منى أبو حمور
عمان- "لماذا نتوقع الأسوأ؟"، سؤال يشغل بال الكثيرين الذين يجدون أنفسهم يفكرون في النتائج السلبية والتوقعات السيئة عند انتظارهم خبرا أو نتيجة معينة، أو عند مواجهة قرار قد يؤثر في مسار حياتهم وقراراتهم المصيرية.
هي مشاعر خوف وقلق مستمر تجعل توقعات البعض مرهونة بالأسوأ، ربما نتيجة لتجارب سابقة سيئة، أو لأن الشخص يضع نفسه أمام سيناريوهات مختلفة وينتقي الأسوأ منها ليتمكن من تقبلها بأي حال.
القدرة على التوقع مهارة تتطلب الخبرة والممارسة، وفقاً لما أكده خبراء ومتخصصون لـ"الغد"، مشددين على ضرورة الابتعاد عن المبالغات؛ حيث إن الخوف الناتج عن توقع الأسوأ قد يكون أكثر ضرراً من التأثير السلبي نفسه على الإنسان. فتوقع الأسوأ في كل الأمور يمكن أن يضعف قدرة العقل على التفكير السليم والتصرف بحكمة وعقلانية.
هذا هو حال الشاب خالد رباح الذي تسيطر التوقعات السيئة على كثير من جوانب حياته المهنية والشخصية. إلا أن الأمر، وفقاً لما يذكره، قد تجاوز حدوده حتى أصبح عادة. يشير إلى أنه غالباً ما يقول "الله يستر من اللي جاي"، متسائلا: "ما الذي يدفعني لتوقع الأسوأ في كل مرة والخوف من القادم؟، وهل ما يحدث معي مجرد عادة أم أنها تعبير عن قلق دائم".
وفي المقابل، وجدت دينا عابد نفسها تتجه نحو الأسوأ في توقعاتها أثناء انتظار نتائج فحوصات طفلتها، على الرغم من وجود العديد من السيناريوهات الطبية التي تؤكد أن الأمر قد يكون بسيطاً وعارضاً. إلا أنها، ورغم ذلك، ركزت على الاحتمال الأبعد وتوقعت الأسوأ.
سيطر عليها الخوف والقلق خلال انتظارها النتائج، مما جعلها تعيش لحظات صعبة للغاية، ليس بسبب خطورة الحالة الطبية، بل لأن التوقعات السلبية والتفكير المستمر بالأسوأ جعلاها تفقد القدرة على الإيمان أو حتى مهارة توقع الأفضل.
اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، ينوه إلى أن الإنسان يمتلك جانبين في شخصيته: الإيجابي والمتشائم. ويضيف أن الأشخاص الذين يمرون بتجارب سيئة في حياتهم، نتيجة لتراكمات أسرية واجتماعية تعزز السلبية، غالباً ما يتبنون مفاهيم بعيدة عن الإيجابية.
وعادةً ما تزرع البيئة السلبية في الأفراد مفاهيم الخوف والرعب والقلق وترقب القادم بحذر، ونتيجة لذلك، يفتقد هؤلاء الأشخاص إلى المهارات والقدرات الكافية لبناء صلابة نفسية، فيعانون من هشاشة نفسية تجعلهم عرضة للتشاؤم والتفكير السلبي المفرط. وهكذا، يستمرون في توقع الأسوأ ويعيشون في شك دائم بأن القادم سيكون سوداويا.
بحسب مطارنة، هؤلاء الأشخاص بحاجة إلى تصويب أمورهم وتعديل طريقة تفكيرهم، لأن المفاهيم والأفكار التي يحملونها نابعة من صور لا شعورية نشأوا عليها منذ طفولتهم. هذه الصور تغذي التوقعات السوداوية، فلا يتوقعون الإيجابية أبداً، مما يجعل حياتهم مليئة بالتشاؤم والضوضاء.
ويعتبر مطارنة مبالغة الأشخاص في توقع الأسوأ نوعا من الاضطراب في التفكير الذي يؤدي مع الزمن إلى حدوث "وسواس" وفوبيا من القادم، وهؤلاء الناس لا يستطيعون التكيف مع البيئة المحيطة ولا يرون الجانب الإيجابي في كثير من أمور الحياة.
إلى ذلك، يهول هؤلاء الأمور والأحداث التي يتعرضون لها ويبالغون في توقعاتهم السيئة، مما يؤدي إلى حدوث إجهاد فكري لا داعي له، قد يمنع من القيام بالأشياء التي قد يستمتعون بها أو يتعلمون منها.
مطارنة يلفت إلى أن الأشخاص الواقعيين بشأن المستقبل يكونون أكثر استعدادا لتجربة أشياء جديدة. وينصح بتجنب التفكير في السيناريوهات التي قد تؤثر سلبا في الصحة العقلية. كما يؤكد أهمية تذكير النفس بأن الأمور التي نقلق بشأنها قد لا تحدث أبدا.
دراسة نفسية حديثة نشرتها صحيفة الديلي ميل البريطانية، تؤكد أن الأشخاص الذين يميلون إلى التهويل عند التوتر أو القلق؛ عليهم تجنب اتخاذ القرارات في الليل، فغالباً ما يشعرون بالقلق بشأن المستقبل، وعندما يكونون مستعدين للنوم، يقل النشاط في الجزء العقلاني من دماغهم، ويزداد النشاط في الجزء الأكثر عاطفية من الدماغ؛ نتيجة لذلك يميلون إلى استخدام "الدماغ العاطفي" لتصور المستقبل عندما يكونون مستيقظين في الليل.
من جهة أخرى، تشير الدراسة إلى أن قلة النوم يمكن أن تجعلنا "أكثر حساسية تجاه الأشياء التي نراها تهددنا. ويمكن أن يقودنا هذا إلى التركيز أكثر على الخطأ الذي قد يحدث، ويجعلنا أكثر عرضة للتهويل".
وينبغي أن يعود الشخص نفسه تجنب التفكير بعاطفة.. فعندما يحدث أي أمر، حاول أن تتخيل الأمور من منظور مختلف، بمعنى محاولة معرفة ما يمكن أن يتحدث به شخص آخر في موقف مشابه، وتحديدا ما إذا كان النقد الداخلي مفيدا أو مبررا. واللجوء إلى تخيل الأمور بطريقة "أكثر لطفا" على الذات.
وتنصح الدراسة بضرورة التخيل الإيجابي، حتى لو ساءت الأمور في الماضي؛ فمن غير المرجح أن يكون هذا هو الحال في المستقبل، فإذا كان لديك ميل إلى التهويل بشأن الأحداث المستقبلية، حاول التفكير بدلا من ذلك في "الطرق التي قد يسير بها هذا الحدث على ما يرام، مما قد يساعد على الشعور بقلق أقل". وهناك طريقة تتمثل في "تخيل أو تأليف قصة" إيجابية حول ما يمكن أن يحدث، وقد يساعد ذلك في "تقليل الشعور بالقلق أو التوتر، مع ضرورة أن يكون الشخص أكثر لطفا وتعاطفا مع نفسه عند التفكير في مستقبله، والتعاطف يساعد على التفاعل بشكل جيد مع الآخرين".
النظر في عواقب الأمور والاستعداد لكل الاحتمالات أمر مهم بالنسبة للإنسان حتى يتجنب المفاجآت ويستعد لتحمل المشاق والصعاب، وفق اختصاصي علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان، لكن الأصل أن يكون الإنسان دائم التفاؤل بعيدا عن التشاؤم.
ويقصد سرحان بذلك "التفاؤل الواقعي" الذي يأمل فيه تحقيق إيجابيات مع إدراك المخاطر المحتملة والمتوقعة، بمعنى عدم الإفراط في التفاؤل الذي لا يستند إلى أسس، بينما "التفاؤل الخيالي" لا يستند إلى أسس منطقية ويتجاهل أي احتمالات سيئة أو غير مرغوبة.
ويرى سرحان أن توقع الأسوأ في بعض الحالات مهم لأخذ الاحتياطات لأصعب النتائج، لكن ذلك يكون في الأمور والمواقف الكبيرة والضرورية التي يترتب عليها آثار كبيرة على الشخص أو أسرته.
ما يتصرف به البعض من توقع الأسوأ في كل الأحوال يؤدي إلى التوتر ويفقد الشخص القدرة على التصرف السليم واتخاذ القرار المناسب، فالموازنة بين الأمور والتوقعات مهم، وهنا يجب تحكيم العقل والتفكير المنطقي الذي يستند إلى الحقائق من دون تهويل أو تهوين، فالتهويل له أخطاره كما التهوين، وفق سرحان.
ويقول سرحان "على الشخص أن يوازن بين الفرص والمخاطر المحيطة، والنظرة الواقعية مهمة، فتغليب المخاطر قد يفقد الشخص الفرص المتاحة"، لافتا إلى أن التفكير السلبي غير المبالغ فيه يدفع الشخص إلى التخطيط لمواجهة الصعاب وعدم التعرض للمفاجآت.
ويتابع "الأهم من ذلك العمل على تفادي المشكلة قبل حدوثها، بمعنى تجنب حدوث الأسوأ وأخذ الحيطة وتهيئة النفس لتفادي حدوثها".
ويوضح سرحان أهمية أن يعمل الإنسان ما يستطيع ضمن تخطيط سليم ووعي وفهم لكل أمور حياته، ثم يعزم أمره. وفي الوقت نفسه يكون مستعدا لقبول النتيجة السلبية وغير المرغوبة. وهنا يكون الرضا والاطمئنان والقبول صفات الشخص المؤمن، وألا يكون حدوث الأسوأ سببا في اليأس أو القنوط أو عدم إعادة المحاولة أو اعتماد العشوائية وعدم التخطيط.