ربى الرياحي
الهدية رمز للمحبة والاحترام وتعميق للأواصر الاجتماعية وسيلة نستطيع من خلالها أن نعبر عن إحساسنا الصادق تجاه من نحب، لذا نجد أن للهدية مفعولا سحريا وعجيبا على متلقيها كونها رسولا يحمل لنا على أجنحته الألفة والمحبة والإخلاص.
إن اهتمامنا بالهدية وبالأثر العميق الذي تتركه في نفوس الآخرين يساعدنا كثيرا في بناء جسور من المودة والتواصل بيننا وبين من حولنا وإضفاء لمسة سحرية من المشاعر الإنسانية الصادقة والتي تزيد علاقاتنا الاجتماعية عمقا وتمنحها طابعا مميزا، لكن مع مرور الأيام بدأت الهدية تفقد قيمتها المعنوية ولم تعد ذلك الرمز البسيط الجميل الذي يجمع بين المحبين ويؤلف بين قلوبهم ربما لأن مفهوم الناس للهدية قد تغير كثيرا وأصبح محصورا فقط بقيمتها المادية، أما ما تحمله من معان شفافة ونبيلة فليس مهما أبدا، وسبب ذلك قد يبدو واضحا للجميع، فنحن في هذا العصر المادي أصبحنا ننظر إلى الأشياء نظرة سطحية خالية من المشاعر والأحاسيس.
الأمر المؤسف حقا هو أننا لم نعد نكتفي بالشعور الجميل والرقيق الذي تطبعه الهدية في دواخلنا، وذلك طبعا لأننا انجرفنا خلف المظاهر الزائفة والبهرجة الكذابة لاعتقادنا أن الثمن الباهظ للهدية يدل حتما على قيمتنا عند الأقارب والأصدقاء وننسى نقطة مهمة جدا وهي أن مجرد التفكير بتقديم هدية لمن نحب كاف لإشعارهم بمقدار المحبة التي نكنها لهم، فمن يحبنا بصدق لا تهمه قيمة الهدية بقدر ما تهمه المشاعر التي يحملها ذلك الرمز.
إن انبهارنا الشديد بالشكليات هو من جرد الهدية من معناها الحقيقي وحولها من جسر للمحبة والتودد إلى ساحة للتفاخر وعنوان للوجاهة الاجتماعية حتى باتت اليوم ليست أكثر من دين ثقيل يجب علينا سداده متجاهلين ما نعانيه من أوضاع مالية متردية، كل ما يهمنا هو أن نقدم هدية تناسب مستوى   الهدية التي قدمت إلينا، أما الأثر الطيب الذي تحمله الهدية والذي يضفي على علاقاتنا تميزا وقوة فلم يعد أمرا مهما بل أصبحت نظرتنا مقصورة على الجانب المادي البحت فقط كونه المقياس الحقيقي لمقدار الحب الذي نكنه لبعضنا بعضا.
ورغم ذلك، إلا أننا لا نستطيع التعميم فهناك أشخاص تسعدهم الهدية أيا كانت بغض النظر عن ثمنها، فهي بالنسبة لهم رمز لتقديس المشاعر الإنسانية وسبيل لاختزال المسافات الشاسعة هدفها الوحيد إزالة الفجوات بين الناس والعمل على تبديد جميع الآثار السلبية التي قد تنشأ كنتيجة طبيعية للخلافات والتوترات، فهي بمثابة المفتاح السحري الذي يفتح قلوبا أصبحت مقرا للضغائن لينثر فيها الدفء والحب والاحترام علها تعود إلى ما كانت عليه من قبل قلوب محبة لا يعرف الحقد لها طريقا.
ولكي تبقى الهدية محتفظة بقيمتها المعنوية وأثرها الطيب الجميل الذي يمنحها قدسية خاصة، فلا بد أن يكون أساسها الحب الصادق لأن ذلك سيكسبها حتما معاني حقيقية باتت شبه معدومة بسبب طغيان المصالح الشخصية التي أصبحت اليوم عنوانا لتعاملنا مع بعضنا بعضا بدون أن نراعي ولو قليلا جوانب أخلاقية ونفسية تحاول بشتى الطرق تعميق روح الألفة والإخاء والترابط، فنحن عندما نهدي شخصا ما هدية فإننا بالطبع نرغب في توصيل رسائل غير مباشرة له تخبره بأنه يحتل جزءا كبيرا من حياتنا وأن هذه الهدية عربون محبة ووفاء وإخلاص لكل المشاعر النبيلة التي نكنها له بدون أن نضطر لنطق كلمة واحدة.
إن أجمل هدية هي تلك التي تأتي بدون مناسبة لتخبرنا أن في هذه الحياة أناسا يهتمون بنا ويتذكروننا فقط لمجرد الحب وليس لأي سبب آخر. تقديمنا للهدية بعفوية وبدون تمهيد يجعلها أقرب إلى قلب المهدى إليه، وذلك لأنها تحمل صدقا وحميمية أبدية، لذا لا بد من إبقائها سبيلا لتجسيد المحبة الحقيقية التي تهدف إلى تنقية النفوس وتطهيرها من شوائب اختلقناها نحن بدون مبرر.

JoomShaper