منصور حسين|الإثنين09/08/2021شارك المقال :0
يشهد المجتمع السوري ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الانتحار، جراء تدهور الواقع الاقتصادي، بالإضافة إلى أسباب اجتماعية أنتجتها سنوات الحرب، ما دفع المؤسسات الانسانية إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من تفاقم هذه الظاهرة.
واللافت في حوادث الانتحار هو ارتفاع معدلاتها بين الأطفال والمراهقين والشباب في أعمار صغيرة، الأمر الذي يشير إلى مشاكل خاصة باتت تواجهها هذه الفئة، بالإضافة إلى الأسباب العامة التي يعاني منها المجتمع.


المراهقون الضحايا الأبرز
مؤخراً تم توثيق حالتي انتحار، في أقل من 24 ساعة، الأولى للشاب محمد عبدو طه 25 سنة الذي أنهى حياته شنقاً داخل منزله في قرية تلالين شمال حلب، نتيجة الظروف المعيشية القاسية، والثانية للطفل محمد سليم عنكوجي 17 سنة، الذي أنهى حياته بالطريقة نفسها في مخيم "مشهد روحين" بريف ادلب.
مصادر متطابقة من داخل المخيم رجحت انتحار الطفل محمد بسبب المشاكل الأسرية وطريقة تعامل الوالد مع ابنه الذي يمر بمرحلة المراهقة، خاصة وأن الطفل يتيم الأم، ما جعل والده يفرط بالاهتمام بتفاصيل حياته ليتحول الاهتمام إلى ضغط يؤكد فشل الأب في تعويض غياب الأم.
وفق "منظمة إنقاذ الطفل في سوريا" فإن واحدة من كل خمس محاولات انتحار أو حالة وفاة في شمال غرب سوريا تعود لأطفال. وارتفع العدد الإجمالي لحالات الانتحار بنسبة 86 في المئة خلال الربع الأخير من عام 2020، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019.
وسجلت المنظمة في الفترة ذاتها 246 حالة انتحار و 1748 محاولة، وأشارت إلى وجود ما لا يقل عن 42 شخصاً دون سن ال15، و 18 في المئة من المراهقين والشباب بين سن 16 و20 عاماً.
ويوضح مدير فريق "منسقو الاستجابة في سوريا" الدكتور محمد حلاج أن معدلات الانتحار آخذة بالتصاعد في الشمال السوري، "حيث تحولت إلى ظاهرة اجتماعية، خاصة بالنسبة إلى الأطفال، الذين يلجأون إليها للتعبير عن اعتراضهم على الواقع الذي يعيشونه".
ويقول: "وثقت فرقنا العام الماضي 19 حادثة انتحار في شمال غرب البلاد فقط، منها 8 تعود لأطفال دون سن البلوغ، في حين بلغت الحالات المسجلة خلال النصف الأول من العام الجاري 11 حادثة، منها خمس حالات ضحاياها أطفال".
وتعتبر حبة الغاز السامة الوسيلة الأكثر شيوعاً في الانتحار، حيث استخدمت في خمس حوادث كأداة انتحار، في حين سجلت واقعتا انتحار شنقاً، ومثلها باستخدام الأسلحة النارية، إضافة إلى الحرق والقفز من الأبنية المرتفعة.
ويرجع الحلاج سبب تصاعد ظاهرة الانتحار إلى غياب نظام التعليم الحقيقي، وقلة الوعي الأسري وغياب الاستقرار النفسي الذي جعل الطفل أو المراهق ضحية نفسه دون أن يشعر، فضلاً عن العامل الاقتصادي والتهجير وغياب الاستقرار.
أسباب وعوامل مختلفة
يتحدث الأهالي في شمال غرب سوريا عن عوامل أخرى ساهمت بمضاعفة الضغوط على الشباب واليافعين، أبرزها ندرة فرص العمل للذكور، مقابل زيادة الفرص المتاحة أمام الفتاة في الحصول على وظيفة، وهي ظاهرة بات يشكو منها الشباب السوري عموماً.
كما يشيرون إلى مشاكل أخرى خلقتها البرامج ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعكس حياة المراهقين في أماكن أخرى، والاستقرار العائلي والمعيشي الذي يتمتعون به "ظاهراً". كما تقول علا، وهي مدرسة مهجرة من غوطة دمشق إلى مخيمات أطمة، خلال حديثها ل"المدن".
وتتابع: "كما لا يمكن التغافل عن دور مسلسلات الدراما الأجنبية وما تحتويه من قصص غرامية وأحلام يتوق لها المراهقون، وهذه أيضاً تعزز نقمتهم على الحياة التي يعيشونها داخل الخيمة".
مشهد سوري قاتم
ولايقل المشهد في مناطق سيطرة النظام قتامةً عن تلك الخاضعة لنفوذ المعارضة، حيث تشير الأرقام الأولية الصادرة عن الهيئة العامة للطبابة الشرعية إلى ارتفاع أعداد المنتحرين خلال العام الجاري إلى 80 شخصاً معظمهم دون سن الثلاثين.
ورغم تأكيد الطبيب زاهر حجو مدير الهيئة، على انخفاض المعدل بنسبة 15 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، إلا أنه أشار في الوقت نفسه إلى أن غالبية المنتحرين تتراوح أعمارهم بين 20-30 سنة، إضافة إلى وجود 12 قاصراً وأربع حالات لمن هم دون سن ال17 ومثلها في عمر ال19.
ويعتبر المعالج النفسي محمد السيد في حديث ل"المدن"، أن المجتمع السوري تعرض لكمٍ كبيرٍ من الصدمات والأحمال النفسية، خاصة الأطفال الذين ولدوا خلال سنوات الحرب العشر الماضية، ولا يعرفون أي شيء عن الحياة المدنية الطبيعية.
ويقول إن "جهل المجتمع بالأعراض والعلامات التي تظهر على الشخص الذي اتخذ قرار الانتحار، من اضطرابات نفسية وتغير في سلوكياته، مثل اضطراب مواعيد النوم وانعدام الشهية وتمني الموت وغيرها، إضافة إلى رفض الكثيرين مراجعة الأطباء النفسيين وطلب المساعدة، يعتبر من أبرز الأسباب في ارتفاع أعداد المنتحرين".
ويرى السيد في نشر ثقافة الخدمات النفسية الالكترونية وزيادة كفاءة العاملين في هذا المجال، والعمل على تغيير النظرة الاجتماعية لمراجعة الطبيب النفسي، إضافة إلى تدريب المدرسين على إدراك الأعراض والعلامات التي تدل على أن الطفل أو المراهق يمر في مرحلة ما قبل الانتحار، من الحلول التي تساعد حتماً في انخفاض معدل هذه الظاهرة.
أسباب اقتصادية وأخرى اجتماعية تسببت بها سنوات الحرب في سوريا، كانت كفيلة في زيادة معدلات الانتحار، خاصة بين المراهقين، إلى الحد الذي باتت تمثل معه ظاهرة تتفاقم كل يوم مع عدم توفر القدرة على معالجتها، ما دفع إلى دق ناقوس الخطر والمطالبة بتحرك عاجل لمواجهة هذه الظاهرة.

JoomShaper