رمزي السعيد
إن العطاء شيء جميل يشعر معه الشخص بالفخر والسعادة أينما كان شكل هذا العطاء أو التطوع، فعمل الخير لا يوطد علاقة الشخص بربه فحسب وإنما علاقته بالمجتمع والأفراد، لذلك تجده دائما يزن الأمور بميزان الأخلاق والإيمان ولا يقصر في حق أحد، لأنه يعلم أن ربط البواعث الخلقية بالإيمان بالله تعالى هو التي يميز الإنسان المسلم عن غيره فيتحلى بالإخلاص العميق لله تعالى وبثبات هذه الأخلاق وديمومتها فيه مهما تقلبت الأيام وتغيرت الأحوال ذلك بأنها صادرة عن وجدان حي مرهف يستحي من الخلق السيئ ويجتنبه، ويعلم أن الله عز وجل مطلع على الخفي من الأسرار فيستحي منه قبل حيائه من الناس المطلعين على ظاهر أخباره، وهذا الحياء من الله هو مفرق الطريق بين الإنسان الصالح المعطاء وغير الصالح الفاسد، فالإنسان الذي يطلع على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلم أنه صاحب القلب الكبير القلب الواثق المطمئن إلى وعد الله تبارك وتعالى فلم ييأس إنما يؤسس أمة تنير مشارق الأرض ومغاربها وأثناء هذا العرض وقريش تصد وتعرض والنبي صلى الله عليه يخرج إلى القبائل والله عز وجل يقول له: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" البقرة: 272

وعند العقبة يلتقى بأولئك النفر الذين يعرض عليهم الإسلام فيجيبونه فيما دعاهم إليه ويصدقونه ويقبلون منه ما عرض عليهم من الإسلام ثم يأتي الإعداد لهؤلاء النفر ليكونوا قادة يحملون مشاعل الهدى فلا بد من تعليمهم القرآن وعدم تركهم هكذا ويأتي الدور لاختيار المعلم الذي سيكون سفيرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه الشباب والجمال والهدوء والسمت الهادئ والابتسامة الحلوة والكلمة العذبة، كل ذلك امتاز به الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه فتى مكة شبابا وجمالا وتيها، كان مصعب السفير الأول للنبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب يعلمهم الإسلام ويقرئهم القرآن ويدعو من لم يسلم إلى الإسلام وامتثل مصعب لأمر نبيه وارتحل مع القوم إلى يثرب ليقوم بالمهمة الجليلة التي ندب لها، فنزل هنالك على أسعد بن زرارة وجعل أسعد ومعصب يتعاونان على الدعوة إلى الله ومرت أشهر ومصعب يعمل في المدينة لا يعرف كللا ولا مللا يتحرك بالقرآن ويحرك أفئدة الناس وعقولهم بالقرآن، كانت آيات الله تملك في بنيتها معجزة سحر الإقناع وكان مصعب يزيدها سحرا في تلاوته إياها وسط حشود الناس التي كانت تجتمع مبهورة الأنفاس من حوالي مصعب في أزقة المدينة وبيوتها وهو يتلو آيات الله الكريمة وظل مصعب مقيما في يثرب على تلك الحال من بث الدعوة حتى انتشر الإسلام في بقاع المدينة وأصبحت مؤهلة لحمل مشاعل الهدى، وكان الاعداد الأوللأمة تستطيع نصر دين الله وحماية الدعوة هذا هو الرجل الذي خلد القرآن ذكره بما استنار به بنور الطاعة المطلقة لربه عندما يحافظ على أداء الفرائض مخلصا لله تعالى فهو صاحب نفس راضية وقلب مطمئن يطفئ لوعة المعصية بالتوبة والإنابة والخشية لله تعالى يبهر العقول بأدبه الجم وأخلاقه السامية التي حقا يقال عنها انها أخلاق الرجال الذين يعطون لكل ذي حق حقه.

JoomShaper