ديمة محبوبة
تعد العلاقات السامة والمتصيدة في بيئة العمل من أخطر التحديات التي يواجهها الموظفون في المؤسسات المختلفة. تظهر هذه العلاقات عندما يتعرض الموظف لسلوكيات سلبية مثل التنمر، والتصدي، والإحراج المتعمد، أو مراقبة أخطائه الوظيفية أو تقصيره غير المتعمد، أو حتى التبلي في مواقف غير حقيقية. هذه السلوكيات تؤثر بشكل كبير على أداء الموظف المهني وانتمائه للمؤسسة، وفق ما يقوله الموظف في إحدى الشركات المعمارية علاء محمد.
ويشير علاء إلى أن هذه العلاقات السلبية، من خلال تجربته الشخصية، تؤدي إلى انخفاض انتماء الموظف للمؤسسة التي يعمل بها. ويشعر أنه غير مرحب به وغير مدعوم، بالتالي يفقد الثقة.
ووفق ما يقول؛ فإن الشغف في العمل يقل حتى وإن بذل الفرد جهدا مضاعفا. فالعلاقات السلبية والمتصيدة تخلق أجواء مشحونة، ويبقى ترقب الأخطاء قائما. ونتيجة لذلك حسب علاء قد يبدأ الموظف في البحث عن فرص عمل أخرى أو يفقد الحافز للعمل بجد وإبداع.
يؤكد خبراء علم النفس أن تعرض الموظف لعلاقات سامة في العمل يمكن أن يترك آثارا نفسية عميقة. وفقا لاختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو، حتى وإن كان الموظف قوي الشخصية ومكتفيا بذاته، وبيئة العمل الممتلئة بالسلبية والتصيد لأفعال الآخرين تؤثر سلبا على نفسيته. يعيش الموظف حالة من التوتر والقلق المستمر بسبب هذه التوترات، مما يؤدي إلى انخفاض تقدير الذات. قد يشعر الموظف بأنه غير قادر على تحقيق النجاح أو أن جهوده غير مقدرة.
ووفق الغزو فإن هذه الأفكار السلبية عن الذات ومكان العمل قد تؤدي إلى الاكتئاب، الذي قد يتطلب في بعض الأحيان علاجا نفسيا للتعافي منه. في حالات معينة، يصل الفرد إلى ما يعرف في علم النفس بالاحتراق الذاتي، خاصة بعد تعرضه لخيبات أمل من زملائه، رغم اجتهاده في العمل. هذا الاكتئاب قد يتفاقم إذا لم يتم تقدير الجهد المبذول أو إذا اتخذت الإدارة عقوبات غير متناسبة مع حجم المشكلة التي حدثت.
ومن ناحية اجتماعية يؤكد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي بأن العلاقات السلبية والمتوترة تؤشر إلى أن الشخص المتصيد بحاجة إلى العلاج الحقيقي ليتصالح مع ذاته ويتواصل مع الناس بعيدا عن السمية.
ويضيف أن العلاقات السامة تؤثر بشكل كبير على علاقة الموظف مع زملائه، ويقلل من تفاعله الاجتماعي تجنبا من المزيد من التصيد أو الانتقاد، وهذا الانعزال يمكن أن يزيد من الشعور بالوحدة ويؤدي إلى تراجع العلاقات المهنية.
ويلفت خزاعي إلى أن الفرد مهما كان متحكما بنفسه وفصل العمل عن علاقاته الشخصية إلا أن تكرار الحدث يجعل الفرد متوترا ومضطربا وغاضبا فيكون هذا التأثير على جميع من حوله وحتى أهل بيته وأصدقائه.
يمكن أن تزداد حدة العصبية والغضب لدى الفرد، حيث قد يجد نفسه أكثر عرضة للتوتر والانفعال في مواقف الحياة اليومية. كما أن الضغوط المستمرة في العمل قد تؤثر سلبا على العلاقات الأسرية، مما يؤدي إلى تدهورها نتيجة لهذه الضغوط المتزايدة.
يلاحظ أن التعرض المستمر للضغوط العصبية والتوتر، بالإضافة إلى الظلم وقلة التقدير في العمل، يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة الجسدية، فقد يتسبب التوتر المستمر في ظهور مشكلات صحية، مثل ارتفاع ضغط الدم والأمراض القلبية.
بشأن الحلول الممكنة، تؤكد المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني أنه يجب على الفرد حماية نفسه بالتحدث عن مشكلاته مع الأشخاص المقربين منه، وعلى المسؤولين في الشركات أو المؤسسات بناء ثقافة عمل داعمة وإيجابية تشجع على التعاون والاحترام المتبادل. وينبغي توفير خدمات الدعم النفسي للموظفين الذين يعانون من التوتر والضغوط، بالإضافة إلى تشجيعهم على التواصل المفتوح والصريح مع الإدارة بشأن المشكلات التي يواجهونها.
وتحتاج المؤسسات إلى الالتزام ببناء بيئة عمل صحية وإيجابية، تعزز من انتماء الموظفين وتدعم صحتهم النفسية والاجتماعية.
وحول تفسير تصرف بعض الزملاء في العمل الذين يتصيدون لزملائهم الآخرين تقول الكيلاني إن البعض منهم يشعر بالغيرة وهذا لأنه شخص لا يمتلك الثقة الكافية بذاته ويريد السيطرة من خلال الوشاية أو التنمر أو التصيد والغيرة من نجاحات الآخرين والاهتمام الذي يتلقونه، مما يدفعهم إلى التصرف بطرق تقلل من شأن هؤلاء الزملاء.
توضح الكيلاني أن بعض الأفراد، الذين يسعون لتحقيق طموحاتهم الشخصية، قد يلجأون إلى تصرفات غير أخلاقية مثل التصيد والوشاية للحصول على ترقيات أو تحسين صورتهم أمام الإدارة. كما يمكن أن يكون التصيد والوشاية ناتجين عن شعور الزميل بعدم الأمان في وظيفته، مما يجعله يحاول تأكيد أهمية دوره أو مهاراته وإن كان بطرق سلبية.
وأخيرًا، تنصح الكيلاني الأفراد بتحصين أنفسهم وتعزيز ثقتهم بذاتهم. في أجواء العمل السلبية، يجب على الفرد اتخاذ احتياطات تساعده على تقوية موقفه، مثل توثيق الأعمال والإنجازات بشكل منتظم لتوفير دليل قوي في حال مواجهة اتهامات أو تصيد. كما ينبغي الحفاظ على تواصل مفتوح وصريح مع المدير والزملاء، مما يقلل من فرص التصيد والوشاية. الى ذلك، الحصول على المشورة والدعم إذا تفاقمت الأمور من مستشارين مهنيين.