ربى الرياحي
عمان- نعتقد أحيانا أن الابتعاد عن كل ما يضايقنا ويتعبنا هو الحل الأمثل لمواجهة المواقف الصعبة التي نمر بها في الحياة، وأن اعتزالنا لكل ما يؤذينا قد يكون بداية جديدة أجمل وأفضل.
لكن في الواقع، لا توجد قاعدة ثابتة للتعامل مع تلك المواقف، التي قد تكون قاسية للغاية. ففي بعض الأحيان، يكون الاعتزال هروبا من المشكلة، من دون محاولة حقيقية للبحث عن خيارات أخرى أو تحليل الموقف بعمق. قد يساعدنا الابتعاد على رؤية المشكلة من جميع زواياها بوضوح، لكن من الضروري أن ندرك أن التغيير يبدأ من داخلنا أولاً. فكثيرا ما تكمن المشكلة في طبع لا نستطيع تغييره أو في طريقة تفكيرنا الخاطئة.
توقعت أمل (28 عاما) أن نهاية أحزانها ستأتي بمجرد تركها للعمل الذي استنزف طاقتها من دون أن تحصل على مقابل، فقد منحت عملها الكثير من وقتها وصحتها، لكنها لم تشعر بأي تقدير لجهودها وعطائها الكبير. لم يكن قرار ترك الوظيفة سهلاً على أمل، فقد سبقه تفكير طويل ومحاولات غير مجدية لتغيير الوضع. كانت النتيجة واضحة منذ البداية، لكنها لم تدرك أن الابتعاد عن كل ما يؤذيها، حتى لو كان ذلك يعني خسارة أكبر، أسلوب للتخلص من هموم يومية أثقلت كاهلها، لكنها اكتشفت فيما بعد أن ما كانت تراه هما، كان في الواقع أمانا واستقرارا وشعورا بقيمتها.
تقول "نقترف ذنبا كبيرا بحق أنفسنا عندما نعتقد أن اعتزال ما يؤذينا هو الحل الأمثل لكل مشكلاتنا، متجاهلين حقيقة أننا أحيانا نكون نحن من نسيء لأنفسنا".
من وجهة نظرها، الاعتزال قد يكون مناسبا في الأمور الفرعية، لكنه ليس الحل الأمثل بالجوانب الجوهرية. لذلك، لا تعتبر هذا إلا صائبا في كل الحالات، فهي تدرك أن التغيير، خاصة التغيير الداخلي لنصبح أفضل، هو السر لحياة سوية وناجحة.
يبين الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن الاعتزال في كثير من الحالات يعد هروبا، وهو قرار مبني على الخوف والقلق والضياع، فنصيحة "اعتزل ما يؤذيك" ليست الدواء في كل المواقف لأن الاعتزال يمنعنا من تقييم المشكلة وتحديد أسبابها.
ويشير مطارنة إلى أن هموم الحياة صحيح أنها كثيرة ولا تنتهي، لكن الأهم من ذلك كله أن نفهم أن ما يؤذينا بالدرجة الأولى هو أن ننكر أخطاءنا ونتجاهلها وكأنها لم تكن، معتقدين أن كل ما نعانيه من متاعب وضغوط ناتج عن تمسكنا بأمور لا جدوى منها، فقط هي مؤذية لنا رغم أننا قد نكون نحن السبب الأكبر في كل ما نعيشه من تعب وضيق من دون أن نشعر. فقرار الطلاق، مثلا، ليس الحال المناسب دائما في كل الحالات، قد يكون في بعض القصص بداية للشقاء والتفكك وافتقاد الأمان.
لذلك، لا بد من دراسة الموضوع جيدا والوقوف على جميع التفاصيل لنستطيع اتخاذ القرار الأنسب والبدء أولا بنفسك، واكتشاف أن هناك نقاطا مهمة يجب تغييرها من الداخل لتتمكن من أن تكون أفضل وتعيش حياة مستقرة نوعا ما، ليس المقصود أن تكون خالية من المشكلات بل أن تكون سوية قائمة على العلاج بشكل جذري وسريع.
وبحسب مطارنة، فالعزلة بشكلها الطبيعي لا تكون لوقت طويل، وهي مساحة للتفكير وإعادة الحسابات وتقييم كل ما يمر به الشخص من ضغوط وترتيب الأولويات وإيجاد الحلول المناسبة. أما العزلة عندما تكون بمعنى الابتعاد والتخلي عن قصص جوهرية في حياتنا، فهي الأذى بحد ذاته لأنه ليس كل شيء يؤذينا أو يتعبنا يمكننا تركه والتخلي عنه، مهم جدا أن نفكر باتجاهات مختلفة وأن نعطي أنفسنا ونعطي غيرنا فرصة لاكتشاف المشكلة والعمل على معالجتها حتى لو كان الحل هو أن نتغير داخليا قبل أن نفكر بالتغييرات الخارجية.
وترى مدربة المهارات الحياتية نور العامري، أن قرار الاعتزال أو الابتعاد عن أي شيء يؤذينا نفسيا أو جسديا قد يكون ضروريا في بعض الحالات، لكنه ليس دائما الحل الأمثل. يعتمد ذلك على الظروف المحيطة بالموقف والشخص نفسه.
ومن الإيجابيات، حماية النفس عبر الابتعاد عن مصدر الأذى، ما يوفر للشخص فرصة لحماية نفسه جسديا ونفسيا، ويساعده على استعادة توازنه النفسي، كذلك التركيز على الذات، ما يتيح الفرصة للفرد للتركيز على احتياجاته الشخصية والنمو الذاتي من دون التعرض لضغوط خارجية.
إلى ذلك، تفادي التصعيد، ففي بعض الحالات، الابتعاد يمكن أن يمنع تفاقم الأوضاع أو تحولها إلى صراعات أكبر.
أما سلبيات الاعتزال، فهي فقدان الفرص والابتعاد الذي يمكن أن يؤدي إلى فقدان فرص للتعلم أو النمو، خاصة إذا كان الأذى جزءا من تحد أكبر يمكن أن يؤدي إلى تطوير الشخص.
والاعتزال المفرط يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعزلة والانفصال عن المجتمع، مما يزيد من مشاعر الوحدة والاكتئاب، كذلك الابتعاد عن الأذى يمكن أن يكون هروبا من مواجهة المشاكل بدلاً من حلها، مما قد يؤدي إلى استمرار المشكلات نفسها في المستقبل.
وقد يكون الاعتزال الخيار الأفضل في بعض الحالات، ولكنه ليس بالضرورة الحل النهائي. يجب على الشخص أن يقيم الوضع بموضوعية ويفكر في العواقب المحتملة على المدى الطويل، من المهم أيضا التفكير في بدائل أخرى مثل التفاوض، أو البحث عن وسائل لدعم النفس والتكيف مع الظروف الصعبة من دون الحاجة إلى الاعتزال الكامل.
في الكثير من الأحيان، نحتاج إلى التغيير من الداخل، وهو عملية مستمرة تتطلب وعيا، وصبرا، وجهدا متواصلا.
وهذه بعض الخطوات التي يمكن أن تساعدك على تحقيق هذا التغيير:
- التأمل والتفكر: خذ وقتا يوميا للتفكير في أفكارك، مشاعرك، وسلوكياتك. حاول فهم دوافعك العميقة وردود أفعالك تجاه المواقف المختلفة.
- تحديد القيم والأهداف: حدد ما هو مهم بالنسبة لك في الحياة وما ترغب في تحقيقه. هذا سيساعدك على توجيه تغييراتك نحو ما يتماشى مع قيمك وأهدافك.
- القراءة والتعلم: اطلع على كتب أو مقالات تتعلق بالتطوير الذاتي، أو استمع إلى محاضرات أو بودكاست تلهمك للنمو الشخصي.
- التعلم من الآخرين: استمع إلى تجارب الآخرين وتعلم من نجاحاتهم وإخفاقاتهم. التفاعل مع أشخاص يلهمونك يمكن أن يساعدك في رؤية طرق جديدة للتغيير.
- التعرف على أنماط التفكير السلبي: كن واعيا للأفكار السلبية التي تحد من إمكانياتك. ابدأ في تحدي هذه الأفكار واستبدلها بأخرى إيجابية وبناءة.
- التدريب على الامتنان: ممارسة الامتنان بشكل يومي يمكن أن تغير نظرتك للحياة وتجلب المزيد من الإيجابية.
- تحديد عادات جديدة: ابدأ بتبني عادات صغيرة تساعدك على التغيير. سواء كان ذلك في ممارسة الرياضة، التأمل، أو تطوير مهارات جديدة.
- الالتزام والتكرار: العادات تتشكل عبر التكرار. التزم بالعادات الجديدة حتى تصبح جزءا من روتينك اليومي.
- مواجهة الجراح القديمة: إذا كانت هناك تجارب مؤلمة أو غير محسومة من الماضي، قد تحتاج إلى مواجهتها والتعامل معها. يمكن أن يساعدك ذلك على التحرر من تأثيرها السلبي.
- الصفح والتسامح: تعلم التسامح مع نفسك ومع الآخرين يمكن أن يحررك من الأحمال العاطفية ويتيح لك الفرصة للتغيير والنمو.
- التعبير عن النفس: عبّر عن مشاعرك وأفكارك بصدق مع نفسك. يمكن أن تساعدك الكتابة أو التحدث مع شخص تثق به في فهم نفسك بشكل أعمق.
- الثقة بالنفس: بناء الثقة بالنفس يأتي من خلال تحقيق الإنجازات الصغيرة وتعزيز الإيجابية في حياتك.
- الاستعداد للتغيير: تقبل فكرة أن التغيير قد يتطلب مرونة وتكيفا مع ظروف جديدة. قد لا يكون التغيير دائما سهلا، لكن المرونة تساعدك على التعامل مع التحديات بشكل أفضل.
- التفاؤل الواقعي: حاول أن تحافظ على نظرة إيجابية، لكن واقعية، تجاه التغيير. لا تتوقع الكمال، بل ركز على التحسين المستمر.
- التحلي بالصبر: التغيير الداخلي يستغرق وقتا. كن صبورا مع نفسك ولا تتوقع نتائج فورية.
- الاستمرارية: حتى عندما تواجه صعوبات أو انتكاسات، استمر في المحاولة. النجاح في التغيير يأتي من الالتزام المستمر.
التغيير الداخلي ليس عملية تحدث بين ليلة وضحاها، لكنه مسار مليء بالتحديات والتحقيقات الذاتية. عندما تتبنى هذه الخطوات، ستجد أن التغيير يحدث تدريجيا، وستبدأ في الشعور بالتحسن والنمو على المستوى الشخصي.