حسين الرواشدة
في عام م2007 رصدت هيئة الامر بالمعروف في المملكة العربية السعودية مبلغ 700 الف ريال لأفضل دراسة عن «الاختلاط في المجتمع السعودي» ، جاء ذلك بعد جدل اججته وسائل الاعلام بين الهيئة واحدى شركات بيع العطور على خلفية فصل نحو (70) موظفة في الشركة بناء على طلب من الهيئة.منذ ذلك الوقت تصاعدت الدعوات لاعادة النظر في قضية «منع الاختلاط» خاصة فيما يتعلق بقرار وزاري ينص على ان عمل المرأة مقيد بشروط منها ان لا يكون في ذلك اختلاط بالرجال ، وفي الاسبوع الماضي عادت القضية واحتلت مركز الصدارة في سجالات الفقهاء والصحافة بعد ان افتى الدكتور احمد الغامدي ، رئيس هيئات الامر بالمعروف في مكة المكرمة «بجوازه» معتبرا انه كان امرا طبيعيا في حياة الامة ومجتمعاتها ، ولم يكن من منهيات التشريع مطلقا بل كان واقعا في حياة الصحابة والتابعين ، والفتوى - هذه - جاءت اثر انتقادات وجهتها بعض المرجعيات الدينية لمشروع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي فتحت ابوابها لتدريس الطلبة مع الطالبات دون فصل بينهما.وفيما انشغل اخواننا في السعودية «بالاختلاط» بين النساء والرجال ، ما زال اخواننا في مصر - ايضا - مشغولون بقضية النقاب والحجاب ، وما زال عالمنا العربي والاسلامي كله مشغولا بقضية «المرأة»: حقوقها ومشاركتها في العمل والسياسة والمواثيق الدولية التي تتعلق بها «اخرها سيداو» لدرجة اصبحنا فيها امام اولوية اسمها «المرأة» تتقدم على كل اولوياتنا وقضايانا الكبرى ، ابتداء من التنمية الى الكرامة الوطنية والقومية الى التخلف الى العدوان والاحتلال الخارجي.. وصولا الى صور الفقر والبطالة والبؤس التي تسيطر على واقع الانسان في مجتمعنا ..ولا يفرق - ابدا - بين الرجال والنساء.من المفارقات الغريبة ان «قضية منع الاختلاط» وبالتالي مصادرة كل ما يتعلق بالمرأة من حقوق - قد ارتبطت في اذهاننا بمسألة «الانحطاط» وقد سمعت اكثر من مرة من فقهاء معتبرين ان الاختلاط من اهم اسباب الانحطاط الذي اصاب امتنا ، وان ما حدث من فساد في المجتمعات الغربية لم يكن ليصل لهذا المستوى لولا «الانفلات» الذي اتاح للمرأة ان تمارس حريتها بدون ضوابط ، وبالتالي فان «الخوف» المبالغ فيه احيانا دفع الكثيرين من الفقهاء وغيرهم الى معاملة المرأة «كفتنة» وتقييدها بما يلزم من «قيود» لدرء انتشارها ، وحماية المجتمع مما قد يصيبه من انحطاط جرّاء ممارستها بعض ما اقره الشرع لها من حقوق.في هذا الاطار ، حدثت التباسات كثيرة في المفاهيم فالاختلاط المنضبط مثلا يختلف عن الخلوة غير الشرعية ، والاحتشام في اللباس يختلف عن النقاب ، وممارسة المرأة لعملها خارج البيت قد لا يتضارب مع التزامها بتربية ابنائها ، وطهارتها وعفتها وحفاظها على كرامتها لا علاقة له - احيانا - ببقائها في البيت او خروجها الى السوق ، ولا احيانا اخرى بلباسها او اختلاطها بالرجال او غير ذلك.. بمعنى ان اختزال العفة والطهارة والالتزام بالدين «بالشكليات» فقط ، يبدو غير صحيح ، فمواصفات التدين الصحيح تحتاج الى معايير تحاسب الجوهر والسلوك والأثر الطيب ، وهي - من حسن حظنا - موجودة في النصوص الصحيحة ولا تحتاج الا لمراجعات واعية من قبل فقهائنا وعلمائنا.. كما فعل محمد عبده الافغاني وابن بني.. والريسوني والقرضاوي في عصرنا الحاضر.كل ما اتمناه ان ننتقل من سؤال «الاختلاط» الى سؤال «الانحطاط» لا لانه لا يوجد رابط بين الاثنين ، وانما - ايضا - لان ما قاله شكيب ارسلان قبل اكثر من قرن عن سبب تقدم غيرنا «وانحطاطنا» كمسلمين ما زال يقرع آذاننا بقوة ، واذا كان البعض قد تصور - وربما ما يزال - ان سبب الانحطاط هو اباحة الاختلاط.. او عدم الالتزام بالنقاب او غيرهما مما يتعلق بالمرأة «كفتنة» فان قرونا طويلة قادمة ستأتي علينا وسؤال ارسلان ما زال كما كان.. بدون اجابة.
جريدة الدستور