أ.د. سالم بن أحمد سحاب
من القواعد الفقهية المعروفة أن (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح). ومن هذا المنطلق يرفض العاملون في سلك القضاء وكتابات العدل الاعتراف ببطاقة هوية المرأة وسيلة رسمية ثابتة للتعريف بها، وعليه فهي ملزمة جلب شاهدين من محارمها، ولست أعلم إن كان هناك مطلب إضافي بجلب مزكين للشاهدين.
وفي المقابل لا بد أن في فقهنا أيضًا قواعد تدعو إلى الموازنة بين المفاسد حسب مخاطرها وآثارها، ولنتوقف قليلاً عند الحادثة الارهابية التي ذهب ضحيتها جندي في منطقة جازان إضافة إلى الإرهابيين الاثنين اللذين تنكرا بزي امرأتين مواطنتين.
ولو أن الجندي عامر (رحمه الله) تصرف بالطريقة نفسها المتعبة في مجالس القضاء وكتابات العدل، لما كان أمامه إلاّ خياران اثنان: أولهما ترك الإرهابيين يتحركون دون تفتيش لأن الذي أمامه رجل وامرأتان هما غالبًا من محارمه أو زوجاته، والخيار الآخر إيقاف السيارة حتى يتم إحضار شهود ومزكين يعرفّون السيدتين (المتنكرتين) وذلك يدخل في باب المستحيل.
التساؤل هنا: هل يحل لرجل الأمن مطابقة هوية المرأة على الواقع كما يحدث في كل أنحاء الدنيا على عكس ما يُظن (حرامًا) في دور المحاكم الشرعية؟ هل يتوجب على رجل الأمن ارتكاب مفسدة درءًا لمفسدة أعظم وأخطر؟!
ولنفترض مرة أخرى أن سيدة تعاني من مظلمة شديدة، وأنها مقطوعة من شجرة، أو أن لا أحد من محارمها يرغب في اصطحابها للتعريف بها! إما لسبب وجيه أو لمجرد (الرفض)، فهل تُرد المرأة على عقبها لأنها لم تحقق شرط التعريف بها! هل مفسدة التحقق من هويتها مباشرة أشد وأخطر من مفسدة عدم رفع الظلم عنها أو حتى الاستماع إلى شكواها!
في ظني (وبعضه إثم) أن بعض أولوياتنا تائهة بين أحكام جامدة ومصالح معطلة واجتهادات غائبة عن واقع الحياة ومتطلبات الواقع ومستجدات الأحداث التي تتابع بسرعة وتتغير بلا هوادة. حياتنا اليوم زاخرة بالمحتالين والمحتالات والإرهابيين والإرهابيات والمظلومات والمحتاجات والمقطوعات من شجرة والباحثات عن حلول أولها الاعتراف بآدميتها بدون شهود ولا مزكين ولا يحزنون.
جريدة المدينة