ربى الرياحي
في كل التفاصيل اليومية، يأتي الأسلوب في مقدمة كل العلاقات على اختلافها سواء كان ذلك في البيت أو العمل أو الشارع أو في حال الالتقاء بأشخاص جدد. الرقي في التعامل هو ما يمنح الشخص فرصة لبناء محبة راسخة في القلوب، وهو أيضا ما يجعل الكثيرين على استعداد لتصويب أخطائهم والحصول على ما يريدون بالتفاوض وحسن التصرف.
يارا عزام (35 عاما)، ترى أن الخسارة تبدأ عندما نسيء للآخر ونتجاوز حدود الاحترام معه، لاعتقادنا بأن اللطف هو دليل ضعف، مبينة أن الرقي يتحدد بالقبول والرفض والشراء، وحتى عند طلب خدمة ما نحن بحاجة لأن نتعامل بأخلاق ورقي وأن نستخدم عبارات الشكر والاحترام.


تقول "الأسلوب المحترم الراقي كفيل بأن ينهي أكبر خلاف وكلما كنت لطيفا بحديثك وتصرفاتك كنت أقرب للناس واستطعت أن تفوز بقلوبهم، فالأسلوب هو ما يحدد مكانتك لديهم".
بينما يعتبر أحمد (39 عاما)، نفسه محظوظا بزوجته التي استطاعت بأسلوبها أن تغيره للأفضل وتجعل منه شخصا يعترف بأخطائه، ويسعى جديا لتصويبها، فهو قبل أن يتزوجها لم يكن يدرك لأي درجة هو هجومي وانفعالي، مشيرا إلى أنه في لحظات الغضب كان يسيء لكل من حوله دون أن يكترث بحجم الأذى الذي يسببه لغيره.
أحمد اليوم يميل للهدوء أكثر، فقد أصبح قادرا على ضبط نفسه والتحكم بانفعالاته، وهذا حتما انعكس على علاقاته التي كاد أن يخسر أغلبها، مؤكدا أن الشخص عندما يجد من ينصحه بحب وبأسلوب محترم ولطيف، فمن الطبيعي أن يتغير مهما كانت أخطاؤه.
ومن جهتها، ترى خبيرة علم الاجتماع فادية إبراهيم "أننا عندما نتعامل مع الآخرين بحب واحترام، نبني جوًا آمنًا يشجعهم على قبول النقد والتعلم من أخطائهم". لذلك، يكون الأسلوب الموجه بحب واحترام سببًا رئيسيًا في تعزيز التطور الشخصي والمهني.
أحد الجوانب المهمة للأسلوب الموجه بحب واحترام هو استخدام اللغة الإيجابية والبناءة، بدلاً من التركيز على الأخطاء والنقائص، يجب علينا التركيز على النقاط الإيجابية وتعزيزها.
الرقي في الأسلوب يلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على الود بين الناس، فعندما نتعامل مع الآخرين بأدب واحترام، نبني علاقات صحية ومتوازنة. إذا شعروا بأننا نحترمهم ونقدر آراءهم، فسيكونون أكثر استعدادًا للتواصل والتعاون معنا.
كما أن الأسلوب الراقي يسهم في خلق بيئة إيجابية وودية، حيث يمكن للأفراد التعاون والعمل معًا بشكل فعال.
الى ذلك، فإن التعليم يسهم في تنمية الوعي والثقافة، وهذا يعزز القدرة على فهم أنماط التواصل الصحيحة واستخدامها بشكل فعال والقدرة على التعامل مع آراء مختلفة وتفسيرات متنوعة، وهذا يؤدي إلى قبول النقد والتصحيح بشكل أكبر، لكن الأسلوب والرقي ليسا مرتبطين بشكل حصري بمستوى التعليم فقط، فهناك أشخاص بدرجات تعليم مختلفة يمتلكون قدرة عالية على التعامل بأسلوب راقٍ وباحترام.
ووفق إبراهيم، فإن هنالك مهارات تتعلق بالتنمية الشخصية والثقافية، التي يمكن أن تتطور عبر الخبرات الحياتية والتفاعلات مع الآخرين. باختصار، الأسلوب الموجه بحب واحترام يسهم في تقبل النقد والتصحيح، ويحافظ على الود بين الناس، فضلا عن تعلم قيم الصداقة، والتعاون، والتسامح، والتفاهم، يكون الشخص قادرًا على التعامل برقي واحترام مع الآخرين.
وترى إبراهيم أن الأسلوب والرقي ليسا فقط صفتين تعلميتين، وإنما هما صفتان إنسانيتان عالميتان. يمكن للأفراد تعلم الأسلوب الراقي وممارسته بغض النظر عن مستوى التعليم، وذلك عبر العمل على تطوير الوعي الذاتي وتحسين مهارات التواصل والاستماع، والتفاعل بلطف واحترام مع الآخرين.
إلى ذلك، الأسلوب الموجه بحب واحترام له تأثير إيجابي على بناء الثقة والعلاقات القوية بين الناس، فعندما يشعرون بالاحترام والتقدير، يصبحون أكثر استعدادًا لقبول النصائح والتوجيهات. ويتم تشجيع الأشخاص على تطوير أنفسهم وتحسين أدائهم عندما يعاملون بلطف واحترام، والأسلوب الراقي يساعد على تجنب الصراعات والمواجهات غير الضرورية.
ويؤكد الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن التعامل برقي يبدأ أولا من احترامنا لأنفسنا، فنحن عندما نتعامل مع أنفسنا بتقدير واحترام سنستطيع أن نحترم الآخر، لافتا إلى أن احترام الخصوصية والمساحة الشخصية هو إحدى علامات الرقي والذوق، وذلك باختصار يقيس مدى رقي الشخص وإدراكه أن خصوصية الآخر خط أحمر لا يجب تجاوزه، فليس من الأدب أن تسأل عن أمور شخصية لا تعنيك طالما لم يبادر الآخر بالحديث عنها.
كما أن رقي الأسلوب يتضح من خلال قدرة الشخص على اختيار ألفاظه ومراعاته لمشاعر غيره، ومن المهم أيضا استخدام كلمات مثل "من فضلك" أو "شكرا"، وخاصة عند طلب خدمة ما.
ووفق مطارنة، فإن الاستماع الجيد لما يقوله الآخرون وعدم الإفراط بالحديث وترك مساحة للآخر لكي يتحدث، هي أيضا أشكال أخرى للرقي، إضافة إلى أن التعامل برقي يجعل للشخص مكانة خاصة بين الناس فيكون محبوبا وقريبا من الجميع، وهذا بالطبع سينجح علاقاته وسيمكنه من الحصول على ما يريد بعيدا عن المشاكل والصراعات.

JoomShaper