د. عادل غنيم
العلاقات الشخصية أكثر أنواع العلاقات تأثيرا في أفكار الناس ومشاعرهم وسلوكهم بل قد يصل هذا التأثير إلى ساحة الدين.
وأقصد بالعلاقات الشخصية التي تنشأ بين الأشخاص في محيط القرابة أو الزواج أو الصداقة، أو الجوار أو العمل، وهي علاقات دائمة وتتفاوت كثافة ونوعية العلاقات من شخص إلى آخر، ومن نمط علاقة إلى آخر. وهي بالمفهوم الشرعي تسمى «ذات البين»، ومع أن هذا المصطلح شائع التكرار على مسامعنا لكننا لم نتأمل ما فيه من دلالات ومقاربات..
إن كلمة «البين» تشير إلى الصلة التي تكون «بين» الأشخاص، والجميل أنها أضيفت إلى «الذات» فكأن هذه العلاقة أو الصلة لها حقيقة وكينونة جديرة بالحفاظ عليها وإصلاحها كما أمر الله المؤمنين: «فاتقُوا الله وأصلِحُوا ذات بِينِكُم» (سورة الأنفال:1).
ويبين النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلم -الأهمية القصوى لصلاح هذه العلاقة بقوله: «ألا أُخبِرُكُم بأفضل من درجةِ الصيامِ، والصلاةِ، والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال: صلاحُ ذاتِ البينِ، فإِن فساد ذاتِ البينِ هي الحالِقةُ». [أخرجه

الترمذي].
وكشف النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلم -عن الداء الذي يفسد العلاقات بين الناس، فقال: «دب إليكم داءُ الأُممِ قبلكم: الحسدُ والبغضاءُ، وهي الحالِقةُ أما إني لا أقُولُ: تحلِقُ الشعر، ولكن تحلِقُ الدين، والذي نفسي بِيدِه، لا تدخُلُون الجنة حتى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنُون حتى تحابُوا، ألا أدُلكم على ما تتحابُون بِهِ؟ افشُوا السلام بينكم» [أخرجه الترمذي].
والعصر الذي نحياه تفشى فيه وباء الكراهية أو كما عبر عنه الحديث: «داء الأمم»، وهو وباء لا يقضي على الحياة فحسب بل يقضي على الدين نفسه.
والأساس الذي بوسعنا من خلاله أن نوثق علاقاتنا الشخصية، ونعالج داء الكراهية هو الإحساس بالذات المشتركة التي تجمعنا أي «ذات البين»، وهذا يتطلب:
1- إيمانا راسخا Faith يصل تأثيره إلى قلوبنا فنحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا. قال النبِيِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-: «لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتى يُحِب لِأخِيهِ ما يُحِبُ لِنفسِهِ» [متفق عليه].
إن كمال الإيمان هو الذي يحقق هذه الدرجة من الإحساس المشترك، والانصاف الودود بينك وبين غيرك.
ويوسع الرسول صلى اللهُ عليهِ وسلم هذه الدائرة لتشمل البشر جميعا فيقول «وأحِب لِلناسِ ما تُحِبُ لِنفسِك تكُن مُؤمِنا» [حديث رقم: 4580 في صحيح الجامع].
ومن جمال الإيمان أن كل علاقة بين اثنين يكون الله تعالى بينهما، يقول سبحانه «إِننِي معكُما أسمعُ وأرى» (4سورة طه: 6)، وهذا يضفي شعورا بالأنس والأمان والتآخي.
2- السماحة، Tolerant تجعلك تتغاضى عن الهفوات، وتتجافى عن الفظاظة في التعامل، وهو أفضل ثمرات الإيمان كما في الحديث: «أفضل الإيمان الصبر والسماحة» [صحيح الجامع رقم: 1097]، والحاجة ماسة إلى هذه القيمة في زمن بلغ فيه البغض غايته، ورفع فيه الحسد رايته.
وهي مطلوبة في سائر التعاملات وفي الحديث: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى» [رواه البخاري].
ولن يصبح التسامح عادة لك إلا إذا أيقنت أن مكاسبك من التسامح أعظم، والفائدة أكبر من الانتقام وإثارة الأحقاد.
وللإمام الشافعي بيت في السماحة يقول فيه:
يغطي بالسماحة كل عيب وكم عيب يغطيه السخاء
3- المساندة الاجتماعية: Social support وتعني مدى توافر أشخاص يمكن للفرد أن يثق فيهم، ويعتقد أنهم فى وسعهم أن يعتنوا به ويحبوه ويقفوا بجانبه عند الحاجة ليمنحوه السند العاطفى، ويقدموا له العون ويكونوا ملاذا له وقت الشدة.
والإسلام رتب صورا من هذه المساندة منذ لقائك الأول بأخيك حتى يفارق الحياة.. وفي الحديث: «حقُ المُسلِمِ على المُسلِمِ سِت» قِيل ما هُن يا رسُول اللهِ: قال «إِذا لقِيتهُ فسلِم عليهِ وإِذا دعاك فأجِبهُ وإِذا استنصحك فانصح لهُ وإِذا عطس فحمِد الله فسمِتهُ وإِذا مرِض فعُدهُ وإِذا مات فاتبِعهُ» [ رواه مسلم (216].
وعلى ذكر المساندة ننوه بالحملة الشعبية التي انطلقت الثلاثاء الماضي في جميع مناطق المملكة برعاية رسمية، لإغاثة الشعب السوري الشقيق، ويتولى مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بالتنسيق مع الجهات المعنية تقديم المواد الإغاثية من أغذية وأدوية، وإيواء، واستقبال الجرحى وعلاجهم، وإنشاء وتجهيز مخيم لهم.
إذا لم يكن لديك في علاقاتك الشخصية إيمان ولا سماحة ولا مساندة فليس لديك إلا السراب، لا تيأس وحاول البحث مرة أخرى.

JoomShaper