سهير بشناق
شهد مؤتمر «لا لثقافة العنف ضد المرأة» الذي نظمته جمعية نساء العنف ضد المرأة الأسبوع الماضي شهادات مصورة لفتيات تعرضن للعنف الجسدي والنفسي وحوّل حياتهن الى مأساة حقيقية.
هذه المأساة سترافقهن طوال العمر بعد ان ارتدن مسلكا خاطئا نتيجة لضغوطات وقعت عليهن في اعمار مبكرة وعدم وجود من يقدم لهن الدعم النفسي والمعنوي ويوفر لهن حياة آمنة مستقرة.
فمن عذاب وعنف اسر الى عذاب وتعنيف الزوج، لتكون الفتاة  الضحية الاولى والاخيرة.
ولعل من اهم الاسباب الاساسية التي دفعت بهؤلاء الفتيات الى الانحراف بعد تعرضهن لشتى انواع العنف هو غياب الام عن حياتهن إما بسبب الوفاة واهمال الاب لهن او بسبب الطلاق والتفكك الاسري الذي عايشته الفتيات وترك اثارا سلبية على حياتهن لا يمكن لاحد ان يصحح مسارها. فالعنف الذي تحدثت عنه هؤلاء النساء هو عنف قد تتعرض له نساء اخريات في حياتهن اما بسبب عنف الزوج او العنف السياسي الناتج عن الحروب والنزاعات المسلحة التي وقعت على بلادهن كما حدث في العراق.
الا ان اللافت للانتباه والمحزن في ان واحد هو قصص الفتيات الصغيرات بالعمر التي قادتهن ظروفهن الاجتماعية والاسرية وما تعرضن اليه من عنف الى حياة اكثر قسوة اغتالت وبشكل كامل طفولتهن وحولت حياتهن الى حياة عنوانها التشرد والعذاب النفسي والجسدي الذي لا يعرف له نهاية.
باختلاف اسماء الفتيات اللواتي تحدثن عن قصصهن فان احدى الفتيات التي عرضت قصتها من خلال شهادة مصورة بالمؤتمر قالت «تزوجت وانا ابلغ من العمر (14) عاما من رجل يكبرني بخمسة وعشرين عاما وكان يعاني من اعاقة وغير قادر على المشي الا من خلال كرسي متحرك».
واضافت «لم اكن اعلم ما هو الزواج وفوجئت باني في منزل رجل يكبرني كل هذه السنوات بعد ان كانت حياتي في بيت اسرتي لا تخلو من التعنيف والمشاكل المستمرة فاعتقدت ان الزواج يعني الخلاص وبداية طريق اخر ينهي الالام التي كانت حينذاك طفولية كبرت لتصبح بحجم هذا العمر».
وتابعت «بعد سنوات على زواجي بدا زوجي بمعاملتي معاملة قاسية وكبرت مشاكلنا فهو كان يشعر بالنقص كونه يعاني من اعاقة بالرغم من محاولاتي المستمرة باقناعه باني بجانبه ولن اتركه.. وكيف يمكنني فعل ذلك وانا ادرك ان اسرتي لن تستقبلني».
واضافت «اكتشفت ان زوجي يعاني من اضطرابات نفسية كبيرة دفعته لاساءة معاملتي الا اني لجأت لاسرتي مرات عديدة وكانوا في كل مرة يطالبونني بالعودة اليه رافضين فكرة طلاقي بالرغم من كل ما كنت اتعرض اليه».
واشارت الى انها انجبت اطفالا من زوجها الا ان هذا الامر لم يحل بينه وبين الاستمرار في تعنيفها وبث الحزن في قلبها الذي رافقها منذ بداية حياتها باسرتها.

هذه المرأة تبلغ الان من العمر (24) عاما وقد قام زوجها بتطليقها والزواج مرة اخرى وحرمها من رؤية اطفالها ، اخرجها من منزلها دون اي شيء حاولت هي بدورها رفع قضية نفقة الا ان قدرتها المالية ووضع اسرتها لم يسعفها للحصول على شيء.
فهي اصبحت مطلقة وهي بهذا العمر بلا اطفالها وبلا اي دخل يساعدها في حياتها وعادت الى اسرة لم ترحمها .. فالمطلقة بعيونهم امراة لا تصلح للحياة وكيف لا وقد تم قتل انسانيتها بتزويجها بهذا العمر الصغير.
الصورة المؤلمة الاخرى لفتاة تدعى (رنا) تحدثت عن تجربتها قائلة»توفيت والدتي وانا صغيرة في اسرة تتكون من سبعة افراد ووالدي كان يتبع اساليب عنف معنا من ضرب مبرح واهمال وعدم توفير ادنى احتياجاتنا الاساسية فقد كان مدمنا على الكحول، وزوجني وانا في الرابعة عشرة».
اعتقدت رنا أن زواجها سينهي عذابها الا ان الامر كان اسوأ ، إذ أكمل زوجها مسلسل العذاب والتعنيف وانتهج معها جميع اساليب العنف من ضرب وحرق في جسدها.. حاولت مرارا ان توقف هذا العنف الا انها لم تستطع على ذلك خصوصا ان اسرتها رفضتها.
وبعد مرور ثلاث سنوات على زواجها انجبت طفلتها وتحملت لاجلها هذه الحياة الا ان زوجها طلقها واخذ الطفلة منها وحرمها من رؤيتها واعادها الى اسرتها.
وتقول»لم تتوقف معاناتي عند هذا الحد بل اصبحت معاناة اكبر فبعد عودتي لاسرتي وانا في سن السابعة عشرة بدأ والدي باضطهادي من جديد ومطالبتي بالعمل لاحضار المال له.. كي لا يلقي بي وبشقيقاتي الى الشارع.. فكانت حياتي صعبة بلا شهادة وبلا عمل وبلا اي وسيلة اعتاش من خلالها اواساعد بها شقيقاتي فخرجت للشارع وتعرفت على رفاق السوء الذين اجبروني على السير بطريق خاطئ لم اكن اتخيل في اي يوم من الايام ان اسلكه لكن مطالبة والدي المستمرة بتوفير المال ورؤية وضع شقيقاتي اوصلني لحياة مليئة بعذاب نفسي كبير ومدمر لجميع معاني الانسانية.. ولم اجد احدا بجانبي لا اما ولا ابا ولا احدا يساعدني».
فتاة اخرى روت قصتها تشترك بذات الالم مع قصة رنا لحياة اوصلتها لحياة اصعب اضاعت بها براءتها ونقاءها.
تقول «توفيت والدتي ونحن صغار وعشنا أنا ووالدي وشقيقاتي الاربع، فوالدي كان منهمكا بحياته الخاصة ولا يوفر لنا الحياة المناسبة وترك مسؤولية توفير ما نحتاجه لعمي الذي كان مصدر شقائي».
واضافت «بدا عمي بالتحرش بي وانا في عمر (13) عاما وعندما حاولت اخبار والدي لم يحرك ساكنا، وكان اعتماده على عمي لتوفير دخل لنا سببا كافيا بالنسبة له لان ينتهك شرف ابنته والتزم الصمت».
واضافت «تركت المدرسة وعشت حياة صعبة، فوالدي يطالبني بتوفير المال ان رغبت بايقاف سلوك عمي حيالي لانه غير قادر على توفير احتياجاتنا وهذا الامر وخوفي من الحياة التي اعيشها دفعاني للخروج للشارع للبحث عن عمل او عن من يساعدني الى ان وقعت فريسة اشخاص استغلوني وسلبوني انسانيتي ووجودي».
وقالت «كنت اقضي اياما خارج المنزل وعندما اعود كان سؤال والدي: هل احضرت مالا؟ لياتي الجواب: نعم، دون ان يسألني اين كنت ومن اين احضرت المال».
وتتابع «بداخلي الم كبير لا اعلم لمن احمل مسؤولية ما آلت اليه حياتي لكني اعلم حقيقة واحدة هي انني لو عشت حياة اسرية مستقرة تخلو من العنف ولو بقيت امي بجانبي او وجدت ابا يرعاني ويعوضني عن فقدان الام لما وصلت الى ما انا عليه الان».
وتساءلت في نهاية حديثها وهي تبكي «كيف يمكن لاب ان يصمت على عذاب ابنته وان يرتضي لها مثل هذه الحياة وان يكون سبب دمارها الى الابد».
الدكتور عاطف شواشرة المستشار النفسي لجمعية نساء ضد العنف الذي عمل على تحليل هذه الحالات وتشخيص الاضطرابات النفسية التي حدثت جراء العنف، بين ان مثل هذه الحالات وحالات اخرى لعنف الارهاب تعرضت نساء له  يصبن بالاكتئاب النفسي والقلق والاغتراب وانفعال ما بعد الصدمة ،مشيرا الى ان هذه الخبرة الصادمة تقتحم الذاكرة باستمرار، وتظهر لدى المعنفين جراء تلك الأحداث احلاما مفزعة دون مضمون حيث يعيشون بعدها بصعوبات تكيفية عالية.
وعن دور الجمعية حيال هذه الحالات اكد شواشرة انها ستستمر في دعم تلك الحالات نفسيا واجتماعيا وفق امكانياتها.
ويبقى السؤال.. ما ذنب فتاة في الرابعة عشرة من عمرها ان تزج لحياة الزوجية وهي لا تزال طفلة ،وما ذنب فتاة فقدت والدتها ، ملاذها الاول والاخير ومصدر الامن النفسي لها لتجد نفسها اليوم ضائعة تمارس عليها شتى انواع العنف الجسدي والنفسي في ظل غياب عطف الاب لتحل مكانه مئات الوجوه الاخرى التي لا تقل  في قسوتها عن قسوة وظلم اباء اضاعوا حياة بناتهم الى الابد.

JoomShaper