رشا كناكرية
عمان- لطالما عانت تسنيم في علاقتها مع شقيقتها الصغرى سارة (25 عاما)، التي تسيطر عليها مشاعرها.
وصفت تسنيم علاقتها بسارة بالحذرة، فهي تفكر مليا وتختار كلماتها بعناية قبل أن تخبرها بأي شيء أو تقدم لها نصيحة، لأنها تدرك جيدا عواقب أي كلمة قد تصدر عنها بشكل خاطئ.
أوضحت تسنيم أن شقيقتها سريعة الانفعال، وتتأثر بأبسط الكلمات، وتعتبر أي نصيحة بمثابة انتقاد لها، مما يدخلها في حالة من الحزن ويفقدها الثقة بنفسها.
وتشير تسنيم إلى أن حساسية شقيقتها أفقدتها الكثير من الأصدقاء، مما جعل من الصعب عليها تكوين علاقات صداقة طويلة ومستقرة. وتقول: "حساسيتها المفرطة وانفعالها السريع أبعدا الكثيرين عنها"، موضحة أن الآخرين يجدون صعوبة في التعامل معها.
وتوضح تسنيم أنها في البداية حاولت استيعاب شخصية شقيقتها الحساسة وتفهم مشاعرها، بهدف مساعدتها على تعزيز ثقتها بنفسها من دون التأثر بمن حولها، حتى تغيرت شقيقتها للأفضل.
أما طارق (31 عاما)، فاختار الابتعاد عن صديق له بعدما شعر أن حساسية شخصيته بدأت تؤثر سلبا في حياته ونفسيته، حيث أصبح يشعر بالكثير من القلق والتوتر ممن حوله.
يذكر طارق أنه تعرف على صديقه من خلال صديق مشترك، وأعجب بتفكيره وشخصيته المرحة والصادقة. لكنه مع مرور الوقت، اكتشف أن صديقه شخص حساس ويميل إلى التفكير المفرط فيما وراء الكلمات، ويحلل كل ما يقال له بطريقة مبالغ بها.
في البداية، لم يرغب طارق في الابتعاد، فقد كان يقدره كصديق جيد وصادق. لكن مع الوقت، شعر أن هذه الصداقة بدأت تؤثر سلبا في نفسيته، إذ أصبحت جلساتهم مليئة بالقلق والتوتر، وفقدت تلك الراحة التي يحتاجها الإنسان في علاقاته. ومع مرور الوقت، أدرك أن هذه الصداقة باتت تسبب له الضيق.
ولذلك، قرر طارق أن ينهي هذه الصداقة لكي لا يتأثر بها نفسيا وجسديا، فهو مؤمن أن الصديق موجود ليمنحه الراحة والطمأنينة، لا أن يزيد القلق والتوتر في حياته.
يصادف الإنسان في حياته مختلف الشخصيات بصفات عديدة، وتكاد تكون الشخصية الحساسة هي الأصعب في التعامل معها، بسبب المبالغة في ردود فعلها وتحليلها لما وراء الكلام، إذ تحلل أدمغتهم جميع المواقف بعمق شديد وكأن كل ما يقال يقصدهم أو يسيء لهم.
وبذلك، يحكم صاحب الشخصية الحساسة على حياته بالتعب والإرهاق، ويرهق من حوله أيضا. فالشخصية الحساسة تنشر متاعب نفسية في البيئة التي توجد فيها، مثل القلق والتوتر والخوف قبل التحدث أو توجيه الكلام إليها، مما يضع الآخرين في حيرة حول كيفية إيصال أي فكرة من دون أن تفهم بشكل خاطئ.
يعاني الكثيرون من صعوبة في التعامل مع الأشخاص الحساسين، سواء في المحيط العائلي أو بين الأصدقاء أو حتى في بيئة العمل. ويبقى السؤال: هل تفقد الشخصية الحساسة الإنسان علاقاته الاجتماعية؟
ومن الجانب النفسي، يوضح الاختصاصي موسى مطارنة، أن هذه الشخصية هي شخصية شديدة الحساسية والانفعال أكثر من غيرها، وذلك بسبب التوتر أو الشعور بالارتباك وفقدان الثقة بالنفس. لهذا السبب، تميل الشخصية الحساسة إلى الابتعاد عن المواقف التي قد تؤثر عليها أو تؤذيها.
ويوضح مطارنة أن الشخصية الحساسة هي شخصية عاطفية ومرتبطة جدا بعواطفها وجوانب حياتها الداخلية، وتعالج الأفكار بشكل مكثف مقارنة بغيرها من الشخصيات. في كثير من الأحيان، تعيد هذه الشخصية التفكير في عالمها الداخلي وتركز عليه بشكل كبير. وغالبا ما يكون الشخص الحساس يعاني من الخجل، ولديه حساسية كبيرة تجاه أي جوانب عاطفية، ويتأثر بها بشكل مباشر.
ويشكل التأثير بالنسبة للشخص الحساس عبئا كبيرا ومشكلة، حيث يعيش بإحساس داخلي بأنه لا يستطيع التعامل مع الآخرين. ويشير إلى أن هذا الشعور لدى الشخصية الحساسة هو شعور لا إرادي، إذ إن طبيعته تجعل شخصيته حذرة من كل شيء، مما يؤثر عليه بشكل مباشر.
تتطلب الشخصية الحساسة جهدا كبيرا في التعامل معها، حسب ما يوضح مطارنة. في البداية، يجب على الفرد أن يتقبل هذه الشخصية ويتعرف على نقاط حساسيتها، ويكتشف الأمور التي تؤثر عليها بشكل خاص لتجنبها. ومن الضروري التفاعل بشكل إيجابي معها، وتشجيعها وتحفيزها، مع الحفاظ على الإيجابية والحذر، والتحلي بالصبر في التعامل معها.
ومن جهة أخرى، فإن الفرد الذي يعرف شخصا حساسا في دائرة علاقاته غالبا ما يشعر بالقلق من أن أي كلمة أو تصرف قد يثير ردة فعل عكسية، مما قد يؤدي إلى انسحابها.
ويبين أن هذه الشخصية تتألم عندما تشعر بهذا الأمر، وعندما تتأثر بموقف، فإنها تستجيب بشكل مختلف عن الآخرين، مما يؤدي إلى انطوائها وإحساسها بالإحباط.
لذلك، يتطلب التعامل مع الشخصية الحساسة تقديم الدعم المستمر، إلى جانب التشجيع والتحفيز والتفهم. يجب أن يشعر الشخص الحساس دائما بأنك تتفهمه، مما يساعد على بناء علاقة جيدة معه.
ويؤكد أن الشخص الحساس يتألم بسرعة وبشكل كبير، لأنه يشعر بالإشكاليات التي يواجهها، مما يؤثر سلبا على نفسيته وتواصله مع الآخرين وعلاقاته الاجتماعية بشكل عام.
ووفق مطارنة، هنالك من يتأثرون بالشخصية الحساسة، مما يدفعهم إلى الابتعاد عنها وتجنبها قدر الإمكان، لأنهم يشعرون بعدم الراحة في التعامل معها. نتيجة لذلك، تفقد هذه الشخصية العديد من الأصدقاء من حولها.
بينما الأشخاص الذين يتفهمون هذه الشخصية، يحاولون التفاهم معها وتقبلها من دون إصدار أحكام. بالإضافة إلى ذلك، يعملون على تقليل مشاعر التوتر لديها من خلال التواصل بلطف وتقديم الدعم والمساعدة عند الحاجة.
لكن معظم الأشخاص يفكرون: "لماذا يجب أن نتورط مع شخصية تسبب القلق والتوتر؟"، وبالتالي يبتعدون عنها بسبب غياب الراحة في التعامل معها. نتيجة لذلك، تفقد هذه الشخصية العديد من العلاقات.
ويختتم مطارنة حديثه، موضحا أن التخلص من صفة الحساسية الزائدة يحتاج من الفرد التدريب والتحكم بالحساسية المفرطة والتدقيق الزائد والتفكير الداخلي المفرط وعدم الثقة بالنفس بشكل عام.
وللتغلب على هذه الصفة، يجب على الفرد العمل على تطوير مهارات وقدرات التعامل مع الحياة التي تعزز صلابته النفسية، مما يساعده على تقليل التأثر المفرط بكلمات أو مواقف الآخرين، إذ إن الإنسان الواثق من نفسه لا يتأثر بالآخرين بسهولة.