ديمة محبوبة
عمان- ما بين "سداد الواجب" وتضاعف الأعباء المادية، تقف عائلات "مكتوفة الأيدي" أمام مناسبات اجتماعية متتالية تتطلب الهدايا والنقوط، ما يشكل عبئا كبيرا عليها، وأحيانا يؤدي إلى "عزلة" عن الآخرين لتفادي الإحراج.
وتشكو أم محمد عبدالرحمن من الأعباء المالية التي تثقل كاهل عائلتها، تقول: "عندما يدعوني أحد إلى مناسبة اجتماعية، سواء كانت زفافا أو ولادة، أشعر بالحرج والتوتر. كيف أستطيع الحضور أو تقديم الهدايا في ظل هذه الظروف المالية الصعبة؟".
تعيش أم محمد وزوجها على دخل شهري لا يتجاوز 350 دينارا، وهو مبلغ بالكاد يغطي الاحتياجات الأساسية، "أحياناً أفضل الاعتذار عن عدم الحضور لتجنب الإحراج"، وفق قول أم محمد.
وتضيف أنها ومع تزايد الضغوط الاقتصادية، تزداد عزلتها الاجتماعية، حيث لم تعد تستطيع مشاركة الفرحة مع أقربائها وأصدقائها، وتقديم الهدايا و"النقوط" لتلك المناسبات.
ومن الجانب الآخر، يعاني الموظف سامر، من دين متراكم بسبب مناسبات اجتماعية عديدة، تحديدا في موسم الصيف، ونشاطات الأقارب. يقول "لا أستطيع رفض الدعوات، فهذا يعد "عيبا" في مجتمعنا"، لذلك يضطر للاستدانة، ولكنه الآن يعاني من صعوبة السداد.
بعض العائلات باتت تطلب عند حضور مناسباتها عدم تقديم "النقوط"، وذلك بدافع الشعور بالمسؤولية الاجتماعية وتخفيف الحرج عن الآخرين. يهدف هذا التوجه إلى تجنب التسبب في ضائقة مالية إضافية للمدعوين، سواء كان ذلك بسبب ديون مترتبة عليهم أو لضمان حضورهم من دون الشعور بالضغط أو الإحراج.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، يقول "في مجتمعنا، تعد المناسبات جزءا لا يتجزأ من الترابط الاجتماعي، ولكنها مع الوقت أصبحت عبئا ماليا لا يمكن تجاهله، ما يسبب الكثير من الحرج والضيق المالي وحتى مشكلات عائلية مرهقة، بالتالي التأثير على العلاقات الاجتماعية".
من جانبها، توضح المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني التأثير النفسي السلبي للعجز المالي، قائلة: "العزلة الاجتماعية التي يفرضها العجز المالي تؤدي إلى شعور الشخص بالاكتئاب والقلق، كما تؤثر على الثقة بالنفس وتزيد من التوتر داخل الأسرة".
وتشير إلى أن الإنسان بطبيعته يرغب بتقديم الهدايا كتعبير عن المودة والتقدير، ولكن ينبغي أن تتناسب الهدية مع قدرته المالية، وليس مع قدرة الشخص الذي يستلم الهدية. وتضيف: "ليس من الضروري أن أقدم هدية بقيمة مائة دينار لأن شخصا ما قدم لي هدية بالقيمة ذاتها في مناسبة سابقة".
وتؤكد أنه في حال كان الشخص مقتدرا، فالأمر مختلف، أما أن يضغط المرء على نفسه ويؤثر سلبا على وضعه العائلي واقتصاد منزله بسبب هذه العادة، فهو أمر غير مستحب وله تبعات كبيرة وبعيدة المدى، ويزيد من الأعباء على مختلف الجوانب.
وتوضح أن هناك عائلات تأثرت بالفعل وابتعدت عن أقاربها وأصدقائها، نتيجة شعورها بالحرج من حضور المناسبات التي تتطلب تكاليف مادية. فهم يشعرون بالإحراج لعدم قدرتهم على تقديم هدايا بالقيمة المتوقعة نفسها، ما دفعهم إلى تجنب هذه المناسبات تماما.
تتفق الكيلاني مع خزاعي بضرورة تعزيز التوعية المجتمعية وزيادة الوعي بأهمية تقليل النفقات في المناسبات الاجتماعية، والبحث عن طرق بديلة للاحتفال بتكاليف أقل. ويشددان على أهمية مراعاة ظروف الآخرين من دون تحميلهم وصمة التقصير. فليس من المنطقي أن يتحمل الشخص أعباء مالية إضافية فقط لتغطية تكاليف الهدايا أو "النقوط".
وتوضح أن على العائلات أن تتعاون لتجنب ضغوط إضافية على أفرادها. ويمكن إنشاء صناديق تمويل جماعي لدعم الأفراد في تغطية تكاليف المناسبات من دون الحاجة إلى الاستدانة، خصوصا في مناسبات مثل العزاء أو الفرح.
وتشير إلى أن جلب الهدايا الرمزية يجعل الأمور أكثر سهولة. فالفكرة بحد ذاتها جميلة ويمكن أن تكون فعالة، لكن المبالغة والتكلفة العالية هما ما جعل الأمر مرهقا للعديد من العائلات. ويمكن التنسيق بين الأقارب لتنظيم مناسبات مشتركة، وبالتالي تقليل التكاليف.
ويؤكد خزاعي أن الحلول تتطلب تغييرا في نمط الإنفاق الاجتماعي، وعلى المجتمع أن يعيد النظر في كيفية إدارة المناسبات الاجتماعية بحيث تكون أكثر توفيرا وأقل تكلفة. يمكن تنظيم هذه المناسبات بطريقة لا تثقل كاهل الأفراد ماليا.
تبقى الأعباء المالية للمناسبات الاجتماعية قضية حساسة تتطلب تعاونا مجتمعيا وحلولا عملية، للحفاظ على الترابط الاجتماعي من دون أن يكون ذلك على حساب الأفراد أو أوضاعهم الاقتصادية، أو وصمهم بالتقصير أو العيب.