ربى الرياحي
الغد الاردنية
عمان– يبدو أن الإنسان بعد أن يمر بعدة تجارب قاسية تستنزف روحه وتستهلك الكثير من مشاعره ووقته يشعر بأن عليه أن يفكر قليلا بكل ما مر به، لعله يصل إلى قرارات أكثر نضجا تحميه من أخطائه السابقة.
فقدان الأمان في لحظة ما ونتيجة تجربة قاسية، كفيل بأن يحدث ذلك التغيير الذي يستدعينا لأن نلملم أوراقنا ثانية ونسترجع كل ما عشناه أو شعرنا به، فهناك عبارة تقول لن تنضج قبل أن يهدم أمام عينيك كل ما كنت تؤمن به، أي أننا لن نفهم الأمور على حقيقتها قبل تلقينا درسا قاسيا نتعلم من خلاله ألا نعطي كل ما هو جميل في داخلنا لأي أحد، وأيضا ألا ننبهر كثيرا في البداية، فتنصاع قلوبنا بكل ما فيها حتى نخسرها بالكامل، وهذا يكون حتما في شتى العلاقات الإنسانية التي نبنيها على اختلاف مراحل حياتنا سواء كان ذلك باختيارنا أو رغما عنا.


لن تمنحنا الحياة دروسا بالمجان بهذه الكلمات تبدأ أسماء زايد حديثها، وفي صوتها ألف غصة تقول أكثر ما يرعبني هو عدم قدرتي على كشف نوايا الناس تجاهي فهي ولأنها تثق بسرعة بمن حولها وتعطي الأمان دون أي شروط دائما ما تصفع بلا رحمة.
أسماء تعتقد أن الصديق أو القريب أو أيا كان المسمى يجب أن يتعامل معها بنفس درجة الصفاء والشفافية التي تتعامل بها هي شخصيا مع من تحب، لكنها وبعد عدة تجارب مؤلمة عاشتها اختبرت فيها الغدر والألم والإساءة من قبل أقرب المقربين لها بدأت تدرك أنها مخطئة في اعتقادها هذا وأن الشخص مهما كان قريبا واستثنائيا يجب أن نترك مجالا للخيبة لأن الثقة والأمان لا يمنحان بمجرد شعورنا بالطمأنينة.
كل هذا جعلها اليوم أكثر حذرا وخوفا من المحيطين بها تخشى الاقتراب من أي أحد مهما كان. هي تعي أن الإدراك موجع جدا، لكنه أفضل من بقائنا مغفلين ضحايا للخداع والتلاعب. متحسرة بذلك على نسختها القديمة التي هجرتها منذ زمن لم تعد تعرفها نتيجة الدروس الصعبة التي تعرضت لها، والتي أفقدتها براءتها وشعورها بالسلام.
أما الأربعيني رأفت فهو أيضا يجد أن الحياة أصبحت أقسى وأصعب من قبل يقول الحذر بات واجبا حتى لا نؤذى ونفقد ثقتنا وأماننا ونضطر، لأن نعتزل جميع الناس خوفا من الجروح والندوب التي قد تحدثها التجارب القاسية في الروح. مبينا أن الحياة ستبقى تعلمنا أن لا شيء ثابت فيها وأن القلوب تتغير بين لحظة وأخرى.
ويلفت إلى أن العلاقات الكثيرة ليست بالضرورة أن تكون كلها نقية وصادقة مهم جدا أن نفهم هذه النقطة حتى لا تكون التجارب القاسية سببا في تشويهنا من الداخل، ومن ثم اختيار الوحدة كردة فعل نحمي بها أنفسنا ونربيها على ألا تثق بالمطلق. هنا فقط يمكن أن يحدث التوازن الذي من شأنه أن يبعد الجميع عن الندم والغربة النفسية.
فقط بهذه الطريقة يرى رأفت أن التجارب القاسية بقدر ما هي مؤذية وموجعة بقدر ما هي مفيدة لأصحابها، لكونها تمنحهم القدرة على فهم الناس والحياة أكثر وبالتالي يستطيعون مواجهة كل ما يحدث معهم ببساطة أكثر بعيدا عن الخوف. مؤكدا أخيرا أن الناس بطبيعتهم يحتاجون لبعضهم البعض وليس من المعقول أن يعيشوا في عزلة ليكونوا بمأمن عن الأذى.
الأخصائي النفسي الدكتور علي الغزو يوضح أن الأشخاص في حال تعرضهم لتجارب قاسية يجب أن يكونوا أكثر إنصافا، بحيث ألا يحكموا من تجربة واحدة بل يجب أن يمروا بعدة تجارب حتى يكونوا قادرين على اتخاذ القرار المناسب ويكون باستطاعتهم تقييم الأمور بشكل صحيح.
خضوعهم لتجربة واحدة، حسب رأي الغزو لا تكفي أبدا، ولا يمكن أن تكون سببا لاعتزال الناس وتجنبهم والخوف منهم، وبالتالي توتر في العلاقات أيا كانت سواء كان ذلك في بيئة العمل أو مع أفراد العائلة أو حتى مع الأصدقاء والشعور بعدم الثقة. لافتا إلى ضرورة التماس الأعذار عند حدوث موقف ما وإيجاد المبررات للآخر إذا كانت شخصيته واضحة للعيان؛ طيبا وصافي النية.
ويضيف، في المقابل هناك شخصيات تعاني من عقد نفسية كامنة، هؤلاء يحاولون أن يكونوا كتابا مغلقا دائما لكن تصرفاتهم قد تكشفهم أحيانا من خلال مهارات عالية يمتلكها الشخص المساء له أو صاحب التجربة القاسية.
ويقول: مرور الشخص بمجموعة من التجارب الصعبة والمؤلمة بالتأكيد له تأثير على طريقة التعامل مع الآخر، لذا لا بد من تحليل الموقف بعقلانية ووضع النقاط على الحروف وعدم المبالغة في ردة الفعل وضرورة اللجوء للحوار والنقاش بوضوح للوصول إلى قناعات مرضية وقرارات صائبة تنعكس بشكل مريح نفسيا على الطرفين.
ويشير لأهمية القدرة على الفصل بين ما هو متعلق بنفسياتنا وسلوكياتنا، وما هو متعلق بسلوك الآخرين وطريقة تعاملهم، فليس من الإنصاف في مكان ما أن نسقط توترنا وأزماتنا النفسية على الآخر ونحمله الذنب لمجرد أنه قريب منا. وهذا كله من وجهة نظر الغزو يحقق حتما السلام النفسي والسلام المجتمعي بين جميع الأفراد.
ويعلل الغزو، لأن الشخص المتصالح اجتماعيا يجب أن يكون أولا متصالحا مع ذاته متقبلا لها والوصول بالتالي إلى حقيقة مهمة، وهي أن الآخرين ليسوا شماعة لأخطائه ولا يحق له إشراكهم بأمور لا شأن لهم بها.
ويقول الاستشاري الاجتماعي الدكتور فيصل غرايبة، إن الإنسان يمرّ بمواقف عديدة في حياته الطبيعية اليومية، منها الميسور ومنها الصعب، ويتعامل معها بحكمة ودراية أو بعفوية وسهولة أو بصعوبة وجفاء، ويتوخى الإنسان ذو الدراية والحكمة أن يقابل من الآخرين بالترحاب والارتياح، لا بل وأيضا بالتقدير والسرور، دون أن يتسبب في أي إحراج، أو مضايقة لمشاعر الآخرين.
ويضيف، وبالمقابل دون التسبب لنفسه بالغضب أو القلق أو الخيبة، ولذلك يكون حذرا بأقواله وتصرفاته وتعامله، ليتجنب الامتعاض أو الغضب أو الانزعاج من المحيطين به والمتعاملين معه. فقد يجد الزميل أنه بحاجة إلى تصحيح شيء قاله زميل في العمل أو تصرف مسيء أو مزعج لزميله، أو أن أحد أصدقائه لم ينتبه لهندامه أو نظافة يديه، فبدلاً من الإشارة إلى ذلك أمام الآخرين، يحاول أن ينبهه لذلك جانبا دون انتباه الآخرين، فهذه تصرفات لبقة وتعد مهارة مهمة يجب أن يتمتع بها الشخص في مجالات حياته المختلفة كي يكون لبقاً.
ويستدرك بقوله، لكن بعض الناس يبالغ في ذلك الى حد الحذر، فينقلب تعامله أو جوابه الى منحى سلبي فيه جفاء أو حالة صمت غير مريح لدى الآخرين، فالحذر مطلوب بشرط ألا يتحول إلى سلبية شديدة أو يستبعد التجاوب والتفاهم مع الآخرين، ودائما نذكر بالمقولة: “خير الأمور الوسط”، فالاندفاع يجب ألا يكون قويا أو أن يكون مسيطرا، والدراية والحكمة واجبتان عند كل تصرف أو تعامل أو تجاذب.
ويوضح، ولا يحتاج ذلك من الإنسان إلا الحرص على عدم النيل من الآخرين أو التسبب بإزعاجهم، وكذلك عدم التسويف أو التردد في إصدار الأحكام، أو اتخاذ المواقف بشكل إيجابي تفاؤلي منفتح وبثقة بصوابيتها وفائدتها للذات والآخرين والمجتمع.

JoomShaper