ماجد محمد الأنصاري
الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015 01:28 ص
لماذا يحتاج العالم العربي مجتمعاً مدنياً؟لماذا يحتاج العالم العربي مجتمعاً مدنياً؟
المجتمع المدني مصطلح متداول كثيراً ولكن الغبش حول ما يرمز إليه أفرغه من محتواه، المجتمع المدني حسب تعريفه الدارج لدى المصادر المرجعية هو «الجهود والمبادرات والمؤسسات الجماعية الطوعية غير الربحية التي تهدف إلى تقديم خدمة لشريحة معينة أو للمجتمع ككل خارج إطار الدولة والتنظيمات الأهلية كالقبيلة والأسرة»، باختصار المجتمع المدني هو كل عمل شعبي ليس حكومياً ولا سياسياً يهدف إلى حل مشكلة ما في المجتمع، مثاله الجمعيات الخيرية والاتحادات العمالية والطلابية والمؤسسات الحقوقية وغيرها، في المجتمعات الديمقراطية المستقرة يقوم المجتمع المدني بدور رقابي تكميلي للمؤسسات الرسمية ويوفر متنفساً لتلك الفئات التي لا تقدم لها الدولة حلولاً مباشرة لمشاكلها، إما بسبب البيروقراطية أو لضعف الإمكانات أو حتى للاعتبارات السياسية، المجتمع المدني هنا يتدخل من خلال تركيزه على قضية معينة، مثل التسرب من التعليم لدى الأقليات الفقيرة مثلاً، ويقوم بتوفير حلول مباشرة فيشكل فرق متابعة تطوعية للطلاب المتسربين من التعليم ويتحرك لدى مؤسسات الدولة لتوفير التشريعات والبرامج التي تحد من المشكلة، بذلك يتمكن المجتمع المدني من تسريع وتيرة التجاوب مع القضايا الاجتماعية التي لا يسلط عليها الضوء كثيراً، ويدافع عن أولئك الذين لا يجدون من يدافع عنهم لقلة تأثيرهم السياسي.
في العالم العربي توجد الآلاف من مؤسسات المجتمع المدني ويعمل معظمها في إطار العمل الإنساني والخيري، ونظراً للطبيعة السياسية في العالم العربي ورغم كثرة المؤسسات فإنك قلما تجد مؤسسات مجتمع مدني مستقلة فاعلة، فهي إما محاربة من الدولة أو أنها تابعة للسلطة بشكل مباشر أو غير مباشر مع استثناء بعض الحالات الصحية هنا وهناك، ومع حالة الاستقطاب السياسي الحادة التي يتميز بها العالم العربي اليوم تواجه مؤسسات المجتمع المدني المستقلة فعلياً العديد من التحديات، ما أضعف قدرتها على إحداث تغيير اجتماعي أو خدمة الفئات التي تعمل من أجلها، حتى الجمعيات الخيرية التي كانت في السابق خارج نطاق الصراعات السياسية أصبحت اليوم ضحية لتلك الصراعات خاصة ما يحسب منها على تيار سياسي أو آخر، ولكن في ظل الظروف الحالية هل يحتاج العالم العربي مجتمعاً مدنياً.
لا شك أنه من الصعب جداً تخيل تلك الصورة المثالية للمجتمع المدني في البيئة السياسية العربية، ولكن حتى الأنظمة العربية بإمكانها الاستفادة من وجود مجتمع عربي فاعل دون أن يشكل ذلك تحدياً لسلطتها، أو أن يفاقم الصراع مع المعارضة، العالم العربي اليوم يعاني من العديد من الكوارث الاجتماعية سواء على المستوى الإنساني أو الثقافي التعليمي أو الاقتصادي، فهناك مشاكل نعاني منها اليوم ليست مرتبطة بالصراع بين السلطة والمعارضة والطرفان لا يهتمان بحل هذه المشاكل ولا يلتفتان لها، وهذا أدى إلى تزايد معاناة بعض الفئات الأكثر فقراً وحاجة، والدولة في هذه الحالة سيكون مفيداً لها أن يقوم طرف ما بالمهمة نيابة عنها دون أن يكون لهذا الطرف انتماء أو دور سياسي، وهذا هو الأصل في العاملين في مؤسسات المجتمع المدني أن لا يقحموا انتماءاتهم السياسية في إطار عملهم، وبالنسبة للمعارضة التي تدعي تمثيلها لشرائح المجتمع المتضررة من السلطة فهي كذلك تريد أن ترى حلاً لمشاكل هذه الفئات، ومن الناحية السياسية أن يكون الحل من أطراف غير السلطة أفضل لمعارضيها حتى لا تشرعن السلطة جرائمها عبر الخدمات التي تقدمها.
الصراع في العالم العربي اليوم ليس قصير المدى، ومن غير المتوقع أن تعود حالة الاستقرار السلبي التي سبقت الربيع العربي في أيّ وقت قريب، بل إن كل المؤشرات تنذر بمزيد من التوتر والتشظي، وفي ظل هذا التصاعد في وتيرة الصراع ستغيب المعاناة اليومية للمواطنين لصالح خطاب الاستقطاب الأيديولوجي، وسيؤدي ذلك حتماً إلى تفاقم أزمة الإنسان العربي على مختلف الأصعدة، ولا يمكن للحكومات أو معارضيها من توفير حلول سريعة ومناسبة لتلك الفئات المتضررة في ظل الصراع، لذلك لا بد لحامل الهم العربي من غير المنخرطين في أتون الصراع أن يقدم مبادرة خالية من المؤججات السياسية لكل الأطراف، وأن يستهدف المشاكل التي تغيب عنها الأطراف لاستكشاف الحلول المناسبة من خلال أداة المجتمع المدني، ومن مصلحة الفئات المتصارعة أن توفر مساحة لأولئك للعمل بعيداً عنهم، ولا بد للحكومات خاصة أن ترفع اليد عن هذه الملفات وإلا فإن حالة الانهيار الاجتماعي الوشيكة ستقع كالسيف على كافة الأطراف، فما فائدة الصراع على قيادة مجتمعات منهارة؟ إذا أرادت كافة الأطراف أن يكون لصراعها نتيجة، ولانتصارها معنى، فعلى الجميع أن يسمح للمجتمع المدني بالوجود والنمو بعيداً عن المهاترات والنزاعات، ولكن، هل من رجل رشيد؟?