ديما الرجبي*
رغم الواقع المُظلم الذي أسدله “كورونا” على نمط حياتنا، إلا أن الكأس ما تزال نصف ممتلئة ونستطيع أن نستغل بعض الجوانب المهمة والمستحدثة في هذه الفترة وتطويعها بما يعود بالنفع على أبنائنا.
تشغل الأمهات أنفسهن دائماً في الحيز الأكاديمي وحصيلة العلامات النهائية التي من وجهة نظر بعض الأسر لها الأولوية في بناء مستقبل الطالب وهو ما نتفق معه تماماً، بينما تكافئ هذه الفئة أبناءها على قدر ارتفاع علاماتهم النهائية من خلال منحهم فرصة التمتع بأنشطة الصيف الرياضية من نوادي سباحة وكرة قدم وغيرها من الأنشطة البدنية التي نؤكد أهميتها، الا أن المستقبل بالنسبة للمجريات الحاصلة غامضٌ بعض الشيء، فما العمل لتفريغ ومكافأة هذه الطاقات الشابة؟
يأتي الحل من خلال عدم إهمال الجانب الإبداعي وإخراج دفائن أبنائنا الثقافية من خلال إتاحة الفرصة أمامهم بإظهار السلوك الإبداعي.
وبما أن الحجر الصحي فرض عوالم ضيقة لأبنائنا وألقى مسؤولية التكيف مع المتاح، لذلك لابد من التفكير بإطار منفتح على رغباتهم التي همشت أو أرجئت إلى حين الانتهاء من الوضع الراهن.
أبناؤنا يمتلكون مواهب غضة نستطيع سقايتها ورعايتها والاحتفاء بازدهارها، لذلك يجب على الأهالي أن يحرصوا على جودة أوقات أبنائهم والعمل كـ”درع” يصد عن ضجرهم الأساليب الخاطئة في تفريغ طاقاتهم، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت على اختلافها التي من شأنها توجيه بوصلة تفكيرهم إلى زوايا محدودة وخطرة إذا تم استخدامها بطريقة خاطئة، والأهم مراقبة “المحتوى” الذي يتابعونه؛ حيث إن معظم محتويات مشاهير السوشال ميديا -المؤثرين- لا تليق بخلفيتنا الاجتماعية وعاداتنا وتقاليدنا وتؤثر في سلوكيات أبنائنا بطريقة مباشرة، كما أنها تجفف منابع المواهب لديهم.
لكل طفل أو مراهق موهبة دفينة على اختلاف طبيعتها، وهناك فرق كبير بين الذكاء والإبداع والموهبة، وهنا نتحدث عن الموهبة القابلة للتشكل لتصل إلى مرحلة الإبداع ثم التفرد -الذكاء- وإن اكتشفت متأخراً.
هذا الجيل يميل إلى المخاطرة في انتقاءاته للتعرف على المجهول؛ حيث إن فضولهم يحفزهم على البحث باستمرار من خلال أدواتهم “الذكية” لاكتشاف ذواتهم، ومن هنا نستطيع توجيههم لاكتشاف ميولهم الثقافي أو الفني.. الخ، من خلال الأدوات ذاتها التي يفضلونها -الانترنت- ونلعب دور “المؤثرين” في حياتهم.
أفردت وزارة الثقافة الأردنية حقلاً مهماً للطلبة لمشاركة مواهبهم من خلال مسابقة “موهبتي من بيتي”.
وكشفت هذه المسابقة النقاب عن مواهب متعددة شارك بها أبناؤنا من منازلهم من دون أن يلتحفوا بغطاء “عتيدٍ” للثقافة، بل كانت مشاركات تلقائية ومواهب دفينة سمح لها أن تبصر النور حتى وإن لم يحالفها الحظ بالفوز، وكشفت أيضاً أن هذا الجيل هو الأقدر على الخروج من قوقعة الفضاء الالكتروني لينتقل وبقوة الى عالم الواقع وإبراز مواهبه المتميزة.
وهو ما يضيء قنديل أمل في ضخ دماءٍ شابة لهذه الحقول المهمة في أي مجتمع، لذلك فإن إتاحة الفرصة لأبنائنا بالتعبير عن ذواتهم من خلال كسر حاجز الخوف بيننا وبينهم والسماح لهم بالحديث عما يحلمون به خفية أحقية لهم وواجب علينا وفرصة يجب اغتنامها.
الخروج من نمط الدراسة إلى حماسة الإبداع يعد سلاحا مهما يسهم في تشكيل شخصية الطلبة ويؤثر على ثقتهم بأنفسهم ويغير منظورهم الاجتماعي ويعيد أبجديات الثقة بمحيطهم الحكومي والأسري ويطور أدواتهم النفسية للأفضل، خاصة إذا ما عُمل على احتضان هذه المواهب وتطويرها ضمن إمكانيات الدولة والأسرة.
لم تكن الثقافة يوماً حكراً على أحد، ولا يصلح أن تصنف ضمن “النخبة” فقط، بل من واجب ذوي الطلبة أن يدفعوا بأبنائهم إلى إبراز مواهبهم والتمسك بها وبنائها؛ حيث إنهم الأقدر على صنع ثقافة تتماهى مع الألفية الثانية، ويأتي دورنا باستغلال هذه الفرصة التي أتاحتها الحكومة واكتشفت من خلالها حالة ثقافية جديدة تستحق الدعم على المدى البعيد وليس الآني فقط.
مسؤولياتنا متراكمة وقدراتنا متفاوتة، ولكن يجب أن نعي بأن هذه الأجيال هي التي ستكمل الطريق وتكتب مستقبلاً ينبثق عن رؤيتها الخاصة ومفهومها الخاص، ودورنا يأتي بإزالة الغبار عن بعض الأدوات المتاحة لهم ليتمكنوا من النهوض في مجتمعاتهم علمياً وثقافياً وسياسياً وأخلاقياً بالمقام الأول، وحمايتهم من الفراغ الذي يعد العدو الأكبر لصحتيهم الذهنية والنفسية، لذلك يجب استغلال أوقات الفراغ بطريقة ذكية ليقطفوا ثمار الحجر الصحي بعد انتهاء هذه الأزمة بإذن الله.