مسقط- مديحة عثمان
يتساءل الكثيرون عن سر شعارات المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء التي تنادي بها جمعيات المرأة في أنحاء العالم رغم أن الإسلام قد قد منحها حقوقها كاملة بداية من إقراره بأنها "إنسانة" لا تباع ولا تشترى إلى جعلها "ملكة" على مملكة "البيت".
إنما بقي المجتمع الشرقي "ذكورياً" بحسب من شاركوا برأيهم في الاستطلاع، فقد عاقب المرأة حين وقوعها في الخطأ بينما صفح عن الرجل المخطئ لمجرد كونه "رجلاً"، وأدل مثال على ذلك هي "الخيانة" فحين يخون الرجل تصبح المرأة في نظر المجتمع "مقصرة" ما دفع الرجل إلى ارتكاب الفعل المحرم مع غيرها، في حين أن المرأة حين تقع في الخطأ ذاته فإنها يجب أن تعاقب عقاباً صارماً دون النظر في الأسباب والأعذار التي أودت بها إلى الوقوع في حفرة الرذيلة والمثل ينطبق كذلك على المرأة "المطلقة" والرجل "المطلق" إلى غيرها من الأمثلة.
فما رأي الشرع وعلم الاجتماع في ذلك؟.. وهل صحيح أن ميزان العدل يفرض المساواة في العقاب بين الرجل والمرأة، أم أن القلم سيرفع حين يخطئ الرجل بينما يسجل حذافير الحادثة حين تخطئ المرأة.. الإجابة على ما سبق في السطور التالية:
بداية تقول رابعة بنت عبدالمجيد أن المجتمع ينصف الرجل في جميع حالاته، ويغفر له زلاته ويحاول البحث عن الأعذار التي تتفق وخطئه وهو ما لا تقوم به للمرأة، وتضيف قائلة: "يجب أن تدرك النساء أن الرجال فطروا على الخيانة إنما بالمقابل منحها موهبة وقدرة ترويض تلك الصفة في الرجل وهو ما يجب أن تستغله حفاظاً على بيتها، وطلب المساواة في العقاب هو بعيد المنال في نظري".
ويؤيد فهد بن خميس العامري مسألة اختلاف نظرة المجتمع لخطأ المرأة عن الرجل، مبيناً: "يُنظر إلى خطأ الرجل على أنه خطأ يسير يمكن بسهولة نسيانه أما المرأة فإن اخطأت فخطؤها لا يغتفر، والحقيقة لست مع المساواة في العقاب بين الرجل والمرأة؛ لأن آثار خطأ المرأة تمتد إلى المجتمع على عكس الرجل، وذلك لتعدد علاقاتها ومسؤولياتها في المجتمع". وترى باسمة البلوشية أنها رغم رغبتها في أن ينال "الرجل" المخطئ عقابه كما تناله "المرأة" المخطئة ولكنها أمنية ربما لن تتحقق للنظرة السائدة في المجتمع إزاء الجنسين، وتبدي رأيها في مسألة الخيانة قائلة: "يلجأ الرجل عادة إلى الخيانة لشعوره بالنقص بينما تلجأ إليه المرأة رغبة في الانتقام وفي كلا الحالتين أرى أن الإنسان الذي يلجأ إلى الخيانة بأي دافع كان هو إنسان "فاشل"".
وتشير مها الرئيسية إلى أن الإسلام لم يضع شروطاً مماثلة لعقاب المرأة والرجل كالتي وضعها المجتمع وتضيف: "الشرع منح للمرأة حقوقها كاملة ولم يسلبها منه سوى المجتمع الذي ما يزال يتشبث بعادات وأفكار الجاهلية، ولن تتخلص من براثن تلك الأفكار سوى بعد تطبيق المجتمع للشرع تطبيقاً قائماً على الفهم الصحيح".
ويؤكد سامي الهنائي أن مسألة المساواة في العقاب ورد في الشرع لمن جعل الله لهم عقولاً يفقهون بها، وضرب مثلاً بجلد الزاني والزانية بعدد متساوٍ من الجلدات وهي 100، ويعود للحديث عن نظرة المجتمع قائلاً: "هي حقيقة لا مفر منها فالمجتمع ينظر إلى المرأة المخطئة نظرة احتقار بينما يربت على كتف الرجل حين يخطئ وكأنه قام بعمل شجاع لا يستطيع أي كان القيام به".
المساواة مطلوبة.. ولكن!
وتعليقاً على ما سبق تقول الاخصائية الاجتماعية نبيلة بنت حامد المعولية أن نظام العقوبة في الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة فقد وضع عقاباً للخطأ ولم يضع عقاباً للجنس بعينه، ثم تقول: "أنا مع من يقول أن المرأة حين تخطئ يمتد خطؤها إلى المجتمع؛ لأنها مربية ومدرسة الأجيال والأمم، فإن انتشر نبأ خطئها ولم تعاقب سينتشر الفساد ويعم الفسق في المجتمع كما أن العادات تحكم المسألة فالمجتمع "شرقي" و"محافظ" ويقف بجانب الرجل في كل الظروف".
العقاب والثواب في الإسلام..
في مقالة وردت في العدد الثالث والعشرين من مجلة التسامح كتبها محمد سماك بعنوان حقوق الإنسان بين الشرعة الدولية والشريعة الإسلامية، ذكر مسألة العقاب والثواب في الإسلام بين الرجل والمرأة فقدم إجابة شافية على ما سبق، حيث ذكر أن:
الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب. والله – تعالى- يقول: ﴿إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً﴾(30).
﴿من عمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾(31).
﴿وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم﴾(32).
واضح من سياق هذه الآيات الكريمة أن لا فضل لمسلم على مسلمة، أو لمؤمن على مؤمنة في الثواب والأجر عند الله. كذلك فإن الله – تعالى- فرض العقوبات على الجرائم الأخلاقية على الرجل كما فرضها على المرأة. فالله تعالى يقول ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله﴾(33).
﴿الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة﴾(34).
إن المساواة في العقاب واضحة تماماً في سياق الآيتين الكريمتين. كذلك فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها﴾(35). و﴿من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً﴾(36). وتدل هذه الآيات الكريمة على المساواة في العقاب. ذلك إن الله تعالى يقول: ﴿إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى﴾(37).
وكذلك الأمر بالنسبة للحقوق الشخصية ﴿للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾(38). و﴿للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه أو كثر نصيبا مفروضاً﴾39. فالإسلام ضمن للمرأة حق الكسب وضمن لها حق الإرث.
المرأة و"الرجل" في العقاب "سواء"
- التفاصيل