عمان - سمر حدادين

في دار تربية ورعاية الفتيات في الرصيفة، تجد هناك طفلات ومراهقات باحثات عن الحب والحنان الأسري والمجتمعي، الذي ضاع منهن قبل أن تغلق أبواب الدار عليهن لتكتم أسرارهن وقصصهن الدامية للقلوب.
الباحثات عن الحب هذا ما تلمسه بعيون تلك الفتيات المحتاجات للرعاية والحماية، وتقرأه من خربشاتهن على أسرتهن ووسائدهن...أحبك يا أمي.. الحب ليس بتشابك الأيدي بل بتشابك القلوب.. وغيرها كثير.
خربشات الفتيات المليئة بالحزن واليأس والبحث عن العاطفة، أثارت فضول الصحفيين الذين زاروا الدار أمس للإطلاع على الخدمات المقدمة للمعنفات.
دخلن الدار لحاجتهن للحماية من الخطورة على حياتهن إما من أسرهن أو المجتمع أو من الطرف الآخر في القضية أو من نفسها حتى لا تعود إلى الهاوية من جديد، ما جعل الدار الملاذ الآمن لهن حتى إشعار أخر.
الداء الرئيسي الذي جر أقدام تلك الفتيات هو الإهمال الأسري وزواج الأم أو الأب من شخص آخر على ما قالت مديرة الدار فاطمة الخوالدة، بمعنى آخرالتفكك الأسري، الذي يؤدي في النهاية الى فقدان الحب والحنان والرعاية والأمن والأمان داخل أجنحة الأسرة.
تعددت قصصهن التي بالكاد حصلنا على مقتطفات منها حماية لهن وحفاظا على السرية التامة، كي يتمكن بعد انقضاء فترة وجودهن وزوال الأسباب أن يندمجن بالمجتمع ويمارسن حياتهن بالشكل المعتاد، فبعد خروجهن لا ملف أسبقيات لهن أو قيد امني فهدف الاستضافة هي الرعاية والتربية والحماية.
أما قصصهن تتمحور في معظمها حول ظلم ذوي القربى، فالمعتدي من الأسرة وهو نفسه يوصمها بالعار والفضيحة ويتهمها بشخص آخر كي يبريء نفسه.
في الدار التي تضم 54 حالة وطاقته الاستيعابية هي 65 حالة، تجد فتيات تعرضن لكل أنواع الإساءة الجسدية والجنسية والإهمال الذي يفضي الى الانحراف والهروب من المنزل والتسول والتشرد في الشوارع.
الإهمال هو بداية الانحراف، وزواج الوالدين وتحديدا الأم من شخص آخر احد أسباب الاعتداء الذي تتعرض له الفتاة كما قالت الخوالدة، مضيفة أن من الحالات الصعبة التي ترد الدار هي التعرض للإساءة الجسمية والجنسية إما من زوج الأم أو الخ أو الأب أو العم أو الخال.
وبالرغم من أن معظم الحالات كان للأسرة السبب الرئيسي إلى وصولها لهذا الوضع إلا أنها ترفض احتضان الفتاة وإصلاح وضعها بل أنها على العكس تتوعدها في بعض الأحيان بالقتل، لماذا حفاظا على سمعة الأسرة وشرفها!!.
الفتيات يقبلن في الدار بموجب مذكرة توقيف من قبل محكمة الأحداث، كما أفضت مديرة الدار للوفد الزائر، إذ بينت الخوالدة أن عملية القبول تتم بموجب مذكرة توقيف أو حكم أو احتفاظ من قاضي الأحداث أو قاضي الصلح، سواء كانت الحالات محولة من قبل إدارة وأقسام حماية الأسرة أو عبر مراقبي السلوك استنادا لقانون الأحداث رقم (24) لسنة 1968 وتعديلاته.
تشدد الخوالدة على أنه ينبغي أن تنطبق شروط القانون على الفتيات، وأبرزها أن لا تكون من الجانحات أو لديها قضية، وفي حالات نادرة يكون القبول استثناء بقرار من مدير الدفاع الاجتماعي ولمدة أربع وعشرين ساعة، وذلك أيام العطل والأعياد، وفي الحالات الطارئة حتى لا يتم إيداع الفتاة في مركز إصلاح وتأهيل جويدة نساء.
ومن الشروط أيضا أن يتراوح عمر الفتاة من (12 إلى 18) عاما، وأن تكون خالية من الأمراض السارية والمعدية، وان تكون سليمة القدرات العقلية.
أما السرية فقد حددتها المادة (12) من قانون الأحداث حيث نصت على حظر نشر صورة الحدث أو الحكم، ويحظر نشر اسم وصورة الحدث الجانح ، ونشر وقائع المحاكمة، أو ملخصها في أية وسيلة من وسائل النشر، كالكتب والصحف والسينما، ويعاقب كل من يخالف ذلك بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما أو بغرامة لا تتجاوز مائة دينار أو بكلتي هاتين العقوبتين، ويمكن نشر الحكم بدون الإشارة لاسم الحدث أو لقبه.
تلفت الخوالدة التي سرية التعامل مع ملفات كل منتفعة بالدار، إذ تنحصر المعلومات عن المنتفعات ما بين المديرة والأخصائية النفسية، ولا يتم تناقل القصص بين الفتيات المنتفعات أنفسهن.
خدمات وبرامج متعددة تقدمها الدار للمنتفعات حتى يخرجن من الدار قادرات على مواجهة الحياة، ومن الخدمات الغذاء والدواء والكساء والإيواء ومصروف شهري لكل منتفعة مقداره 6 دنانير، إذ تتولى وزارة التنمية الاجتماعية هذه التكاليف التي تبلغ بمجملها لكل فتاة شهريا 300 دينار.
أما البرامج فهي برامج الخدمات الاجتماعية التي تهدف الى إعطاء الفتيات الخبرة الحياتية والتعامل معهن، والمساعدة على حل مشكلاتهن والتواصل مع أسرهن عبر الزيارات والاتصال الهاتفي المتبادل بين الأسر والمنتفعات.
ويشمل برنامج التعليم الأكاديمي والمهني على التعليم النظامي أي الذهاب إلى المدرسة وهذا يواجه صعوبة كما قالت الخوالدة تتمثل بالخوف على حياتهن من قبل الأهل أو الطرف الآخر بقضيتهن، ومن نظرة المدرسة والطالبات لهن، أو من هروب الفتيات، علاوة على أن المجتمع نفسه غير متقبل لفكرة وجود فتاة في دار رعاية حتى وإن كانت ضحية.
الصعوبات السابقة جعلت الدار، وفق الخوالدة، تركز على تعزيز ثقافة المتسربين من المدارس وهو للفئة التي انقطعت عن الدراسة لأكثر من ثلاث سنوات حيث تدرسهم معلمات من وزارة التربية والتعليم، وهذا النظام حديث يمنح الفتاة شهادة تعادل الصف العاشر، وتستطيع عبره متابعة التعليم المهني والحصول على شهادة التدريب المهني لأي مهنة ترغب كالتجميل والخياطة والحاسوب.
وهناك برنامج محو أمية للفتيات الأميات في الدار، وتم إلحاق إحدى الفتيات لتتقدم لامتحان الثانوية العامة الدورة الشتوية، بالإضافة إلى تدريس فتاة في إحدى المدارس الخاصة وهي الآن في الصف السادس.
ويقدم للفتيات، بحسب الخوالدة، برنامج ديني ثلاثة أيام في الأسبوع، وبرنامج رياضي. فقد جهزت جمعية ضحايا العنف الأسري صالة ألعاب رياضية في الدار، وبرنامج صحي يهدف إلى غرس العادات العلمية الجيدة في نفوس المنتفعات.
وتقدم الدار النشاطات اللامنهجية بقصد إكساب الفتيات الحماية والرعاية والاستقلالية الذاتية ومساعدتهن على تنمية أنفسهن، ومنها برامج إرشاد نفسي، ومهارات حول الحياة وحل المشكلات، إلى جانب حفلات سمر، وحفلات أعياد ميلاد، ورحلات ترفيهية ومخيمات كشفية، وإقامة مسابقات دينية في شهر رمضان الفضيل، واحتفالات بالمناسبات الدينية والوطنية.
وتقدم الدار استشارات قانونية بالتعاون مع مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان (ميزان)، لمتابعة قضاياهن بإشراف الدائرة القانونية في وزارة التنمية الاجتماعية.
ونوهت الخوالدة أن ثمة قضايا شرعية متنوعة بحاجة للإرشاد القانوني كوجود فتيات متزوجات بعمر مبكر ولديهن نزاع مع أزواجهن على النفقة والحضانة وغيره، وقضايا ميراث، مشيرة الى وجود حالة زواج مبكر واحدة أقل من 15 عاما تمت خارج الاردن، وباقي الحالات أكثر من 15 عاما، علما بأن قانون الأحوال الشخصية حدد عمر سن الزواج في 18 عاما، وحالات محددة يتم بها الزواج لمن هم 15 عاما فما فوق.
ومن أهم البرامج المقدمة والذي يساعد الفتيات على تفريغ مشاعرهن برنامج السيكودراما، حيث تساهم الفتيات بكتابة النصوص وإخراجها، وفي الغالب يتقمصون دور الجاني لتفريغ شحنات الغضب ومواجهته بفعلته.
ويهدف البرنامج إلى إكساب خبرة المسرح وثقافة التطهير الانفعالي وعلاج حالات الخجل والانطواء ونقص الثقة بالنفس والمواجهة والانفعالات.
رغم الأنشطة السابقة والرعاية والتأهيل لا يزال القائمون على الدار التي ستنتقل بالفترة المقبلة إلى مقر جديد في طبربور، يواجهون مشكلة الدمج بالمجتمع والعودة إلى الأهل، ما يحتم عليهم بحسب الخوالدة إبقاء الحالات التي لا مكان آمن لهن في الدار حتى وإن تجاوز عمر عن 18 عاما، مشيرة إلى أنهم نجحوا في تزويج 15 حالة العام الحالي عبر جمعية لتيسير الزواج وبموافقة الأهل.
حاليا هنالك دار اليافعات لضم بعض الحالات ودار الوفاق الأسري، بيد أن الأمر كا طالبت الخوالدة بسن قانون للرعاية اللاحقة لحماية الفتيات، التي عبثا تستطيع أي برامج تعويض الباحثات عن الحب عن حنان وعاطفة الأسرة.. فهل يمكن لا نعلم.

 

جريدة الرأي

JoomShaper