لكبيرة التونسي
أرى الحسن في النساء جميعا، هذا ما قاله أستاذ اللغة العربية حين كنت أدرس في الثانوية العامة، كان في الخمسينيات من عمره وكان له تقدير خاص جدا للمرأة، ليس من الناحية الأنثوية فحسب، ولكن من حيث رسالتها الحياتية وما خلقت من أجله، ومن حيث أمومتها وغريزتها، إذ جبلت على العطف والحب والحنان والود، يؤكد دائما أن المرأة هي الجمال، وسُئل مرة بفضول مراهقين يحاولون استفزازه وخلخلة ما يؤمن به عن من ما هي معايير المرأة الجميلة؟ رغم أن الجمال معاييره نسبية تختلف من شخص إلى آخر حسب ميوله وثقافته، وكثيرة هي المقاييس التي تحدد الجمال في منظور الفرد، أجاب أستاذي: كل النساء جميلات، على اختلاف أصولهن ولون بشراتهن وطول قاماتهن أو قصرها على كبر سنهن أو صغرهن، فـ«الجمال امرأة». فواحدة لها حسن القوام، وأخرى لها حسن الكلام، في حين هناك من تتمتع بحسن البيان، وغيرها بطيب الخلق، وغيرها حسنة المعشر. وأخرى لتدينها وإيمانها. وكثيرات هن النساء جميلات لأنهن نساء فالحسن امرأة.

تيقظت ذاكرتي واسترجعت ذلك رغم مرور السنين نتيجة حديث مع صاحب معرض شخصي يجوب العالم من أجل عشقه للنوادر، يحركه حبه للمتفرد من نوعه، يحتفظ بهذه النوادر رغم عدم درايته بقيمتها التاريخية أحيانا، أثناء حديثنا عن الأثريات والنوادر ساق حديثا آخر عن نسائه الثلاث، وقال إن له قلب عصفورة يميل مع كل مائل، له 15 طفلا، وحين سألناه عن أي نسائه يفضل قال إن الأولى لها من الحسن ما جعله يتزوجها وهو في سن صغيرة، إذ كان عمره 19 سنة، وبعد أن أنجب منها 7 أولاد اكتشف صعوبة العيش معها، راح يبحث عن غيرها، عمن تؤنس وحدته وتكون له السند في الحياة، تزوج أخرى وأنجب منها خمسة أولاد. فكل النساء جميلات، لكن هناك من يبحث عن القبح فيهن دائما، وكل واحدة لها من الجمال ما قد يطفو على حياتها أكثر من القبح، لكن هناك من الرجال من يتناسى قبحها متعمدا، تاركا جمالها يطفو على حياته، هكذا اكتشف بعد فترة غير قصيرة استحالة العيش مع الثانية، ظل هكذا يجوب العالم إلى أن وجد امرأة ثالثة اعتبرها من النوادر، إذ وجد فيها من الحسن الخلقي ومن القناعة ومن الود ما قد يجعله أسعد خلق الله في الدنيا وفق وصفه، هكذا تذلل الصعاب أمامه وتمسح تعب يومه بابتسامة حنونة حين رجوعه للبيت رغم فقدانه لكل ثروته، سألناه عن سبب سعادته قال: كل النساء جميلات، وكلهن بهن من الحسن ما يلفت، لكن الفرق بينهن حسن المعاملة وكرم الخلق، وقال أفضّل الأخيرة كونها امرأة بمعنى الكلمة، كونها تحب بيتها، تداري مشاكلها تتدثر بالخجل حين معاتبتها، تؤنس وحدتي، وتعرف بجزئيات بيتها وأولادها. وهي ليست امرأة توكل نفسها للذوبان في علاقات جانبية وجلسات صديقات والطواف خارج بيتها، فكل النساء جميلات، لكن يجب أن يحسن استغلال هذا الجمال الفطري الذي أودعه الله في قلوبهن.

هكذا أحالني الموضوع إلى حديث آخر، فحين نتحدث عن النساء فكلهن مقرونات بالجمال والدلع، والغنج، وغيرها من الأوصاف التي تبرز بها كل امرأة جمالها وأنوثتها في مواقف معينة، لكن حين نتحدث عن رائدة فضاء أو عن عاملة بمنجم (إلخ) لا نسوق الحديث عن دلالها، فهي لا تتجرد من هذه الصفات، لأنها لصيقة بها، ولكن الحديث يبدأ بإثبات الذات وقدرتها على التفرد والتميز، أما هي كامرأة فهي جميلة دون ذكر ذلك.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


JoomShaper