نوال السباعي - مدريد‏
***كانت مواطنة اسبانية يهودية هي أول من أبلغ وبشكل لافت للنظر عن المذبحة التي كانت تجري في البوسنة قبل خمسة عشر عاما ، تلك السيدة ذات السبعين عاما في كرسي عجلاتها وهي تضع أنبوب الأوكسجين في أنفها ، ظهرت في كافة نشرات الأخبار بطلب منها لتقول للرأي العام بأن مايجري مع المسلمين في البوسنة والهرسك هو عين ماجرى مع اليهود في أوربة قبل خمسين عاما. هذا الحدث لم يكن بالأمر البسيط الذي يمكن المرور عليه ، لأنه يعني أكثر من قضية وفي أكثر من اتجاه ، فإضافة إلى مايؤكده من سهر اليهود على قضاياهم من المهد إلى اللحد ، فهو يعني كذلك أننا لانستطيع أن ندخل كل الناس تحت نفس العباءة ، وأنه وعلى الرغم من تسنم الصهيونية العاليمة اليوم في أوربة قضية الحرب على الاسلام والمسلمين باعتبارهم القوة القادمة التي تعني في صناديق الاقتراع تغير السياسات الأوربية تجاه قضية فلسطين بالضرورة ، على الرغم من ذلك ، فإن هناك من الشرفاء ومن كل الأطراف من لايمكنه السكوت على الظلم وهضم حقوق الانسان .
إنه مما لاشك فيه أن أوربة تمارس وبصورة دورية عمليات تطهير دينية-عرقية منظمة تاريخيا ، لم ينج منها لاأتباع الدين المسيحي من المخالفين للمذاهب التي كانت سائدة أو حاكمة ، ولاأتباع الدين اليهودي ، ولاأتباع الدين الاسلامي ، وكما هو الحال مع المفكر والباحث المصري الكبير عبد الوهاب المسيري – رحمه الله-  فلست ممن ينكر ماحدث لليهود في ألمانيا  ، ولكنني أستهجن وجِدا رقم الستتة ملايين ضحية في مثل هذه المعتقلات  وفي الزمن القصير الذي شهدت فيه التجمعات اليهودية الأوربية هذا الابتلاء الرهيب مثلها مثل غيرها من المجموعات العرقية والدينية والاجتماعية التي حاولت النازية سحقها ، لقد شهدنا وعلى الهواء مباشرة مذابح استئصال جماعي وتطهير "ديني" في صربيا وكوسوفا والبوسنة ، وخلال خمسة أعوام ، لم يحرك فيها "المجتمع الدولي ساكنا" رجاء أن ينجز له الصرب المهمة !، ولم يبلغ عدد الضحايا على الرغم من  ذلك الأتون ولاحتى نصف مليون إنسان !!.

***في ذات الفترة الزمنية  الذي قامت فيها تلك السيدة اليهودية بالإبلاغ عما يجري في البوسنة ، افتضح أمر عمدة الرابطة اليهودية الاسبانية لضحايا الهولوكاوستو في مدريد " إنريك ماركو"   – صحيفة الموندو 12/5/2005- حيث تبين أنه لم يكن قط في ألمانيا ، ولم يتم تعذيبه على أيدي النازيين ، وأن كل مالديه من وثائق كان مزيفا ، وكان الرجل يلقي 1000 محاضرة ونقاش حول الموضوع سنويا أو يزيد – حسب نفس المصدر السابق-   وقد دافع عن نفسه بالقول في مقابلة تلفزيونية : إنه لم يكن يكذب عن سوء نية ، ولكن ليستطيع نشر عذابات شعبه وآلامه!! ، وقد قُبل اعتذاره ، وانتهت القصة ولم يعد للتعليق عليها أحد !! ، بل لقد استغرق بحثي عنها ضعف الوقت الذي أحتاجه لتوثيق أية معلومة أخرى وردت في هذا المقال ، ولم أستطع توثيق القضية إلا بالعودة إلى ملفاتي الورقية الخاصة المحفوظة عنها .هذا العفو الاجتماعي والسياسي الذي ناله هذا "الدجال المدعي" ، لايشمل بالطبع شخصيات أخرى "بريئة" ، ولا تجمعات أخرى كالمسلمين والغجر ، ممن يتعرضون لكل أذى ممكن من طرف وسائل الإعلام الاسبانية .

***في مواقع الصحف الاسبانية الرئيسية الكبرى، وفيم يتعلق بأي موضوع يخص الاسلام والمسلمين ، تجد آلاف التعليقات ، التي تشتمل على هجمات غاية في العنصرية والبغضاء والكراهية ، وتسمح هذه المواقع بهذه التعليقات باعتبارها حقا شخصيا للقراء ، وممارسة للحرية ، ولقد شاركت شخصيا قبل ثمانية أعوام في معركة نقاشية باردة هادئة استمرت ثلاثة أشهر مع أحدهم ممن يسمي نفسه "متغوط المورو" – هكذا باللفظ- الذي تبين لي من خلال مناقشته أنه يهودي "متفرغ" لمثل هذه النشاطات على الشبكة !!، وقد افتتح زاوية ثابتة للنقاش تحت هذا الاسم في أكبر وأشهر موقع اخباري اسباني على الشبكة "تيرراTERRA" – ، وعلى الرغم من إرسالي رسالة بهذا الشأن لمدير الموقع فقد بقيت هذه الزاوية عامين على الاقل في الصفحة الرئيسية ، وكتب هذا الانسان ردا عليّ افتضح فيه نفسه وأهدافه وطريقة عمله إذ قال وبالحرف : " لاأدري من أنت ،وماهي المنظمة التي تقف وراءك وتدعمك بالمعلومات ؟ ، وكم عدد الأشخاص الذين يساعدونك في الكتابة هنا ؟! ، ولكن اعلمي أنكم ستموتون جميعا ، وأنكم تحت أقدامنا ، وأنكم مجرد حشرات تعيش على هامش الحياة ، لاعمل لها إلا أن تنخر في المجتمعات الراقية كمجتمعاتنا !.
آلاف الشباب الناطقين بالاسبانية كانوا يدلون في تلك الزاوية بدلائهم التي تنضح بالكراهية والحقد والرفض لكل ماهو مسلم أو اسلامي أو عربي – وهنا في أوربة لافرق بين العربي والاسلامي-  ، القاسم المشترك الأعظم لمهرجان العنصرية هذا ، الذي يختلط فيه  الديني بالقومي ،هو  الجهل ، الجهل المريع والفظيع بالاسلام والمسلمين ، وقبل هذا وبعده بأحوال العالم من حولنا ، فهؤلاء الشباب لايعرفون ولايصدقون أن الهجرات النازحة نحو بلاد الخليج – على سبيل المثال - تفوق بمائة مرة في حجمها وخطورتها الهجرة التي تعانيها اسبانيا ، ويظنون أن بلدهم هي الوحيدة في العالم التي تعاني من الهجرة ، وأن الهجرة نحو اسبانيا هي نوع من إعادة الاحتلال –هكذا- ، وقد ظهر الكاتب والأديب الروائي الاسباني "فرانثيسكو أومبرال" وفي مقابلة بثتها القناة الاسبانية "الدولية " الاخبارية الحكومية  ليقول وبالحرف : " هؤلاء الموروس .. من الخدم الذين يعملون في بيوتنا .. ليست لديهم مشكلة ، لقد سألت الخادمة في بيتي إن كانت مرتاحة في وجودها في اسبانيا ، وقالت أنها مسرورة في إقامتها هنا ... طبعا – والكلام مازال للأديب أومبرال – هؤلاء القوم لايعتبرون أنهم قادمون أو مهاجرون إلينا ، إنهم وبكل بساطة "يعودون" ، يعني عائدين ، أي أنهم يعتبرون أنفسهم راجعين إلى حيث كانوا ..إنها حركة غزو منظم لاستعادة "الأندلس" ، واسألوا عن هذا ابن لادن" !! – انتهى كلام "أومبرال" الذي مات قبل عامين دون أن يحظى باحترام من قبل المجتمع الثقافي الأدبي الاسباني ، وقد اتهمه كثيرون بانه قد باع قلمه وضميره لليمين الاسباني مقابل كتابة صحفية في عمود يتعيش منه .

***المستشرق الاسباني الأستاذ في كلية الدراسات الاسلامية والشرقية في جامعة الأوتونوما في مدريد البروفسورالشاب "إنياكي دي تيران" والذي يتحدث اللغة العربية الفصيحة بشكل يفوق قدرتي في الحديث بها ، كتب إليّ رسالة قبل أيام يقول فيها : " يا سيدتي الفاضلة أمنيتي أن يهدينا الله إلى كبح جماح المتطرفين والأغبياء من كلا الجانبين الغربي والإسلامي وما أكثرهم للأسف الشديد.وما حماقة الاستفتاء في سويسرا وما يجري "طبخه" من تدابير شبيهة في دولة أوروبية أخرى إلا دليلا خطيرا على ذلك"، وقد دعى " دي تيران" في محاضراته القيمة -التي كان يلقيها متطوعا في ندوات النقاشات الفكرية الموجهة التي كان يعقدها تجمع الشباب المسلم في مدريد- الشباب المتفوق من طلاب الدراسات العليا من المسلمين في مختلف فروع المعرفة الانسانية أن يقوموا بحركة "استغراب" – ان صح الاصطلاح-  في مقابل حركات "الاستشراق" لدراسة الغرب من داخله دراسة نقدية مقارنة، إسهاما في بناء الجسور الانسانية والمعرفية بين الطرفين.

*** "هكتور غراد" المختص بعلم النفس الاجتماعي وعلم الأجناس (الأنتروبولوخيا) – كما تُلفظ باللغة الاسبانية- ، رجل يهودي عاش في اسرائيل عشرة اعوام على الأقل قبل أن يعود إلى مدريد للتدريس في نفس الجامعة، كان أحد أساتذة الجامعات الذين لبوا دعوة د لتقديم كتاب "نريد السلام"  الذي طُبع اعتراضا على الأفكار التي كانت تروج إلى أن الاسلام دين الارهاب ، وأن المسلمين قتلة يؤيدون عمليات تفجير وقتل الآمنين ،وقد ألقى "غراد" -وكذلك "دي تيران"-  محاضرة في تلك المناسبة قدم فيها دراسته الشخصية لما خطته أيدي اطفال وفتيان المسلمين في مدريد حول أحداث الحادي عشر من آذار وتحدث فيها عن أزمة الهوية لدى هؤلاء الأطفال ، كما تحدث عن أطفال فلسطين ، وشكر القائمين على طبع هذا الكتاب واعتبره سابقة فريدة من نوعها بين مسلمي اوربة ، ودعى طلبة الدراسات العليا في مدريد من المسلمين والغير مسلمين من الحضور للاتصال به لاجراء الترتيبات للبدء بالتحضير لرسالة دكتوراه تخص هذا الكتاب !، في ذات الحين الذي لم يحضر فيه حفل تقديم ذلك الكتاب إلا ثلاثة فقط من المسؤولين عن المؤسسات الاسلامية في مدريد من أصل مائة شخصية عربية وإسلامية كانت قد تمت دعوتهم إلى ذلك الحفل ، قاطعوا الحفل والكتاب لأنه لم يطبع بمشورتهم ولا تحت إشرافهم ولم يستطيعوا الهيمنة عليه ولا على الشبيبة الذين عملوا فيه وأعدوه !!.
-يتبع-

العرب القطرية– قضايا ورأي

JoomShaper