ميساء قاسم
دمشق ..شام برس: تعد مشكلة السكن العشوائي من أهم المشكلات التي تواجه شرائح كبيرة في المجتمع السوري وخاصة في دمشق وريفها والتي إلى الآن لم تجد طريقها للحل وخاصة إن هذه الأبنية مشيدة منذ وقت طويل ، وبات السكن العشوائي يطوق المدن الكبرى وتبلغ مساحته في دمشق /1430/ هكتاراً ، كما بلغ عددها " 1.2 " مليون مسكن عشوائي تحتاج إلى /1200/ مليار ليرة لمعالجتها ، كما تفتقر هذه المناطق إلى الشوارع والحدائق وأبنية الخدمات العامة وإلى ملامح الهندسة المعمارية .
وبالتأكيد السكن في هذه المناطق يترك تأثيراً كبيراً على العادات والتقاليد وطريقة العيش وبالأخص بالنسبة للأطفال وخصوصاً في ظل انعدام المرافق المهيئة لتوفير الخدمات لهم ملاعبهم الحارات الضيقة وأرصفة الطرقات وباحات المدارس .
محمد في الصف السادس قال :" بما أننا نعيش بهذه المكان الذي هو أشبه بعلبة كبريت فلابد لنا من البحث عن مكان لتفريغ طاقتنا به ، ولم نجد أفضل من القفز فوق سور المدرسة الابتدائية المجاورة لحارتنا واللعب في الباحة ، فبعد الانتهاء من الدوام المدرسي نجتمع أنا وعدد من صبيان الحي ونرمي بالكرة أولاً ومن ثم نصعد واحد تلو الآخر ، لكن أنا اليوم معاقب لأن أبن عمي سقط أثناء محاولاته القفز فوق السور مما سبب بكسر في ساقه ويده وهذا الأمر جعل والدي يثور غضباً ويعاقبني بالجلوس في المنزل دون حراك ، والنزول إلى الشارع لقضاء بعض الحاجات الضرورية لأمي فقط  .
وبدوره قال عبد الله الملقب بعبود الشقي :" أنا يسموني في حارتي عبود الشقي لأني لا أترك شيء على حاله وهوايتي العبث بأنوار الشارع وكذلك علب الهاتف والشرطان القريبة من الأرض ، وتابع ضاحكاً : قال لي أبي عندما سألته ونحنا في نزهة إلى حديقة التجارة لماذا لا يوجد لدينا حديقة قريبة من منزلنا فرد بالقول ، لأننا  من الفقراء ومن سكان العشوائيات وعندما سألته ماذا يعني هذا الكلام أجاب :عندما تكبر ستعلم ما معنى أن تكون "أبن العشوائيات " .
أما راما الطفلة الصغيرة قالت : هذه الحارة ملعب لي ولأصدقائي ونحن لا نجد مكان للعب إلا حارتنا الضيقة البعيدة عن الطريق العام ، فننزل إلى الشارع بوقت تحدده لنا والدتي ولا نبتعد عن المنزل خوفاً من السيارات ومن الأشخاص الغريبين عن حارتنا .

يد على القلب وعين على الشارع

أبو علي بين خطورة لعب الأطفال في الشارع حيث قال :"لقد جئت في أحد الأيام بوقت غير الوقت المحدد لعودتي فوجدت أطفالي في الشارع يلعبون بالكرة بشكل همجي فيه شي من العنف ، فطلبت منهم عدم النزول مرة ثانية وان رغبوا بالخروج عليهم أن ينتظروا وقت النزهة وما تبقى من وقت فهو للدراسة ومشاهدة برامج الأطفال فقط  ، مبيناً رفضه لفكرة اللعب في الحارة وذلك خوفاً عليهم من مرور أحدى السيارات بشكل مفاجىء كون الحارة التي يمارس فيها أطفال الحي هواياتهم قريبة جداً من الطريق العام .
أم حسام موظفة قالت :"إن لم يوجد مكان سوى الشارع ووقت إلا للعمل فماذا نفعل ؟ وبالتالي أن كل ما يمكننا فعله هو الخضوع للأمر الواقع وترك الأطفال في الشارع فابني الأكبر لا يقوم بدراسته إلا بعد الانتهاء من اللعب مع أصدقائه في الحي ، وأضافت :إن بقاء أطفالي بالقرب من المنزل أمر يجلب لي الاطمئنان فانا دائمة النظر للشارع ، مشيرة إلى أن بيتها صغير ومن المفيد بقاءهم في الحي ريثما تنتهي من أعمالها المنزلية .
أم هادي ضد فكرة نزول الأطفال إلى الشارع حيث قالت :" أنا أقوم بخصم مبلغ من المال كل شهر من أجل تسجيل أطفالي في النوادي والمعاهد الدراسية ، فأنا بغنى عن المشاكل الكثيرة التي نسمع عنها والتي يعود سببها الأكبر إلى الاستهتار بأطفالنا وتركهم عرضة للسيارات وإلى الضرب المبرح من قبل الأطفال الأكبر منهم ، فمن المؤسف أن نسمع ألفاظ سوقية تخرج من أفواه بريئة ، ومن المؤسف أن نتهاون بحياتهم  إلى هذه الحد ، وأكدت أنه يمكن الاستغناء عن الشارع وملء وقت الأطفال بمشاهدة التلفاز وبالعاب الكمبيوتر وأشياء أخرى مفيدة .

لعب الأطفال لا يقل أهمية عن تناول الطعام

من جهتها الأخصائية الاجتماعية لينا أحمد أكدت لـ شام برس :" اللعب من أساسيات حياة الطفل وأهميته لا تقل أهمية عن تناول الطعام ، فاللعب له دور كبير في النشاط العقلي والمعرفي كالإدراك و والتخيل والإبداع ، مشيرة إلى أن الطفل الذي لا يلعب مع أبناء جيله هو طفل أناني ومسيطر ، وذلك لأن اللعب ينمي الخيال ويخفف العداء خاصة بين الأخوة وكذلك يعلم الطفل مواجهة المشكلات التي تعترضه أثناء اللهو مع أصدقائه ، لافتة إلى أن اللعب يساعد على التكيف مع العالم المحيط ويكشف أيضاً قوة الطفل وضعفه كما يساهم الطفل في التطور اجتماعياً ، عاطفياً  ، جسدياً ، فكرياً .
وأضافت : إن طبيعة الطفل الحية الديناميكية وما يصاحبها من جري وقفز وصراخ ولعب وما إلى ذلك ، تتعارض والحيز الذي يكون من نصيبه في هذا البيت الضيق. وللتخلص منه ومن أسئلته ومضايقاته ، يقذف به إلى الشارع بمشاكله المختلفة ، ونتيجة ذلك  نراه في الشارع خلال
العطل المدرسية ، موضحة أنه كثيرا ما تنتهي هذه الألعاب بمشاكل وحوادث وإصابات ، فمن جهة يكتسب ألفاظ لغوية بذيئة ، ومن جهة أخرى يكتسب بعض الصفات الغير حميدة من بعض أصدقائه ،مؤكدة على ضرورة إيجاد الحلول البديلة لهؤلاء الأطفال وتنمية ميولهم والاستفادة من نشاطاتهم في أشياء مفيدة وتسجيلهم في نوادي صيفية واصطحابهم إلى الحدائق أثناء العطل وملء أوقات فراغهم في أشياء مفيدة تعود بالنفع عليهم .

الحلول متاحة والإشغالات غير خالية

محافظة دمشق بينت أن الحلول متاحة في مديرية الحدائق  لمناطق السكن العشوائي التي لم تخضع لأي تنظيم ، أو تخطيط ، لكن عندما  تستلم المحافظة مناطق خالية من الإشغالات وضمن نقاط حدودية على الواقع ، فإنها ستقوم على الفور بتنفيذ الحدائق ‏، والحل يكمن أيضاً في إعادة تنظيم مناطق المخالفات ، وبناء أبراج سكنية، بتنظيم حديث ، كما يشار إلى أن المخالفات مضى عليها عشرات السنين نتيجة حاجة أو ضرورة للمواطن لتأمين المأوى والسكن ، وعلاجه يحتاج إلى تضافر جهود وزارات عدة ، كما تحتاج التجمعات العشوائية إلى "1200" مليار ل.س لمعالجتها، حيث تفتقر إلى الشوارع والحدائق وأبنية الخدمات العامة.
وبات السكن العشوائي يطوق المدن الكبرى ، وتبلغ مساحته في دمشق /1430/ هكتاراً ، ونسبة لا يستهان بها من سكان سوريا يقطنون المناطق العشوائية .
يشار إلى إن أهم خطوة في معالجة مشكلة المخالفات السكنية هي البحث عن أسبابها المباشرة وغير المباشرة بل والعمل على معالجة تلك الأسباب لإيقاف طوفان المخالفات وبعد ذلك العمل على معالجة الوضع القائم المتراكم منذ عقود سابقة ، وتنظر الحكومة بشكل جدي إلى حل هذه الأزمة ما دفعها إلى طرح مشروع قانون الاستثمار العقاري للنقاش العام ، ووضع خطة لبناء نحو 100 ألف وحدة سكنية خلال عشر سنوات قادمة ، وتم التعاقد مع العديد من الشركات المحلية والعربية لبناء آلاف الوحدات السكنية ومشاريع شركة إعمار العقارية تأتي في هذا الاتجاه .
والجدير ذكره أن العديد من الدراسات والبحوث المتنوعة أكدت على أن اللعب هو مدخل وظيفي لعالم الطفولة، ووسيط تربوي فعال لتشكيل شخصية الفرد في سنوات طفولته. والحقيقة أن أهمية اللعب في حياة الأطفال وتحقيقه لدوره التربوي في بناء شخصية الطفل، تتحدد أساسا بوعي الكبار عامة والآباء والمعلمين خاصة، ومدى إتاحتهم الفرصة أمام الطفل لتحقيق الذات في أنشطة اللعب ومواقفه المتنوعة.

JoomShaper