التعليم في سوريا
إيرينا بوكوفا
يدخل النزاع في سورية عامه السادس. خمسة أعوام من العنف والتدمير خلّفت 250000 قتيل وأفضت إلى حدوث أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم، فضلاً عن أنها أجبرت ما يقرب من 4 ملايين و 600 ألف سوري على ترك بلادهم. أما تداعيات النزاع فقد انتشرت على نطاق واسع، في البلدان المجاورة التي استضافت عدداً كبيراً من اللاجئين، وكذلك في أوروبا التي تواجه تزايد أعداد طالبي اللجوء.
وبطبيعة الحال، فإن المجتمع الدولي ركّز اهتمامه على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الفورية، وعلى بذل الجهود الرامية إلى إيجاد حلول سياسية لهذه الأزمة.
وبعد مرور خمسة أعوام، حان الوقت للتفكير المتعمق على المدى الطويل، لأن جيلاً من الشباب السوري يتعرض لخطر الضياع والتطرف العنيف، وقد تنهار دعائم المستقبل إذا ما

تم إهمال هذه الحقيقة.
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن مليونين ومئة ألف طفل وشاب سوري غير ملتحقين بالمدارس؛ يُضاف إلى ذلك أن 0.7 مليون طفل وشاب من اللاجئين السوريين في خمسة بلدان مضيفة غير ملتحقين بالمدارس. كم أن الملايين من الأطفال والشباب في حاجة ماسة إلى الدعم سواء داخل سورية أو خارجها، والاحتياجات كبيرة في مستويات التعليم الأساسي والتعليم الثانوي، فضلاً عن التعليم العالي.
حل النزاع السوري إنما يعني الاستثمار في عملية السلام داخل سورية ذاتها. غير أن إرساء دعائم سلام دائم يقتضي الاستثمار في مستقبل المجتمع السوري، وفي أطفال سورية، فضلاً عن الشابات والشبان. وهذه هي ضرورة تنموية على المدى الطويل، كما أنها ضرورة أمنية، بالنسبة إلى سورية، والمنطقة وأوروبا وأبعد من ذلك.
إن ضياع هذا الجيل من الشباب السوري إنما يلقي بظلال ثقيلة على مستقبل البلاد واستقرار المنطقة، وهو ما يعزز دواعي الحرب. أما الشباب الذين يُحرمون من التعليم فإنهم يواجهون مستقبلاً قلقاً يشوبه التهميش والفقر والإحباط، ما يُفضي إلى تعرضهم لإغراءات التجنيد في الجماعات المسلحة وممارسة التطرف العنيف. وهذا أيضاً فخ كبير علينا أن نتخلص منه. وللتصدي لهذه الأزمة، ينبغي لنا العمل على ثلاثة مستويات.
أولاً، يجب عدم اعتبار قطاع التعليم أقل مرتبة عن سواه في الجهود المبذولة على الصعيد الدولي. ففي عام 2014، لم تتلق الاحتياجات التعليمية الشاملة المدرجة في عمليات النداءات الإنسانية سوى 36 في المئة من التمويل مقارنة بمتوسط يبلغ 60 في المئة للقطاعات الأخرى. ولم يُخصص لقطاع التعليم سوى 3 في المئة من التمويل الخاص بالأزمات الإنسانية الموجه عبر آليات التمويل الجماعي.
وفي سورية، وفي ما يتعلق بأزمات أخرى، من غير الممكن أن يستمر هذا الوضع. فنحن نحتاج إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في مجال التعليم باعتباره جزءاً أساسياً من المعونة الإنسانية والمساعدة الإنمائية على السواء. ولا ينبغي أن يستمر اختفاء المساعدة المخصصة للتعليم بين المعونة الإنسانية والتنمية الإنمائية، ذلك لأن التعليم أفضل وسيلة لحماية براعم السلام. وغالباً ما يكون التعليم أول عائد حقيقي يوفر السلام للبنات والبنين والشابات والشبان، فضلاً عن المجتمعات التي تسعى إلى النهوض.
ثانياً، يجب علينا بذل مزيد من الجهود لدعم البلدان المجاورة لسورية والمجتمعات المضيفة، من خلال دعم الاحتياجات التعليمية للاجئين السوريين وشباب المجتمعات المضيفة من أجل تزويدهم بالمهارات والمعارف والفرص التي تتيح لهم المشاركة بالكامل في الحياة الاجتماعية والحصول على فرص عمل لائقة.
وهناك تطورات قوية في البلدان المجاورة لسورية، في ما يتعلق بهذا الشأن؛ ويجب أن تستند هذه التطورات إلى دعم يعزز صمود الأنظمة التربوية على كل المستويات.
ثالثاً، في ما يخص كل هذه الأمور، من الضروري أن نتطلع إلى ما يتجاوز التعليم الأساسي، أي أن نأخذ في اعتبارنا التعليم الثانوي والتقني والمهني، فضلاً عن التعليم العالي. فالشباب الذين هم في سن الالتحاق بهذه المراحل التعليمية معرضون للاستبعاد، فضلاً عن كونهم أكثر عرضة لإغراءات ممارسة العنف، ومن ثم فإن التعليم الثانوي والتعليم العالي يشكلان العاملين الأساسيين لتزويد الشابات والشبان في سورية بالمهارات التي يحتاجون إليها كي يعيشوا بكرامة وسلام.
التعليم يمثل أفضل السبل في المدى الطويل لكسر حلقة العنف، ولتفادي التطرف العنيف، وإقامة مجتمع يمضي قُدماً في مسار السلام. وكان قرار مجلس الأمن المعتمد في كانون الأول (ديسمبر) 2015 الرائد بنوعه والخاص بالشباب والسلام والأمن، حمل في مضمونه هذه الرسالة وسلط الضوء على الدور الحيوي للشابات والشبان في بناء السلام ومواجهة ظاهرة التطرف العنيف. كما أن التعليم هو حق من حقوق الإنسان الأساسية وعنصر أساسي في تحقيق التنمية المستدامة. وهذه هي الرسالة التي ستوجهها اليونسكو مع شركائها إلى مؤتمر لندن في شأن سورية الذي يُعقد الخميس في 4 شباط (فبراير) الجاري، وتنظمه المملكة المتحدة، بمشاركة الكويت والنروج وألمانيا. كما أن التعليم يقع في الخطوط الأمامية للأزمة السورية؛ وينبغي أن يحضر في الخطوط الأمامية لبناء السلام. التعليم لا يمكن أن ينتظر نهاية النزاع وهدوء الاضطراب؛ بل يجب أن تُزرع بذور السلام من الآن.


* المديرة العامة لليونيسكو

JoomShaper