محمود مختار الشنقيطي
لو كان (الحجاب) مسرحية تراجيدية، لكانت لقطة تبكيت شيخ الأزهر لفتاة صغيرة لأنها وضعت الحجاب على وجهها، حين دخل الرجال – أو من ظنتهم رجالا – هي ذروة التراجيديا أو (المأساة)!!!
ليست لقطة الذروة تلك وحيدة في عجائبنا، فمن اللافت جدا أن  المرأة المسلمة في الغرب (تجاهد) لكي تحتفظ بحجابها، بينما (تقاتل) المرأة المسلمة – أيضا – عندنا لتخلع حجابها!! بل إن بعض الفتيات – في فرنسا – عند حظر الحجاب جلسن في بيوتهن، مضحيات بالدراسة، والمستقبل العملي، في سبيل الاحتفاظ بحجابهن، وتلك صورة مشرقة تمنح أملا، كما أنها تدل على أن المهم هو إقناع المرأة بالحجاب، وليس إجبارها عليه.
بين صدمة شيخ الأزهر، وغرابة بعض واقعنا – المقاتل من أجل خلع الحجاب – وموقف بعض مسلمات الغرب، بين ذلك كله،هناك رحلة طويلة من وضع المرأة حجابها إلى أن خلعته، في الطريق إلى خلع غيره!!

المثير للأسى، أن المرأة عندنا (تجرب المجرب)، أو يراد لها أن (تجرب المجرب)، فقد خلعت المرأة المسلمة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، حجابها ثم عادت إليه،شيئا فشيئا، مع تنامي ظاهرة عجيبة، كأنها صنعت لتفسد الحجاب، أعني تغطية الرأس مع ارتداء ملابس محددة لمعالم الجسد!!

لاشك أن عودة المرأة إلى الحجاب – بأي صورة – قد أثارت غضب دعاة خلعه، مما جعلنا نلاحظ وجود ثلاث جبهات فُتحت لهدم الحجاب، الجبهة الأولى : التركيز على الحديث عن الحجاب كعادة، اختلف فقهاء العري على أصلها، فمن قائل بأنها تسربت إلينا، من الفرس، أو من الهند، أو من اليهود!! فكيف تقبل المسلمة أن تقلد اليهود وهم يغتصبون بلادنا، ويحتلون أرضنا؟!!

و الجبهة الثانية : تمثلت في (اجتهاد) يقول ببساطة أن الحجاب ليس موضع خلاف يدور بين الوجوب والاستحباب، والحرية الشخصية في أضعف حالاته، بل أصبح (النقاب) حراما!! :

(النقاب حرام .. إذا كان عري المرأة معصية فإن نقابها معصيتان. لا تكفرنا وتلعنا قبل أن تقرأ، وما ستقرأ ليس من عندنا بل هو كلام أستاذ جامعي يعمل في حقل الدعوة الإسلامية منذ ثلاثية عاما. الدكتور إسماعيل منصور حاصل على دكتوراه في الطب الشرعي وماجستير في الفلسفة الإسلامية ويستعد للحصول على الدكتوراه في القانون، هذا الرجل صاحب الكلام أعلاه، ظل يبحث المسالة سنوات طويلة، وحين انتهى إلى نتيجة،لم يعلنها للناس، بل حبسها في نفسه أكثر من 13 عاما، خوفا أو نسيانا، لا يهم، المهم أنه الآن يتحدث، في كتابه "تذكير الأصحاب بتحريم النقاب"يقدم 15 دليلا فقهيا على أن النقاب ليس فقط مكروها، بل هو الحرام بعينه(!) لماذا؟ لأنه تمسك بغير ما ورد في الكتاب والسنة ومخالفة لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ومعاندة إجماع الصحابة، وغلو وتشدد في الدين وتقول على الله وعبث في أحكامه، وتعصب لأشخاص ورفعهم فوق مستوى النصوص الشرعية، وصد عن سبيل الله وإصرار على باطل،وأسباب أخرى كثيرة منها توفير المناخ الأمثل للجريمة والانحراف){ مجلة روز اليوسف العدد 3367 في 26/6/1413هـ}.

أما الجبهة الثالثة : فتتمثل في السبب الأخير الذي ذكره صاحب كتاب "تذكير الأصحاب" أي : توفير مناخ للجريمة والانحراف!

قبل أن نرى كيف يتم تكرار حجة صنع الحجاب، أو النقاب لمناخ الانحراف، فإننا سوف نسعى لفك الاشتباك بين مصطلحي (حجاب) و (نقاب)، أو ندع المجال للأستاذة صافيناز كاظم لتفعل ذلك :

(في عام 1980 كانت هناك حملة مكثفة للهجوم على ظاهرة عودة المرأة المصرية إلى الالتزام بالزي الشرعي الذي حددته العقيدة الإسلامية لها وهو – في حده الأدنى – الزي الذي لا يُظهر منها سوى الوجه والكفان. كانت الحملة شديدة وجارحة ومليئة بالمغالطات أو عدم الفهم، بسبب أقلام لأقوام لم يراجعوا كتابهم (القرآن الكريم) منذ وقت طويل، فطال عليهم الأمد وأصبحوا مسلمين بشكل غائم (..) وكنت أفهم أن مصطلحي (سفور) و (حجاب) لا يعنيان المعنى الذي تُداول { هكذا} في تلك الحملة، فمعنى (سفور) هو كشف الوجه فقط، ومعنى (حجاب) هو الإسدال الكامل لبدن المرأة – أي ستر الوجه ضمنا – (..) لكن كلمة (السفور) تبدلت بغياب الوعي لتعني الأحقية في ارتداء العاري حتى لباس البحر المسمى بالبكيني. وأصبحت كلمة (محجبة) تطلق على كل من ارتدت غطاء الشعر، ولو مع (الجينز) الملتصق. واخترعوا كلمة (منقبة) لتعني التي تحجب وجهها.){ ص 110 – 111 ( تاكسي الكلام ) / صافيناز كاظم / الدار المصرية اللبنانية / الطبعة الأولى / 1422هـ}.

نعود للمشكلة التي أثارها الحجاب، أي التخفي خلفه للقيام بالأعمال المنافية للأخلاق!! وذلك ما أقلق – فيما يبدو – السيدة لولوة القطامي – حين عادت الفتاة الكويتية باختيارها لارتداء الحجاب – رئيسة الجمعية الثقافية النسائية في الكويت،فكتبت في مجلة المجتمع الكويتية بتاريخ 13/3/1979م،تقول :

(الحجاب كله نفاق ورياء، والعودة للحجاب هي عودة فاشلة للتستر أكثر منها للتدين. أنا أنظر للمرأة المحجبة على أساس أن العباءة هي مادة لإخفاء الأعمال غير الشريفة، يا للأسف، بعد هذه المدة الطويلة من الكفاح من أجل نسف هذا التقليد الاجتماعي البالي! أفاجأ بأن العباءة تعود من جديد، خاصة وأن فتيات الجامعة بدأن في لبسها، يا للأسف، إنها ظاهرة خطيرة لا تهدف إلى التدين بل إلى التستر في الأعمال غير المشروعة){ ص 83 – 84 ( المرأة العربية المعاصرة إلى أين؟) / د. صلاح الدين جوهر / القاهرة / دار آفاق الغد / 1402هـ}. أما في قطر فإن الكاتبة وداد الكواري لم تكتب مقالة،ولم تؤلف كتابا،ولكنها وضعت فكرتها ضمن(الدراما) وذلك في مسلسلها الذي عرضته معظم التلفزات الخليجية (يوم آخر)،وفيه نجد فتاة تذهب إلى أحد الفنادق لممارسة الرذيلة وهي متسترة بالعباءة، ويظهر أن الكاتبة خشيت ألا تصل فكرتها إلى المشاهد، فقدمت لقطة أخرى، تذهب فيها فتاة أخرى مع تلك الفتاة الفاسدة لتعرفها على (رجل) فإذا بالرجل عم الفتاة، ولكنه لا يتعرف عليها لسبب بسيط، لأنها ترتدي الحجاب!!

يبدو أن الأشقاء في سوريا كانوا سباقين لفتح الجبهة (الثالثة)،أي مهاجمة الحجاب عبر جعله وسيلة لإخفاء الأعمال السيئة!

فقد جاء في مذكرات بشير العظمة ما يلي :
(ترتدي الوالدة والبنات الملاءة السوداء الفضفاضة. ويستحيل تقدير الأعمار ومعرفة نوعية أو عمر الإنسان الذي تستره.
تتدحرج أكياس الفحم المذعورة مع الحيطان في أسواق الذكورة(..) كذلك كانت الملاءة تستغل، ونحن شباب، وسيلة للتخفي والتنكر للقاء العشيق في الظلام (..) تتعرض المرأة التي تسير على قدميها، ورغم الملاءة المنسدلة، للكلام الفاحش في الطريق، وتلاحقها صيحات الأطفال "أم ملاية زم ينزل عليك الدم" وقد يرشقها بعض الصبية بالحجارة أو ماء الفضة "نترات الفضة" ..){ ص 29 ( جيل الهزيمة بين الوحدة والانفصال) / بشير العظمة / دار الريس / 1991م}. واضح جدا أن الكاتب يريد أن يعطي أسوأ انطباع عن الحجاب، والذي يستغل للقاء العشيق – يعني بدون حجاب لا يمكن ملاقاة العشيق؟!! – كما أن من ترتجيه لم تسلم من السباب، ورشقها – أحيانا – بالحجارة، إذا سلمت من (نترات الفضة)!!

لا يمكن لنا – لي شخصيا – تصور معاملة المرأة المحجبة بهذه الصورة السيئة التي رسمها الكاتب! وإن كنت قرأت أن النساء هناك حين بدأن في ارتداء (الميني جيب)، وكشفن عن سيقانهن، قابل ذلك بعض الشباب المتحمس برش الماء الحارق على سيقانهن. لعل الأقرب إلى الصواب أن النساء يتعرضن للأذية بعد أن عم العري، أو لعل ذلك أحد الأسباب :
(ويشير بعض التجار إلى مشكلة أخرى في السوق { سوق الحميدية} تكمن في وجود عدد لا بأس به من محترفي معاكسة النساء، ويتحدثون عن شكاوى عدة سيدات وفتيات سمعن كلاما يخدش الحياء قاله أصحابه في إطار عرض (مفاتنهم) الجمالية وقدراتهم على إطاحة قلوب النساء بكلمة "غير شكل". وبالفعل، يلاحظ زائر الحميدية، أن النساء يتحركن بسرعة شديدة كأنهن يركضن ركضا، وأن عددا كبيرا منهن يسير بموازات جدران السوق خوفا من "دون جوان" في إحدى الزوايا يستخدم عباراته "السخيفة") { جريدة الحياة العدد 11891 في 12/9/1995م}.

الحجاب السعودي!!

هكذا سماه الأستاذ قينان الغامدي { جريدة الوطن العدد 2034 في 27/3/1427هـ}،وقد تعرض ذلك الحجاب لعدة غارات! الغارة الأولى قادها التلفاز، فنحن نزعم أن ذلك الجهاز الخطير قد لعب دورا لايستهان به في تبصيرنا بالوجه الآخر للعملة، فبدونه ما كان لنا أن نعلم بوجود نساء مسلمات لا يرتدين الحجاب – ولست مضطرا لأمرهن بالمعروف، فهن مجرد صور -، وعبر التلفاز تبرز برامج الأطفال كلاعب أساسي في الموضوع،فقد استثنيت المذيعة التي تقدم برامج الأطفال من الحجاب – السعودي طبعا!- رغم أن كل الطاقم الذي يعمل معها من الرجال،وهنا تبرز مفارقة لن نفوتها،وهي أن المذيعة تخرج من بيتها متلفعة بحجابها،وتركب السيارة وهي كذلك،حتى إذا أرادت الخروج على ملايين المشاهدين .. خلعت الحجاب!! ثم تسلمت القناة الثانية (المشعل) وبذلك دخل عنصر جديد في اللعبة أعني المذيعات الأجنبيات واللاتي يتحدثن لغة أجنبية،فلم يحتج أحد على تقديمهن لنشرات الأخبار، ولم يقتصر دور القناة الثانية على قيام المذيعات غير المحجبات، واللاتي يقدمن برامج لا علاقة لها بالأطفال ولا بالأسرة، ولكنها تخطت ذلك لتقدم الأفلام – والمسلسلات – الأجنبية، والتي تعرض فيلما – أو مسلسلا – قديما، تظهر فيه المرأة الغربية متسترة، ثم يُعرض فيلم آخر – أو مسلسل – ترتدي فيه النساء ملابس لا تكاد تصل إلى الركبة، وتعاقب تلك المشاهد، يزرع فكرة أن الأمر كله من باب التطور، فقد كانت المرأة الغربية متسترة .. ثم تطورت.
لا أستطيع أن أتجاوز هذه النقطة دون أن سأل الله أن يثبتني – وإياكم على الحق – أقول ذلك وأنا أقرأ هذه العبارات للأستاذة سهيلة حماد، في قناعتها الفكرية الأولى!! فهي تقول :
(لقد جنحت بعض الأخوات السعوديات إلى العمل في الإذاعة والتلفاز كمذيعات وممثلات. وإن اعترض عليهن معترض، اتخذن من خدمة الوطن هدفا ومن ضرورة معايشة العصر والواقع منطقا، ومن التطور مبررا. وهكذا كان كل معترض في نظرهن متخلفا (..) إنني في الحقيقة أريد أن أعرف ما هي الخدمة التي تؤديها الإذاعية إلى وطنها عندما تقدم برنامجا كبرنامج ما يطلبه المستمعون؟(..) وإن كان دعاة عمل المرأة في بلادنا يعتقدون أننا نستطيع تلافي كل هذه المشاكل والمخاطر، إذا أبعدنا عن المرأة الاختلاط، وهيأنا لها العمل فيما يناسبها من مجالات فهم على خطأ كبير. وهم على خطأ لأن عمل المرأة خارج بيتها سيجرها إلى الاختلاط، ولا أدل على ذلك من عملها الآن في الإذاعة، وفي المستشفيات،وعملها السابق في التلفاز. وكما أبيح لها الاختلاط في هذه الأعمال سيباح لها في المصانع والمعامل .. إلخ إلم يكن الآن، فسيكون بمرور الزمان. والاختلاط بطبيعته يجر إلى السفور والتبرج،ولعل اقتران التبرج في قوله تعالي : (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) وفيه إشارة إلى أن خروج المرأة من بيتها سيؤدي إلى التبرج، ولا يكون التبرج إلا إذا كان الاختلاط، والله أعلم   ){ ص 35 – 62 ( مسيرة المرأة السعودية إلى أين؟) / سهيلة زين العابدين حماد / جدة / الدار السعودية للنشر / 1402هـ}.  بل إن الأستاذة سهيلة، بالغت – كي لا نقول تطرفت – فطالبت بــ (إلزام كل سعودية بارتداء الزي الإسلامي عندما تسافر خارج المملكة){ ص 105}.

الغارة الثانية التي وجهت للحجاب، تمثلت في السخرية منه تارة، والحديث عن أضراره على بعض الطالبات، تارة أخرى!!
كتب الأستاذة سليم الخريص يقول :
(حين تتوقف عند الإشارة الضوئية وبجوارك (اللفافة) السوداء الكل يرمقك بنظرة مسروقة .. حب استطلاع){ جريدة الجزيرة العدد 8247 في 28/11/1415هـ}. ولم نلاحظ -  حسب اطلاعنا - أن أحدا احتج على هذه السخرية غير الأستاذة فاطمة العتيبي، والتي ردت غاضبة بأن تلك العبارة لو أطلقها كاتب غير سعودي على المرأة السعودية لأقمنا الدنيا ولم نقعدها.

لا ندري بالضبط ما الذي أغضب الدكتورة عزيزة المانع،ولكنها كتبت تقول :
(وأخيرا يتناول الجاسر ناحية اجتماعية سائدة ومعروفة تناولا يظن أنه مبطن غير أنه بدا واضحا جليا حتى لأغبى الأغبياء، وذلك عندما يتساءل بهلول الراوي ببراءة تامة : "كيف تعرفون المرأة الجميلة من الدميمة، ثم يواصل حديثه مقرا بأنه غير قادر على ذلك لأنه لم يرى في حياته سوى أمه وزوجته"){ جريدة عكاظ العدد 10835 في 24/11/1416هـ}. وزعمنا أن الدكتورة كانت غاضبة، قولها : ( واضحا جليا حتى لأغبى الأغبياء)!!

جمال المرأة السعودية يبدو أنه أصبح قضية عربية، أو عالمية،فهذا الأستاذ جهاد الخازن يقول:
(تأكدت عندي هذا الصيف قناعة قديمة هي بأبسط عبارة وأوضحها، أن الشاميات أحلى، المصرية قد تكون أخف دم (..) والسعودية أجمل عينين ( وهل نرى غير العينين) ..){ جريدة الحياة العدد 12227 في 3/4/1417هـ}.

لم أطلع مباشرة على وصف الأستاذ عبد العزيز مشري – رحمه الله – للمرأة بأنها مثل الغراب،ولكنني قرأت تلك الرسالة التي وجهها له الأستاذ جرمان الشهري،والتي قال فيها :

(لقد أسأت كثيرا للإسلام أولا، وللمرأة ثانيا، وذلك عندما سخرت من المرأة المسلمة المحتشمة المحجبة وقلت : "القابعة في لفافتها كالغراب" ..){ جريدة المدينة العدد 12370 في 18/10/1417هـ}.

علينا أن نعترف أن الأستاذ عبد العزيز مشري – رحمه الله – كان شديد الصراحة حين كتب،ع ندما انتشرت الفضائيات، وكثر اتصال السعوديين عليها، من أجل الحديث مع المذيعات، ومغازلتهن أحيانا – بل والتفوه بعبارات محلية خارجة لا يعرفن معانيها – حينها كتب (مشري) غفر الله لنا وله،عن تلك الشريحة من الرجال :

(إنهم محرومون عاطفيا وجنسيا، يشكون الفراغ، ليس فراغ الوقت فقط، وإنما قبلا، فراغ يحتاج إلى تعبئة {يبدو أن هذه الكلمة أقرب إلى العامية، فلعلها من "عبا البطارية" مثلا!!} ضرورية لا يمكن للإنسان السوي أن يحيا بدونها، ولا أن يحقق قيمته الإنسانية نفسا وجسدا وبالتالي فكرا .. ذلك هو : احتياجه إلى العاطفة المقابلة، عاطفة الأنثى، بعده عنها وتلصصه خلفها لمجرد أن تخطت بعينه عباءة!){ جريدة البلاد العدد 14985 في 3/3/1418هـ}.

حتى إذا تجاوزنا – بل تركنا لأهل العلم – ما يتعلق بالحلال والحرام،فلا يخفى على (مثقف) أن الغرب قد عرى المرأة حتى سارت بلباس البحر،ومع أن ذلك كان يفترض به أن يجعل الرجل الغربي لم يعد لديه فراغ يحتاج إلى أن (يعبئه) ومع ذلك لا يزال الرجل هناك يتلصص على المرأة، ويتحرش بها .. وصولا إلى اغتصابها!!!

بعد السخرية من حجاب السعودية، جاء وقت التباكي على حياة بناتنا، وذلك عندما دهست إحدى طالبات كلية الآداب بالرياض، بواسطة حافلة نقلهن، فكتب الأستاذ فهد السلمان، مقالة تحت عنوان "الموت بعباءة الاحتشام" ومما جاء فيها :

(رغم أنني لا أعرف تفاصيل الحادث، إلا من خلال ما نشرته الصحافة،إ لا أنني على يقين بأنها لا تخرج بحال عن سيناريوهات الحوادث المماثلة والكثيرة، حيث تتحول العباءة إلى فخ أو قيد، بل (كلبشة) شديدة الإتقان(..) والسائق غالبا في مثل هذا الجو العام وحتى يثبت جدارته بحمل تلك الأمانة، لا يلتفت كثيرا إلى الباب إلا خلسة أو من طرف خفي حتى لا يتهم بالتلصص على أجساد النساء!! ومنهم من ألغى مرآة الوسط تماما للذريعة ذاتها ..){ جريدة الرياض العدد 10861 في 22/11/1418هـ}.

أما الغارة الثالثة فقد جاءت قذائفها عبر (الفقه)!! وبطريقة لا تختلف كثيرا عن طرقة صاحب كتاب (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب)!! -  في حالة الأستاذ نجيب يماني، حين بين سبب تكراره الكتابة عن كشف المرأة وجهها :

(وما دفعني على تكرار الكتابة في هذا الموضوع هو إصرار البعض في وكل وسائل الإعلام على أن الأصل هو تغطية وجه المرأة دون الاستناد إلى كتاب الله وسنة رسول الله، ومن قال بما ليس في الدين فقد ابتدع، فوجه المرأة على المذاهب الأربعة ليس بعورة، والدين يؤكد على ذلك فكيف نخالف النصوص والوقائع وهذا المجتمع يستمد أحكامه من شرع الله وحده{ هذه حجة لم يستطع صاحب تذكير الأصحاب تقديمها!!} وبالتالي فإن تركيبته قائمة على أساس أحكام هذا الدين(..) وكشف وجه المرأة الأصل فيه الإباحة، وسوف أستمر في بيان هذه الأباطيل حتى يتم توضيح الحقيقة){ جريدة البلاد العدد 17671 في 26/1/1426هـ}.

نستطيع أن نضيف إلى (القذائف) التي وجهت للحجاب، عوامل أخرى مثل تأثير بناتنا العائدات من الدراسة في الخارج، وكذلك (ضعف الشخصية) – إن صح التعبير – والذي يجعل صاحبته (تخجل) من ارتداء الحجاب في الخارج. تقول إحدى بناتنا:

(إن الأجانب لا يفهمون،إنهم يصلون إلى هنا، وينظرون إلينا بعيون متعالية. وكثيرا ما يتهموننا بالنفاق والمكر، لأننا متى وصلت بنا الطائرة إلى أرض المطار،عدنا فوضعنا العباءة. إن هذا يضحكهم بغباء ولكن لو أننا سرنا بالعباءة في شوارع باريس، أو لندن، أو نيويورك، لأضحكنا الناس علينا.){ ص 59 ( حُكم الأصوات : النساء العربيات يتكلمن) / عائشة لمسين / ترجمة : د.حافظ الجمالي / دمشق / دار طلاس / 1987م}. أما الأستاذة حسون المضاوي – كما جاء في نفس الكتاب،وهي مضاوي الحسون، والتي تنافس الآن في الغرفة التجارية بجدة – فلديها تجربتها الخاصة:

( عدت إلى بلدي، منذ ست سنوات بعد أن أقمت سنين عديدة في الجامعات الأمريكية { هكذا!!} وخلال ثلاثة أشهر، كنت أرفض كل شيء : المحيط،وزوجي،وكل شيء. (..) وبدأت أعمل.بل قررت فترة ما، ألا أضع حجابا ولا ألبس عباءة. وكان أهلي يدعونني وشأني. ونحن أسرة تقليدية جدا من نجد. ثم إني لاحظت تلقائيا ومن داخل نفسي، أني أكون أيسر حركة إذا لبست العباءة، فالرجال هنا، في الشوارع غير معتادين على رؤية امرأة سعودية بلا حجاب. ولا ترفعه إلى الأجنبيات.أما أنا ووجهي مكشوف، فسرعان ما يلاحظون أني سعودية، فتعلق بي نظرات الرجال بصورة تزعجني. ومن هنا جاء عزمي على التحجب، عند الخروج من البيت(..) هنا تفترسنا العيون. لهذا أتحجب.وعندما تتغير العقلية ستزول هذه المشكلة.){ ص 57}. تجدر الإشارة إلى أن الأستاذة عائشة لمسين، زارت المملكة مرتين،1980 و 1981 م،وكتابها عبارة عن لقاءات وانطباعات.

النتيجة

من الطبيعي أن تؤتي كل تلك القذائف بنتيجة. بما أن اللباس الفضفاض جزء من الحجاب- رغم أن الضجة تثار حول تغطية الوجه،أو عدم تغطيته – لذلك وجدنا الأستاذ عبد الله أبو السمح، ينتشي حين وجد المرأة السعودية – والخليجية عامة – تتخلى عن ثوب فضفاض، كأنه مستعار!! :

(ليهنك الزمان أبا عمرو،فهاهو قد استدار وعدت إلى مكانك الأثير في ذات المقهى على الناصية اليمنى لشارع الشانزلزيه وبدايات الخريف تهب نسماتها على باريس (..) وإخوانك الخليجيون (..) يملأون الرصيف جيئة وذهابا (..) لكن الوجوه قد تغيرت صفاتها،ولم تعد نساؤنا يلطخن وجوهن بالأصباغ بل ارتقين سنة بعد أخرى فأجدن الزينة، ولم تعد الثياب فضفاضة كأنها مستعارة، بل متكاملة متلائمة (..) تظهر على وجوه (ربعنا) رقة الحضارة، وتسامح المدنية وتختفي جهامة العادة، وعبوس الدروب الضيقة..) { جريدة عكاظ العدد 11378 في 10/6/1418هـ}.

ثم تصل (دراما) الحجاب إلى ذروتها، وذلك عندما ألقت سيدة الأعمال السعودية لبنى العليان،وهي حاسرة الرأس، خطابا، هنا في جدة فدخلت التأريخ من أوسع أبوابه،ونكتفي هنا بما كتبه الأستاذ محمد صلاح الدين :

(طالعتنا صحيفتان سعوديتان إحداهما هذه الجريدة الغراء (المدينة المنورة) بتمجيد غير مسبوق لسيدة أعمال سعودية شاركت في منتدى جدة الاقتصادي واختارت أن تلقي خطابها على الملأ حاسرة الرأس(..) ورأى محرر ملحق (الأربعاء) أن السيدة الكريمة قد بنت – بما فعلت – صرحا تعلو عنده القمم ويسأل علوه المجد الوثاب، واعتبر المحرر الذي أفقدته نشوة الإعجاب توازنه أن السيدة الكريمة " " مداد خص نفسه بالإفصاح جهرا،وقلم خط سطر المجد فجرا، وسفر لكفاح امرأة سعودية أنجزت الممكن وتهفو للمستحيل في أقصى ركن من الأركان، إنها مثال فوق المثال لهزيمة افتراء الغرب على المرأة السعودية"( ملحق الأربعاء 29/11/1424هـ).{جريدة المدينة العدد 14885 في 2/12/1424هـ}.

أولا : لا يمكن لأحد أن يتهم المحرر – لحسن حظه،أو لسوئه – بأنه قد (فتن) بتلك السيدة الحاسرة!!

ثانيا : ليس محرر (الأربعاء) فقط هو الذي يقدر خلع الحجاب. فقد نقلت الأستاذ نورة خالد السعد حفظها الله، عن شمعون بيريز رئيس وزراء العدو الصهيوني السابق قوله :

(لمن يريد التأكد أن أوسلو قد حققت مكاسب كبيرة لدولة إسرائيل فلينظر إلى عدد النساء اللاتي (خلعن الحجاب) في غزة بعد تشكيل السلطة){ جريدة الرياض العدد 13047 في 23/1/1425هـ}.

هل يمكننا – بناء على هذا الكلام -  أن نقول أن (الحجاب) أحد أسلحة المسلمين (الإستراتيجية)؟!!  وهل قمنا نحن طائعين – دون أوسلو- بتفكيك ذلك السلاح؟!

 

لها أون لاين

JoomShaper