د. سامية مشالي
حمى الإسلام المرأة بعدما كانت تعاني في الجاهلية، فانتشلها مما كانت فيه حتى سارت حياتها سوية، وفق ما سيره الله لها في هذا الكون، ولم يمارس اضطهادا ضدها بعد أن نزع الإسلام هذه الأغلال التي التفت حول عنقها، بل كان لها تشريع خاص بها، حيث احتفي بها الإسلام أكثر ما يكون فسميت سورة باسمها"سورة النساء"، ووقفت جنبا إلي جنب مع الرجل في مواجهة متطلبات الحياة والمعيشة، بل تعدى ذلك إلى مشاركة الرجل في بناء الحياة والحضارة العصرية، ووجدناها تقف خلفه في ميدان الجهاد، تضمد الجراح، وتخفف الألم، وتسكن الأوجاع. علاوة على الاستقلال المالي لهذه المرأة والذي حفظة الإسلام فجعل لها مالية منفصلة ليس للزوج الحق في منازعتها فيه، وغير ذلك من الأدوار التي لم تقل أهمية عن دور الرجل في معركة الحياة، نحاول من خلال بحثنا هذا تسليط الضوء علي أهم ما تعرضت له المرأة من مخاطر للقضاء عليها من خلال الحركات النسوية التي نشأت في أحضان الغرب وترعرعت حتى وجدنا لها جذورا في مجتمعاتنا الشرقية فبدأت تزحف على بيوتات المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها فأصبحت خطرا يهدد البشرية.

معاناة المرأة في العصرالحديث:

عانت المرأة كثيرا ليس في الجاهلية فحسب وإنما ما بعد الجاهلية – في العصر الحديث - عندما سلط الإعلام فلاشاته على الحركات النسوية التي جنحت إلي حد كبير في الجرأة فيما تطلبه، فوجدناها لا تسعى إلي التحرر بقدر ما تسعى إلي ما يشبه الجنون، بل قد أعلنت الحرب علي العقيدة الإسلامية، فوجدنا– تلك الحركات – تدعو إلي حرية الجسد، وحق المرأة في ممارسة الجنس مع ما تشاء – مع تحفظنا علي استخدام " ما " لغير العاقل، ـ إشارة للبهيمية التي تتعامل بها ـ .
علاوة علي دعوة هذه الحركات، و التي فوجئنا بوجود أرباب لها في الشرق تطالب بحق المرأة في الإجهاض، علي اعتبار أن ما لحق برحم المرأة حق لهذا الجسد، وبالتالي من حق هذا الجسد التخلص مما علق به متى شاء. وغيرها من الدعوات الأخرى التي اعتبرها البعض حربا علي الدين ليس الإسلامي وإنما علي كافة الديانات والشرائع السماوية الأخرى، تلك التي دعت إلي احترام الفطرة الإنسانية، غير أن هذه الحركة كانت إعلان حرب علي الفطرة الإنسانية وهي التي فطر الله الناس عليها، فما تركت شيئا إلا واجتهدت في ضربة والقضاء عليه؛ لخلق حالة من الشذوذ في المجتمع.

النزعة النسوية المتطرفة:

وفي هذا الإطار تزايد الاهتمام بقضية تحرير المرأة، و ليس الهدف إلا جعل المرأة أداة لتحقيق أهداف الأعداء والتي تتمثل في القضاء علي هذا الدين بالكلية.
وعرفت هذه النزعة النسوية المتطرفة " feminism " تلك الحركة التي نشأت في ستينيات القرن العشرين، والتي مثلت ثورة فوضوية كان الهدف منها إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا؛ من أجل خلق صراع بين الجنسين. بدلا من إضفاء روح التعاون و التكامل بينهما.
العجيب في هذه الحركات أنها دعت إلي تحرير المرأة علي كل الأصعدة " البيتي والمهني والمدني والجنسي وقال في ذلك" فورييه " والذي يمثل الأب الحقيقي لهذه الحركة في فرنسا:"إن العائلة تكاد تشكل سدا في وجه التقدم" !!
كما دعا إلي التخلص من تبعيتها للرجل، وسطوته وعنفه عليها، واعتبر ذلك طريقا للتخفف من مشاكل الولادة والإنجاب وتبعاتها، وكان هدفه في ذلك إقرار كافة الممارسات الشاذة، والتي تثبت أنها قادرة على الاستقلال بذاته، وتستغني عن الرجل تماما، وبهذه الطريقة تثبت نديتها ومساواتها المطلقة.

انتشار المذهب النسوي:

تردد صدي المذهب النسوي في أنحاء العالم، وتسللت مبادئه إلي جماعات نسائية ومفكرين ومفكرات في دول مختلفة، عبر وسائل الإعلام والحوارات الدائرة من خلال المؤتمرات النسوية في أرجاء العالم، وعلى الشاكلة نفسها تطور الخطاب النسوي العربي عبر مراحل شارك فيها نساء وشعراء وأدباء وأحزاب ورجال فكر ودين، وإن كان هذا الخطاب لم يرق إلي الخطاب النسوي الغربي من حيث العمق والمعالجات الجادة لمشاكل النساء إلا أن الخطابين استهدفا المرأة من أجل القضاء علي المجتمع ممثلا في هذه المرأة.

إطلاق الحرية الجنسية:

وفي السياق نفسه أكد الفليسوف "ماركيوز هربرت ": على اعتناق الغرائز الجنسية وإطلاق الحرية الجنسية بلا حدود، سواء من ناحية الكم أو الكيف، أي حتى حرية الشذوذ. بل وتمجيده باعتباره ثورة وتمردا ضد قمع الجنس، وضد مؤسسات القمع الجنسي، معتبرا التحرر الجنسي عنصرا مكملا ومتمما لعملية التحرر الاجتماعي ورافضا ربط الجنس بالتناسل والإنجاب.

الحرية الجسدية:

اتفقت الحركات النسوية في العالم كله على أن المرأة هي المالكة الوحيدة لجسدها وبالتالي فهي حرة، تتصرف فيه جنسيا كما تشاء مع من تشاء، ووفق ما تشاء، واعتبرت التعبير الحر عن الجنس هو جزء من الحرية، حتى لو اتخذ شكل الشذوذ الجنسي أو السحاقي، أو اتخذ شكل احتراف البغاء، طالما خلا هذا الاحتراف من الاستغلال التجاري!

المناصرون في الشرق:

هذه الدعوات التحررية في الغرب كان لها أنصار في الشرق، فوجدنا علي سبيل المثال الصحفي المصري"أحمد بهاء الدين" يدعو إلي ربط الأخلاق بالضمير الإنساني بدلا من الدين، أو العقيدة بشكل عام، أما الكاتبة الدكتورة: نوال السعداوي فقد ذهبت لأبعد من ذلك عندما قالت:" إنني أشعر وكأن الله انحاز للصبيان في كل شيء" فهي تعترف ضمنيا أن هناك حقوقا للرجل علي المرأة، وتري أن هذه الحقوق جاءت بعد تحيز الإله لجنس علي آخر.
وبذلك مثل الشذوذ الجنسي والفكري حلقة أصيلة في العلاقة القائمة بين هؤلاء المتغربين عن الثقافة الإسلامية والإنسانية في آن واحد وبين أبناء أوطانهم فجاؤوا بما هو وافد لفرضه علي العقلية الإسلامية.

التحرر من الدين؟

ركز أعداء الإسلام علي قضية المرأة – وهم يعلمون أنها دعوى باطلة، لأنهم يعلمون نتائجها المتعددة منها:
-        الطعن في الشريعة الإسلامية ذاتها، لأنها سبب احتقار المرأة بزعمهم.
-        نشر الإباحية والانحلال في المجتمع الإسلامي.
-        القضاء علي الأسرة، ومن ثم تجهيل النشء بدينه، وتربية أبناء الإسلام كما يشاؤون.
وفي ذلك قالوا:"إن الإسلام يحتقر المرأة لذاتها، ولا يجعل لها قيمة معنوية سوي الاستمتاع المجرد، وأنه يبيح بيع وشراء النساء، وأنه يوجب علي المرأة أن تعيش وتموت جاهلة مهملة بما يفرض عليها من حجاب".
ومزاعم أخري كثيرة روجوا لها، ولذلك ارتبط مفهوم التحرر لديهم بتحررها أولا من الدين، فتعمدوا نشر كل رذيلة حذر الإسلام منها، حتى أنهم قالوا:إن الحجاب وسيلة إلي نشر الفواحش، وإن التبرج دليل علي الشرف والبراءة، ومن ثم فلا علاقة بين الدين والأخلاق!

دور الإعلام:

ولتحقيق هذه الأهداف وجدنا الإعلام يقوم بدورة الذي لا يحسد عليه من نشر صور الفتيات العاريات، و إنتاج أعمال فنية تدعو إلي ممارسة الرذيلة، وإنتاج برامج تساعد علي نشر هذه المفاهيم الداعمة لما يطرحوه، وتتيح الفرصة للمعرفة العملية والتطبيق في الوقت ذاته، حتى وصل الأمر إلي الدعوة صراحة إلي حرية المرأة الشخصية ورفض الزواج كنظام في بناء الأسرة، وإيثار العلاقة المؤقتة بين الرجل والمرأة علي السكن والإقامة المستمرة، وممارسة العلاقة الجنسية بينهما، والابتعاد كلية عن قيود الطلاق المعقدة، وهي التي تفرضها المجتمعات الغربية في الأحوال الشخصية.
وعلي كل حال، فمن يحمل هم الإسلام: استطاعوا ومازالوا الوقوف في وجه هذه الحركات، وأثبتوا أن الإسلام بما يملك من مقومات، يمكنه التصدي لكل هذه الحركات، والحفاظ علي المرأة كجوهرة مصونة لا تمس إلا بهدف وسبب وغاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1-      المرأة والعمل السياسي  ، دكتورة هبة رؤوف، ،معهد الفكر الإسلامي، 1995م .
2-      العدوان علي المرأة في المؤتمرات الدولية، الدكتور فؤاد عبد الكريم العبد الكريم ، سلسلة كتب البيان ، الكويت ، 2005 .
3-      الأسس الفلسفية للفكر النسوي الغربي، خديجة العزيزي ، بيسان للنشر والتوزيع والإعلام بيروت ، عام 2005 .
4-      حركات تحرير المرأة من المساواة إلي الجندر دراسة نقدية إسلامية، مثني الكردستاني، دار القلم للنشر والتوزيع ،عام 2004 .

 

موقع لها أون لاين

JoomShaper