رشا كناكرية
عمان- لطالما ينظر عيسى (33 عاما)، بفخر، لصديقه طلال الذي يمتلك ثقة عالية بنفسه والتي تظهر في تصرفاته وكلامه وحكمته في التعامل مع الآخرين. ويشير، في حديثه، إلى أن ثقة صديقه طلال كبرت ونمت معه منذ صغره، إذ كان دائما مراعيا لمن حوله والجميع يحبه، وكان واعيا ولديه معرفة كبيرة مكنته من تحقيق النجاح في حياته الشخصية والمهنية على مر السنين.
ويعترف عيسى أنه في البداية شعر بالغيرة من صديقه بسبب ثقته الكبيرة، لكنه لم يشعر أبدا أنه يتعالى عليه أو ينظر إليه باستخفاف، بالرغم من اختلاف شخصيتيهما، بحسب قوله. بل كان طلال خير سند له، إذ ساعده في زيادة ثقته بنفسه والإيمان بقدراته ومهاراته. وبمساعدة صديقه، استطاع أن يغير من شخصيته وينمي نفسه وقدارته ويبني حياته لتكون ناجحة من دون أن ينجر وراء الغرور أو التعالي.
بينما مراد (28 عاما)، أبعد غروره الأشخاص عنه وجعله منبوذا لدى الكثيرين من حوله، حسب قوله. يعترف مراد أن غروره جره إلى الشقاء والتعب في حياته، وأدى إلى نفور الناس من حوله وبقائه وحيدا. ويذكر أن ضعفه دفعه لإظهار قوته وغروره أمام الآخرين، معتقدا بذلك أنه يجذب اهتمام الناس ويظهر قيمته ويخفي ضعفه عنهم. لكنه لم يدرك أن غروره كان صفة سلبية قادته إلى فشل كبير في حياته الاجتماعية.
ويشير مراد إلى أنه سعى لإظهار ما يتميز به، ولكنه أظهرها بطريقة خاطئة وغير إنسانية، متجاوزا حقوق الآخرين، خصوصا النفسية. تصرف وكأنه في حلقة منافسة، معتقدا أنه بذلك يحقق النجاح، لكنه حصد الفشل بدلاً من ذلك.
ويعترف مراد أن الغرور قاده إلى التكبر والتعالي على الآخرين، ولم يدرك في حينها أنه مرض وعادة سيئة كان عليه الابتعاد عنها لكي لا يخسر من حوله ويجد نفسه في النهاية وحيدا.
يمر الإنسان في حياته بمواقف وتجارب عديدة، ينجح في بعضها ويفشل في أخرى، ويكتسب منها مختلف الصفات والسلوكيات التي تشكل شخصيته وذاته. وبين السلبي منها والإيجابي، تختلط الأمور على البعض ولا يفرقون بين الثقة بالنفس والغرور، فبينهما شعرة بسيطة لمفترق طرق؛ فالثقة تقود صاحبها للنجاح وتحقيق أهدافه، والغرور يقسم ظهر صاحبه ليكون البداية الحقيقية للفشل ومقبرة النجاح.
ويبقى السؤال: هل غياب ثقافة التمييز بين الغرور والثقة بالنفس يفقد الإنسان ذاته؟
ومن الجانب النفسي، يبين الاختصاصي النفسي موسى مطارنة أن الثقة بالنفس تعني أن الإنسان يمتلك جميع القدرات والمهارات والإمكانيات لبناء النجاح ووجوده في الحياة. ولديه وعي وثقافة تمكنه من التحكم في جميع المؤثرات من حوله، بمعنى أنه يؤثر في الناس ويتأثر بهم.
ويضيف مطارنة أن الواثق من نفسه هو إنسان ناجح وقائد يحبه الناس ويقترب منهم، ولا يتكبر بأي شكل من الأشكال. فهو متواضع، يبتسم للآخرين، قوي في وجه القوي، وعطوف وحنون في وجه الضعيف.
ومن جهة أخرى، فإن الشخص المغرور هو شخص فارغ وضعيف، بحسب مطارنة. يحاول أن يغطي ضعفه الاجتماعي بمظهر متعال ويرى الناس أصغر منه، ولا يحترم الآخرين، وليس لديه شجاعة أو قوة للمواجهة. ومع ذلك، يغطي على جميع الاضطرابات النفسية الموجودة لديه، مثل الضعف والحسد والحقد، ويفرغها في مظهر يحقق له الوجود ولفت الانتباه والاهتمام، مؤكدا بذلك أن هناك فرقا كبيرا وشاسعا بينهما.
ووفقا لمطارنة، الغرور يقود صاحبه للفشل في حياته، ويوضح أن الغرور هو بداية الفشل، ولذا يقال "إذا حققت نجاحا فلا يصيبك الغرور"، لأنه في ذلك الوقت سيفقد الشخص القدرة على السيطرة على نفسه وتطوير الذات ومهاراته. سيصبح في حالة من الضعف، وبالتالي لن يتمكن من بناء علاقات أو التأثير أو التطور. ولذا، يمكن أن يكون الغرور بداية الفشل.
ويؤكد مطارنة أن الشخص المغرور يختلف عن الفرد الطبيعي، إذ يعاني من ألم داخلي. يشعر بضعفه وتمزقه من الداخل، لأنه يدرك ضعفه ويقوم بأفعال لا يرضى عنها، ويسيء للآخرين ويحسدهم بسبب الإسقاطات النفسية الكثيرة التي يعاني منها. وعندما يكون وحيدا، يشعر بالألم والقهر، ويمكن أن يصاب بأمراض عضوية ناتجة عن هذا الإحساس المرضي.
الغرور هو مرض نفسي ينبع من أشخاص لا يمتلكون مهارات ولا قدرات، حيث مروا في حياتهم بظروف أسرية واجتماعية صعبة، وتربوا في أساليب تنشئة غير سليمة ومتوازنة، وتعرضوا للعنف والدونية حتى بين أسرهم. وبالتالي، يحتاجون إلى علاج نفسي لمعالجة الاضطرابات الشخصية التي يعانون منها، لأن الغرور يمثل اضطرابا في الشخصية.
يترتب الغرور بشكل مباشر على شعور الفرد بالنقص والضعف، وعدم قدرته على مجاراة الآخرين في إمكانياتهم الذهنية والعملية والاجتماعية. يحاول هؤلاء الأفراد تغطية هذا النقص بالاستعراض والغرور، غالبا بزعم "النجاح في الحياة". ويؤكد ذلك أن الغرور صفة سلبية غير مقبولة اجتماعيا، وتعود بالآثار السلبية على الفرد والمجتمع بشكل عام.
وبحسب مطارنة، الشخص المغرور قد يصاب بجنون العظمة والأوهام والهلوسة، إضافة إلى الاكتئاب أو الانفصام، لأن لديه تهيؤات وهلوسات تجعله يؤمن بأمور غير حقيقية وغير واقعية، ويتصورها كواقع للهروب من واقعه الفعلي.
بينما الشخص الواثق بنفسه يتمتع بالرضا واليقين والتوازن النفسي والطمأنينة، مما يمكنه من تحقيق النجاح وبناء مكانته والوصول إلى القمة في حياته. يشير ذلك إلى أن الإنسان الواثق بنفسه يتمتع بالصلابة النفسية، مما ينعكس بشكل إيجابي على حياته الشخصية وعلى علاقاته الاجتماعية، ويؤثر بشكل إيجابي على أسرته وعلى كل من يتعامل معه.
ومن الجانب التربوي، يوضح الاختصاصي التربوي عايش نوايسة "أن فاقد الشيء لا يعطيه، والذي يكتسب شيئا يعطيه". وتعد هذه القاعدة أساسا لبناء التوازن في الأسرة، حيث تشمل جميع الجوانب المتعلقة بتربية الأبناء.
ويضيف نوايسة "يأتي دور تعزيز الثقة بالنفس داخل البيت، حيث لا يكتسب الطفل الثقة بالنفس في جرعة واحدة، بل يكتسبها تدريجيا حسب المراحل العمرية والنمائية التي يمر بها".
ويوضح نوايسة أن أكثر المراحل العمرية حساسية عند الطفل هي فترة المراهقة، حيث يميل نحو الاستقلالية والتمرد على الآباء، ولذلك، كلما كانت التربية التي يقدمها الآباء والسلوكيات التي يتبعونها تتعلق بالثقة بالنفس بينهم وبين أبنائهم في سنوات الطفولة الأولى، اكتسب الطفل الثقة بنفسه بشكل أكبر. وبالتالي، يشعر الطفل بأنه مستقل ويمتلك شخصيته الخاصة.
ويذكر نوايسة أن فترة المراهقة هي إحدى الفترات الأكثر تأثيرا في تطوير الشخصية. فلا تتشكل الشخصية في هذه الفترة فقط، بل تتطور على مراحل متعددة. إلا أنها تبرز بشكل خاص خلال هذه المرحلة. وخلال هذه الفترة، يحتاج الشخص بشكل خاص إلى القدرة على إيجاد توازن نفسي، ويكون بدعم وتوجيه الأهل لتجنب الانجراف نحو الغرور.
طريقة التربية والسلوك في التعامل مع الأبناء تلعب دورا مهما في تكوين الشخصية، حيث يتم تعزيز الصراحة بين الجميع، وتحمل المسؤولية عن الأخطاء وتحفيز الإنجازات.
والعكس هو الصحيح، فإذا غاب الصدق، فقد تنتج سلوكيات غير سليمة. اليوم، تعد القضايا المتعلقة بالهواتف والتكنولوجيا جانبا يعزز بشكل كبير فقدان الثقة بالنفس، نتيجة العلاقات السلبية داخل الأسرة بين الزوجين، وهذا ينعكس على سلوك الطفل.
ويؤكد نوايسة أن الأسرة قادرة على تعزيز ثقة الطفل بنفسه، ولكنها لا تستطيع بناء هذه الثقة إذا لم تكن موجودة من الأساس في الأسرة التي تحفز على هذا السلوك.
إلى ذلك، يشير نوايسة إلى أن تعديل السلوك يجب أن يتم وفقا للمرحلة العمرية التي يمر بها الطفل. إذا كان هناك تعاون بين الأسرة والمؤسسات التربوية في مجالات التربية، فمن المهم عدم تعزيز السلوكيات لدى الطفل في هذه المرحلة.
هناك بعض السلوكيات التي يتعين على المربي أن يتجاهلها ليتمكن من معالجتها بشكل فعال، على سبيل المثال، إذا كان الطفل غير مهتم بالآخرين ويتعالى على زملائه، يجب عدم تعزيز هذا السلوك بالإيجابية بمثل "أنت العريف بالصف" أو "أنت المسؤول عن الصف"، وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يتم التأكيد أن جميع الطلاب لديهم الفرصة المتساوية للمشاركة والترشح في البرلمان الطلابي.
ويختتم نوايسة حديثه، مؤكداً أنها سلوكيات بسيطة، والتربوي عليه ألا يعزز أو يهمل أي سلوك يظهر من الطفل، بل يجب أن يعالجه بطريقة تربوية صحية ليصحح السلوك لدى الطفل.