ديمة محبوبة

عمان- قد لا يدرك أشخاص خطورة "التفكير المفرط" حينما يأخذ منحى مبالغا به، بحيث تكون آثاره السلبية كبيرة على الصحة النفسية والجسدية.

يوضح خبراء علم النفس أن التفكير المفرط، أو ما يعرف بـ"الأوفر ثينكينج"، يتمثل في الانشغال المفرط بالأفكار، بما في ذلك القلق حول المستقبل والشعور بالندم والألم تجاه الماضي. هذا النمط من التفكير يعوق الشخص عن القيام بأي نشاط مثمر أو عيش الحياة بسلاسة.

 

رهام كمال يتم وصفها دائما من قبل المقربين بأنها تعاني من التفكير المفرط، وهي تدرك تماما أنها تحمل هذه الصفة. تشعر وكأنها في دوامة مستمرة، حيث لا يتوقف عقلها عن التفكير حتى أثناء النوم، مما يؤثر سلبا على صحتها الجسدية. ورغم محاولاتها للراحة، إلا أن ساعات نومها لا تتجاوز يوميا ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات.

تشير إلى أن تفكيرها المستمر يعيدها إلى أيام طفولتها، مستذكرة ما حدث معها ومع رفيقاتها في المدرسة. غالبا ما تتذكر مواقف عديدة تعيد مراجعتها مرارا، وتفكر أحيانا أن تصرفها في بعض تلك المواقف قد أسهم  في مواجهة مواقف لا ترغب بها.

وتتعامل مع كل موقف تتعرض له بتفكير نقدي ومعمق، حيث تحلل الأمور بدقة شديدة، مما يجعلها قادرة في كثير من الأحيان على اتخاذ قرارات مدروسة. فهي تتميز بحساسية تجاه التفاصيل الصغيرة التي قد لا يلاحظها الآخرون، وهو ما يعزز من قدرتها على التفكير.

وترى رهام أن هذا الأمر يمكن أن يكون مفيدا في العمل، الدراسة، وبعض مواقف الحياة، وتعتبره أحد الجوانب الإيجابية لديها. لكنه أيضا يعرضها إلى الإجهاد النفسي وزيادة مستويات القلق والتوتر، حيث يواجه الشخص صعوبة في تهدئة عقله المستمر في التحليل، وأكثر ما يرهقها هو تأثيره على نومها، مما يؤثر سلبا على الصحة الجسدية والنفسية.

تبين دراسات حللت أناسا يعيشون دوامة التفكير المفرط بأن هذا التفكير يؤثر على العلاقات الاجتماعية كأن يؤدي الى تكوين توقعات غير واقعية أو سوء فهم نوايا الآخرين، مما قد يؤثر على العلاقات الشخصية.

وحسب الدراسات "يرتبط التفكير المفرط بزيادة مخاطر الإصابة بالاكتئاب والقلق، حيث يشعر الشخص بالإرهاق من كمية الأفكار السلبية والمقلقة التي تدور في ذهنه".

وعن الصحة الجسدية، يمكن أن يؤدي التفكير المفرط إلى ارتفاع مستويات الكورتيزول في الجسم، وهو هرمون مرتبط بالإجهاد، قد يؤدي هذا إلى مشكلات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم، ضعف الجهاز المناعي، ومشاكل في الجهاز الهضمي حتى أنه يمكن أن يؤدي إلى أمراض حقيقية ومزمنة.

ومن الأمراض التي تبين أن التفكير المفرط يؤدي إليها في حال استمراريته والذي يؤدي إلى التوتر والقلق المستمر، فيؤدي إلى إصابة الأشخاص إلى ما يسمى بـ"الفايبروماليجا"، وهو تليف العضل المزمن.

في حين تبين الدراسات أن ممارسة اليقظة الذهنية تساعد تمارين التأمل والتنفس العميق على تهدئة العقل وتقليل التفكير المفرط يمكن أن يساعد على تخفيف حدة الأعراض وآلام الأمراض.

ويتحدث الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، أن التفكير الزائد والمبالغ به قد يتجاوز الشيء المقبول في الحياة ليتحول إلى حالة مرضية، ما يستدعي المعالجة، لافتا الى أنه لابد للشخص معرفة أن هناك أشياء هو لا يملكها، مثل المستقبل الذي لا يعرف ما يخبئه له، بالتالي هذا تفكير غير منطقي، ويسبب له حالة من الضغط النفسي والرهاب والاكتئاب.

ويشير الى أن هذا النوع من التفكير يوصل الشخص لاحتمالات أغلبها سلبية، فهذا التفكير يتخلله الشك وبعيد عن الإيجابية، وعليه ينعكس على نفسية الشخص.

ووفق مطارنة، فإن بعض الحالات ممن يعانون الإفراط بالتفكير قد يعيشون حياة متأهبة مستعدة لكل شيء، فحواسهم تعمل بشكل مستمر ومرهق، لذلك يحتاجون الى اختصاصي، بحيث يبدأ يتعامل مع أفكارهم ويطرد السلبية منها.

ويرى أن هنالك أشخاصا يضخمون الأمور، بإعطائهم أكبر من حجمهم، وبأبعاد غير منطقية، ويشغل الشخص نفسه بها طوال الوقت، مما يجعله يعيش حالة من عدم الاستقرار والألم النفسي، وبالتالي كل ذلك يترجم الى أمراض نفسية وجسدية، وهو ما سينعكس على الناس المحيطين به والذين يعيشون معه.

ويلفت إلى أن التحدث مع الآخرين ومشاركة الأفكار والمخاوف مع الأصدقاء أو المستشارين النفسيين يمكن أن تساعد في تخفيف العبء الناتج عن التفكير الزائد.

وينصح بممارسة النشاط البدني الرياضي، ما يساعد على تقليل مستويات الإجهاد وتوجيه الطاقة نحو نشاط إيجابي بدلا من الانغماس في التفكير.

وينوه مطارنة إلى أن التفكير المفرط هو سيف ذو حدين، حيث يمكن أن يكون مفيدا في بعض الأحيان، لكنه يحمل في طياته العديد من السلبيات التي تؤثر على الصحة النفسية والجسدية، لذا من المهم العمل على تطوير استراتيجيات للتحكم في هذه الصفة لتحقيق التوازن والحفاظ على صحة جيدة.

ويؤكد أن الإفراط في التفكير ليس اضطرابا عقليا معترفا به بحد ذاته، ومع ذلك، توصلت الأبحاث إلى أنه غالبا ما يرتبط بحالات الصحة العقلية الأخرى كالاكتئاب، اضطرابات القلق، اضطراب الوسواس القهري، واضطراب ما بعد الصدمة.

ووجدت إحدى الدراسات علاقة ثنائية بين الإفراط في التفكير ومشاكل الصحة العقلية الأخرى، إذ يمكن أن تسهم المستويات العالية من التوتر والقلق والاكتئاب في الإفراط في التفكير، وفي الوقت نفسه، قد يترافق الإفراط في التفكير مع زيادة التوتر والقلق والاكتئاب بعد حدث صادم، ومن الشائع أيضا أن يكون الشخص شديد اليقظة وفي حالة تأهب قصوى للخطر في جميع الأوقات.

ويعاني بعض الأشخاص من اليقظة المفرطة، مثل التفكير المفرط في الحالات المحتملة للمتاعب، ما يؤدي إلى الإرهاق ومتاعب بالنوم.

JoomShaper