ديمة محبوبة
عمان- يختبر الإنسان في محطات الحياة التي يمر بها، صعوبات وعوائق عدة، وينتهي به المطاف واقفا ساكنا لا يتحرك، يرفض الانطلاق لمحطة جديدة عله يلمس تغييرا لم يتوقعه، وكأنها نهاية العالم بالنسبة له.
ليس هناك من لم يختبر الفشل يوما، أو تعثر حلمه الذي لطالما تأمل بأن يحققه ويفرح به، أو تغير مسار حياته من دون أن يكون له يد في ذلك، أو حاول كثيرا ولم يحقق النتيجة التي رغب بها، أو حتى فقد عزيزا عليه. لكن هنالك من يقرر المواصلة والمضي قدما لتجاوز ما فات، وآخرون “يبكون على الأطلال” رافضين التقدم خطوة واحدة للأمام.
عدم الزواج ليس نهاية العالم، والطلاق ليس نهاية العالم، والبطالة ليست نهاية العالم، وعدم الإنجاب ليس نهاية العالم، والتعثر وضياع الحلم، ومن فقد أحباءه ليس نهاية العالم.. فبالرغم من كل ما يشعر به الشخص حيال ذلك من أحزان وآلام، وفقدان الرغبة من المحاولة، والأثر الكبير لكل ذلك، إلا أن الأمل والرضا والتفكر بطريقة مختلفة وإيجابية قد يكون دافعا للاستمرار والمواجهة.
هنالك من استثمر ألمه ووجعه من خسارة شيء ما أو عدم تحقيقه حلما أراده يوما، أو فشله بمحطة ما، لنجاح من نوع آخر، فكان تميزه واضحا بمجال مختلف، ولم يدع حزنه أو فقدان الرغبة لديه عائقا بينه وبين تحقيق النجاح على صعيد مختلف، وكثيرة هي قصص النجاح التي تحكي عن ذلك الأمر، عبر تحقيق الآمال والرغبات بعد قصة فشل.
غير أن من وقف “يعد ويحصي خيباته” لن يتمكن يوما من أن يغادر منطقته الضيقة، وإنما سيرى عالمه مظلما قاسيا يحيط به من كل الجهات، فهو من داخله لا يرى الجانب المضيء الذي ينير طريقه ويفتح له أبوابا مغلقة.
اختصاصيون في علم الاجتماع والنفس، يذهبون إلى أن الرضا هو سر الحياة، ويسهم بإعادة الأمل، والتفكر بقادم أفضل قد يجعل كل شيء أسهل وأكثر متعة، ويعطي للشخص مساحة لعيش الحياة بشكلها المختلف.
اختصاصي علم الاجتماع د. حسين خزاعي، يبين أن “الحياة بكل تفاصيلها وما نحب أن يكون هو موجود بدواخلنا، وما فقد من بين أيدينا أو لم نحققه هو ليس نهاية العالم، فالشخص هو من يقرر كيف يعيش حياته برضا وأمل والتفكر بتغيير الواقع للأجمل، أو انحصار الذات بفكر معين لا يعود بالنفع بل بالانسحاب وعيش الحياة بألم وحزن”.
ويؤكد أن على الفرد أن يكون متفائلا لما تخبئه الحياة، متبعا مقولة “لعله خير”، فحلم الزواج من أحدهم قد لا يكون خيرا للشخص، أو حتى العمل أو الطلاق أو الإنجاب، فالقناعة والوصول إلى الرضا أمر محبب رغم صعوبته، لكن مع التدريب والتفكر بواقع الشخص وواقع من حوله يساعد على ذلك، فلا أحد لا يختبر صعوبة ما في حياته رغم توفر شيء لديه لا يملكه غيره، والعكس صحيح.
ويشدد خزاعي على أن كل شخص عليه أن يتخلص شيئا فشيئا من الطاقة السلبية التي تتملكه، والتفكير بإيجابية، وأن ما يحدث اليوم سينتهي بشكل ما وسيتغير الحال لحال آخر، وذلك يتطلب تغيير طريقة التفكير والتطلع للأفضل.
ويوافق الرأي اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة الذي يلفت إلى أن الرضا أسمى درجات المصالحة مع ظروف الحياة، وهذا ما يجعل الشخص أكثر تقبلا لما يواجهه من ظروف صعبة أو أمنيات لم تتحقق، فعندما يصل لمرحلة الرضا يختلف تفكيره ويحول سلبيات الحياة إلى إيجابيات، ويحفز طاقته لتغيير ظروفه بما يناسبها وتكون أكثر فائدة.
ووصفت منظمة الصحة العالمية في 1995 الرضا عن الحياة، بأنه معتقدات الفرد عن موقعه في الحياة وأهدافه وتوقعاته ومعاييره واهتماماته في ضوء السياق الثقافي، ومنظومة القيم في المجتمع الذي يعيش فيه، وهو مفهوم واسع يتأثر بطريقة مركبة بالصحة الجسمية للفرد وبحالته النفسية وباستقلاله وعلاقاته الاجتماعية وعلاقته بكل مكونات البيئة التي يعيش فيها، وهي بيئة متعددة الأبعاد ترتبط بالعديد من المتغيرات النفسية كالضغوط وتقدير الذات والأمل، وتعد هذه البيئة المؤشر الأساسي للنجاح في التكيف مع ظروف الحياة المتغيرة.
ويعود مطارنة ليؤكد أن الفرد عندما يتمتع بالرضا، فإنه يكون أكثر تقديرا لما يحدث معه، وينعكس ذلك على كل نواحي حياته. بينما الإحساس بغياب الرضا عن الحياة له تأثير في شخصية الفرد وتكيفه وعلاقاته داخل المجال الاجتماعي الذي يعيش فيه، وهو تأثير لا ينبغي إغفاله أو تجاهله إذا كان يراد للفرد أن يعيش حياة مستقرة ومريحة وآمنة.