حيث اكتظاظ أهل البيت بغرفه الضيقة، وإقرارها أنها تحاول ومن فيه قدر الإمكان تجنب المشكلات والمشاحنات، سواء مع الأشقاء أو الأقارب الذين يشاركونها المسكن، إلا أن بعضاً من ملامح حياتها مشرقة بالأمل إذ تتعلق بالعمل التطوعي في مجال التمريض الذي أحبت وتتمنى أن تنمي خبراتها فيه بالدراسة العلمية.
تقول سماح عن هذا الجانب:"إنه الجانب المشرق في حياتها، من خلاله تؤدي رسالة سامية في المسجد الأقصى، فتقوم على خدمة من فيه من النساء المصليات أو اللواتي يعمرن المسجد إذا ما واجهن اعتداءات المحتلين أو المستوطنين".
وتضيف الفتاة:"إنها تقضي أسعد أوقاتها في رحاب المسجد الأقصى تقوم بعملها وتؤدي الصلوات فيه".
مشيرة إلى أن عملها في خدمة المسجد الأقصى يدعم صمودهم، ويعزز قدرتهم على الصبر، وتحدي مخططات الاحتلال. ولفتت إلى أنها ستبقى على رأس عملها تطوعاً؛ طمعاً في أداء دورها تجاه المسجد الأقصى.
تحكي تاريخ القدس
لا تتواني سماح في خدمة مدينتها والتعريف بتاريخها، فتحكي للصغار والنساء عن تاريخ القدس، وتشرح لهم ظروف عيشهم وممارسات الاحتلال ضدهم". تصمت كثيراً ثم تقول بحزن:"حكومة الاحتلال لا تريد أن يسرد تاريخ القدس بالرواية الفلسطينية التي بحسب زعمهم فيها تجني على حق اليهود بالقدس".
المرأة المقدسية مختلفة
وإن كانت المرأة الفلسطينية لها خصوصياتها التي تميزها عن باقي نساء العالم، من حيث الإبداع في ظل القهر والألم والقدرة على التكيف مع ظروف العيش مهما كانت قاسية الملامح والتفاصيل.
فالمرأة والفتاة المقدسية أيضاً لها خصوصيتها التي تميزها عن نساء فلسطين في شتى بقاعها، سواء المحتلة في العام 48 أو في الضفة الغربية ومناطق السلطة الفلسطينية أو في قطاع غزة المحاصر ظلماً وعدواناً.
تختلف معاناتها من حيث الأسباب، ويختلف صمودها من حيث الدوافع، وتختلف آلامها من حيث القوانين الصهيونية العنصرية التي تحاك ضدها لإخراجها وأهلها من البيت والأرض والمدينة المقدسة، بأكملها تطبيقاً لمخطط التهويد.
عن المرأة المقدسية تتحدث سماح، فتؤكد أن معاناة الفتاة المقدسية في الصغر تبدأ مع حرمانها من فرص التعليم؛ لعدم وجود أماكن كافية لهن في المدارس الحكومية التي تعاني من نقص حاد في الغرف الصفية، نظراً لسياسة الاحتلال في منع المقدسيين من توسيع الأبنية القديمة، أو منحهم التراخيص لبناء أبنية جديدة.
وتستكمل سماح قائلة :"تتوالى المعاناة وتستمر تكابد تفاصيل حياة الفقر مع أسرتها بسبب تعطل الزوج عن العمل، إما بفعل الجدار العنصري الفاصل، أو لعدم منحه التصريح اللازم من الاحتلال، ناهيك عن المعاناة من الضرائب والقوانين العنصرية التي تقر يوماً بعد يوم؛ لتخدم مصلحة الدولة العبرية في تهويد المدينة المقدسة سكاناً وبيوتاً وتاريخاً.
وتضيف الفتاة:"إن المرأة المقدسية على الرغم كل ما يحيط بها ما زالت متشبثة بالأمل ترنو إلى غد بلا احتلال".
لافتة إلى أنها صبرت حين هدم بيتها وشردت وأهلها في العراء، ولم تجد إلا شجرة زيتون تستظل بظلها في الصيف وتختبئ تحت أغصانها الوارفة في الشتاء.
في إشارة منها إلى أم كامل التي كلما اقتلع الاحتلال خيمتها أعادت بنائها من جديد، وعائلة الغاوي وحنون والمئات غيرهم من الأسر المقدسية في سلوان والشيخ جراح و العيزرية و جبل المكبر.
وأردفت قائلة:"المرأة المقدسية رمز للصمود والمقاومة وتحملت ما لم تحمله أي نساء العالم".
أحلام بسيطة
لم تحلق سماح في فضاء واسع من الخيال! ترسم فيه تفاصيل حياة بعيدة عن الواقع الذي تعيش فيه، فهي واقعية وانعكست واقعيتها على أحلامها وطموحاتها المستقبلية، تتمنى أن تنهي دراسة الثانوية العامة كمرحلة أولى تمكنها من الخوض في مراحل أخرى أكثر أهمية، ومن شأنها أن تمثل نقطة تحول في حياتها.
تقول:"إن حلمها الأكبر أن تثري حصيلتها العملية عبر دورات الإسعافات الأولية والتمريض التي حصلت عليها بدراسة علمية للتمريض، والسبب أن المدينة المقدسة بحاجة إلى هذا التخصص؛ في ظل ما تعانيه من اعتداءات ـ في الليل والنهارـ على مقدراتها وممتلكات أهلها، ولا سيما على أهلها أنفسهم لتهجيرهم وإبعادهم عن المدينة.
وتتابع الفتاة المقدسية سماح:"إن القدس بحاجة إلى تخصصات تدعم صمود أهلها في ظل ما يواجهون من اعتداءات"، وأضافت أن أمنيتها العظمى أن تشهد تحرير القدس، والمسجد الأقصى فتلتفت حولها في كل بقعة من أرضها فلا تجد يهودياً يدنسها.
الفتاة الحالمة بدأت في تحقيق حلمها الأكبر بدراسة التمريض، عبر التقدم لامتحان الإكمال في الثانوية العامة، لتلتحق بعد النجاح بكلية التمريض
أحلام فتاة مقدسية... "بيتا وعلما وأمنا"
- التفاصيل