سلام نجم الدين الشرابي
تختلف أذنا أم زعزع عن غيرها من النساء فهي تكبرهن بمراحل، كما أنهما تتحركان كبوصلة في كل الاتجاهات، تستطيع التقاط الكلمات من الأفواه.
وأحياناً تسمع أم زعزع الكلمات بعينيها عندما يتعذر الإرسال عن طريق الأذنين، ثم تخزن ما تسمعه في ذاكرتها، وما أبدعها حين تؤرشفها على غير ما قيلت عليه؛ لتستدعيها عند الضرورة بلحمها وشحمها، ثم تضيف لها ما تريد من البهارات التي قد تغير طعمها وخواصها، فتلوكها ثم تقذفها بوجه من اختارته هدفاً.

يريد الزواج بأخرى
في زيارة صباحية لجارتها أم زكوان، ولمن لا يعرف صباح أم زعزع فهو ممزوج بسيل من الكلمات المتقاطعة وبعضاً من الكلمات المفقودة، دخلت على أم زكوان وفي عينيها دموع مصطنعة كتلك التي يتم تقطيرها في عيون الممثلين قبل الخروج لتأدية دور يتطلب البكاء، وعلى أغلب الظن فإن أم زعزع فرمت كيلو بصل قبل أن تدخل لمنزل جارتها أم زكوان.
أم زعزع: يا معتره يا أم زكوان لا تستحقين ما يريد أن يفعله بك زوجك.
أم زكوان: وماذا يريد أن يفعل؟ اليوم كنّا على أحسن حال أعددت له الفطور وخرج بخير وسلام.
أم زعزع: ألا تعرفين أنه يريد الزواج بأخرى.
استطالت ملامح أم زكوان بعد سماعها الخبر ثم أردفت قائلة: ومن أخبرك بذلك؟
أم زعزع: سمعته أمس يتكلم بالهاتف مع واحدة بعد منتصف الليل، ووعدها بأنه سيتغدى معها اليوم ليرتب أمور الفرح.
أم زكوان باستغراب: وكيف سمعت ذلك.
أم زعزع: باستحياء-وأم زعزع حين تستحي- تعرفين أن حائطكم ملاصق لحائطي وكثيراً ما أسمع قصصكم.
أم زكوان: تسأل وهي مستفزة: وأنا أين كنت في ذلك الوقت؟
أم زعزع مطرقة رأسها باستحياء يخالطه فرح بمعرفة الجواب: كنتِ في الحمام.

اللقطة الثانية
أذنا أم زعزع ملتصقة على الحائط.. وأصوات صراخ صادرة من بيت أم زكوان، فيما يحاول أبو زكوان أن يشرح موقفه ويخبر زوجته بأن من اتصل بها أمس وتناول معها اليوم وجبة الغذاء كانت أخته ليساعدها في الترتيب لعرس ابنها البكر.

اتهامات تربوية
تنام رضوى وتستيقظ على وصف وتحليل شخصية وتصرفات (وردة) وهي زميلة لها في المدرسة التي تعمل بها، وكثيراً ما يحدث بينهما خلافات فكرية ومهنية كثيرة، خاصة في أسلوب التدريس وطرائقه.
لا تفتأ رضوى في كل اجتماع للجارات إلا وتنتقد بأكثر الكلمات والمصطلحات احترافية أسلوب وردة في التدريس ومنطقها في التعامل مع الطالبات.
ولطالما حلمت أم زعزع التي لا تستطيع إلا أن توفق راسين بالحلال، بأن يجمعها القدر بوردة، وكان لها ما تمنت، إذ التقت بها في إحدى المحافل التربوية حين وصلتها وجميع الجارات دعوة من جارتها رضوى لحضور ندوة ستشارك  فيها بورقة عمل.

ولا نستطيع أن ننكر أن لأم زعزع حظا يفلق الحجر، إذ تركت وردة كل مقاعد القاعة وجلست بجانبها، ومن يجلس بجانب أم زعزع يتم سبر أغواره الداخلية والخارجية. حصل السبر. وحين عرفت أم زعزع أن التي تجلس بجانبها وردة رضوى سكبت في أذنيها كل الكلمات التي قالتها ولم تقلها رضوى مع فارق يسير أنها مفرغة من المصطلحات العلمية والمهنية، مصاغة بالكلمات العامية، فأتت فجة صادمة، فعلى سبيل المثال بدل أن تقول أم زعزع على لسان رضوى أن وردة لا تلتزم بمعايير الطريقة الجيدة في التدريس، قالت لها: إن رضوى تقول بأنك ما تفهمي شي بالتدريس. وهلم جرا.

اللقطة الثانية
خلف كواليس مسرح المحاضرة علا صوت رضوى و وردة يتقاذفان الاتهامات التربوية والعلمية، فيما كانت أم زعزع تتابع تتمة فقرات الفعّالية بمتعة واهتمام.

بائع متجر الملابس
بين أم زعزع والسوق حالة من العشق الممنوع، فهي تخطب القطع وتقلبها تمط بعضها لتختبر جودة القماش، وتشد أزرار أخرى للتأكد من حبكة الخياطة، ثم تغادر السوق ولم تشتر منه شيئاً.
وإذا دخلت متجراً استعاذ صاحبة بالله من الشيطان الرجيم، فكل الثياب الموجودة على الأرفف تصبح بإشارة من أم زعزع على طاولة العرض، حتى تلك التي لا تستطيع أم زعزع ارتداءها بإصبع يدها الصغرى.
رائد موظف جديد في المتجر. حصل على هذه الوظيفة بعد أن لسعته نار البطالة بحرها، فكانت تلك النار أكثر استعاراً من نار أم زعزع، لذلك لم يرفض لها طلباً، فكانت بضاعة المحل بما فيها ملابس الأطفال الخدج، قد أخرجت من أكياسها وعرضت بين يدي أم زعزع التي بادرت بالشكر والتقدير ومدح رائد ومقارنته بصاحب المتجر عابس الوجه الذي يعمل كما وصفته أم زعزع من دون نفس، وإمعاناً بالمجاملة وحرصاً على إرضاء العميل هز المتعوس حظا – رائد- رأسه بالموافقة على قول أم زعزع التي صاغت من هزته جملاً وكلمات نقلتها لصاحب المتجر على لسان رائد لتقول له ما يعتمل في صدرها على لسان رائد، فتحصل بذلك على مكتسبين؛ الأول أنها مارست هوايتها في نقل الكلام، والثاني أنها أوصلت ما بداخلها على لسان غيرها يعني " فشت خلقها".

اللقطة الثانية:
عاد رائد إلى الشارع يبحث عن وظيفة أخرى بعد أن طرده صاحب المتجر.

الحماة والكنة
لا يحتاج الأمر لكثير من العناء عندما يتعلق الأمر بالحماة والكنة، وهنا تجد أم زعزع بيئة خصبة كخصوبة تربة نهر النيل.
طبخت الحماه طبختها المفضلة: طباخ روحو ودعت لتناوله أو بالأحرى لتذوقه جارات العمارة ومن بين من دعت الذويقة أم زعزع.
ورغم أن اسم الطبق يوحي بأنه طبخ نفسه بنفسه، إلا أن أم زعزع التي تحسن المجاملة أحياناً خاصة إن كانت تريد أن تكون من بين المدعوين في كل مرة استفاضت في مدح طعام أم بهجت، والتي انتشت وأخذت تتغنى بمدح المتذوقين والمتذوقات لأكلها، وكيف أن أولادها لا يحبون تناول الطعام إلا من يديها.
هذه الكلمة لم تمر بسلام في القناة الأذنية لأم زعزع، وكان عليها أن توصلها إلى الكنة زوجة بهجت التي لم تحضر المأدبة لارتباطها بمناسبة مع أهلها.

اللقطة الثانية:
بهجت فقد بهجته وهو يحاول تهدئة والدته وزوجته، فيما قدور الطعام على النار تنتظر معدة بهجت ليثبت عملياً ومعدياً أن طهي الاثنتين لا يقاوم، وأنه لا يستطيع أن يحيا يوماً بعيدا عن أطباقهما المفلفلة.

طيور الحب
وقفت أم زعزع أمام قفص في بيت جارتها أم هشام، تتأمل طيور الحب الثمانية وهي تتغازل تارة وتتشاجر تارة أخرى. وخيل إليها أن إحداها تتحدث عن الأخرى كما يحصل في عالم البشر، وتمنت أم زعزع في تلك اللحظة لو أنها تتقن لغة الطيور كالنبي سليمان لتفهم ما يقوله الطير، ليس لخير أو لتميز وإنما لتمارس هوايتها في نقل الكلام وتحريفه بين طيور الحب، ولكن أم زعزع لا تأكل إلا لحوم البشر.

JoomShaper