* د. أكرم رضا
إنّه الخلق الذي يزيِّن الأخلاق جميعاً بنورٍ وبهاء.
وإن كان خلقاً محموداً في الرجال، فإنّه فطرةُ النساء وطبيعتهنّ، فلا يعقل أن تجد إمرأة بدون حياء، وإلا كانت مصدر تقزُّز واستياء.
وعندما نتكلم عن هذا الخُلُق نكون أقرب ما نكون إلى عالمك الخاص أيتها المرأة الفاضلة، فاسمحي لنا أن نجاورك قليلاً، ونعرض عليكِ هذه الباقة من الزهور النديّة؛ زهور الحياء الرقيقة، التي تكونين بها حقّاً أنثى.
- ما هو الحياء؟
قال الإمام النووي – رحمه الله -: "قال العلماء: حقيقة الحياء هو خُلُقٌ يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حقّ كل ذي حقٍّ".
ويقول أبوالقاسم الجنيد – رحمه الله -: "الحياة رؤية الآلاء – أي النِّعَمَ –، ورؤية التقصير، فيتولد منهما حالة تسمَّى الحياء من المُنعِم".

- للحياء أنواع:
1- الحياء الفطري: ومنه استحياء الطفل أن يراه أحدٌ عُرياناً، واحمرار وجهِ ذي الخُلُقِ عند سماع الفُحشِ.
2- الحياء الإيماني: وهو مثل ما قاله الجنيد – رحمه الله -، ويتأتى عنه امتناع المؤمن عن فعل المعاصي حياءً أن يراه الله عليها.
3- الحياء من النفس: وهو ما يُسَمَّى الضمير، ويتمثّل قول الشاعر:
إني كأني أرى مَن لا حياءَ له **** ولا أمانة وَسَطَ القوم عُرياناً
ويقول علي (رضي الله عنه): "مَن كساهُ الحياء ثوباً لم ير الناس له عيباً".
- الحياء من الإيمان:
عندما ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شُعَب الإيمان خصَّ الحياءَ بالذكر.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الإيمان بِضْعٌ وسبعون أو بِضْعٌ وستُّون شعبةً، فأفضلُها قولُ: لا إله إلا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان".
إنّ بناء الأخلاق المتينة لا يقوم أبداً إلا على أساس من الإيمان يتشعّبُ في النفس، يملأ القلب، يملك الشعور.
والحياء هو زينة هذا البناء وشعاره، حتى إنّه قُرِنَ به؛ فبدون الحياء لا إيمان ولا أخلاق.
ولذلك فإنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "الحياءُ والإيمانُ قُرِنا جميعاً؛ فإذا رُفِعَ أحدُهُما رُفِعَ الآخرُ".
والسِرُّ في أنّ الحياء من الإيمان أن كلا منهما داعٍ إلى الخير، صارفٌ عن الشر مُبعدٌ عنه، فالإيمان يبعث على فعل الطاعات، وترك المعاصين والحياء يمنع من التقصير في الشكر للمُنعِم، ومن التفريط في حقِّ ذي الحق، كما يمنع من فعل القبيح أو قوله؛ اتِّقاءَ الذمِّ والملامَة، ومِن ثمّ كان الحياءُ خيراً، ولا يأتي إلا بالخير كما صحَّ ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ونقيض الحياء البذاءة، والبذاءة: "فحش في القول والفعل، وجفاء في الكلام".
والمسلمة لا تكون فاحشة ولا متفحِّشة، ولا غليظة ولا جافية؛ لأن هذه صفات أهل النار، والمسلمة من أهل الجنة إن شاء الله، فلا يكون من أخلاقها البذاءة ولا الجفاء.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الحياءُ من الإيمان، والإيمانُ في الجنة. والبذاءُ من الجَفاء، والجفاءُ في النار".
- مصدر الحياء:
ومصدر الحياء معرفة قَدْرِ الله وعظمته، وقُربه من عباده، وعلمه بخائنة الأعين وما تُخْفِي الصدور. وهذا من أعلى درجات الإيمان.
- بل هو الإحسان:
عن أبي هُريرة قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) بارزاً يوماً للناس، فأتاهُ جبريلُ، قال: مَا الإحسانُ؟ قال: "أن تعبُد الله كأنّك تراهُ، فإن لم تكُن تراه فإنّه يراك".

www.balagh.com




JoomShaper