ليث أبي نادر

لم يتعامل السوريون بالاهتمام اللازم مع انتشار الأمراض النفسية خلال السنوات الماضية، وظلت قيد الإهمال المتعمد من جانب الحكومة والمواطنين على حد سواء، فالحكومة تخشى من الكشف عن أسباب الانتشار الواسع لهذه الأمراض، أما السكان فلا يتطرقون لها لأسباب تتقاسمها الأعراف الاجتماعية السائدة والأوضاع المعيشية المتردية.

وكشفت وزارة الصحة السورية عن ارتفاع معدلات الانتحار بنسبة 8% خلال العام الحالي مقارنة بالعام الماضي، معللة ذلك بارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض النفسية.

ونقل موقع "هاشتاغ سوريا" المقرب من النظام عن رئيس دائرة الصحة النفسية في وزارة الصحة، أحمد سلامة، أنّ "مجموع حالات الانتحار في النصف الأول من العام الحالي بلغ 620 حالة، من بينها 325 حالة بين الإناث، و295 بين الذكور، فيما بلغ عدد حالات الانتحار خلال العام الماضي كله 675 حالة، وإجمالي إصابات الاكتئاب خلال النصف الأول من العام الحالي بلغت 9699 حالة، من بينهم 5355 لإناث، ومجموع الحالات الجديدة مع الحالات المسجلة لدى وزارة الصحة في العام الماضي يزيد عن 36 ألف حالة".

وتشمل هذه الإحصاءات المشافي العامة والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة فقط. في حين تقف العديد من العوامل الاجتماعية والأمنية عائقاً أمام تسجيل أرقام دقيقة عن أعداد حالات الأمراض النفسية، وحالات الانتحار.

ويقول أحد المختصين في الطب الشرعي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "العديد من حالات الانتحار تُسجل في التقارير الصادرة عن الطب الشرعي تحت مسميات تراعي الأعراف الاجتماعية والتعاليم الدينية، مثل أن يُكتب في تقرير الوفاة أنها (نتيجة الاستخدام الخاطئ للسلاح) أو (الاستخدام الخاطئ للعقاقير الدوائية) أو (سكتة قلبية) أو (جلطة دماغية) وغيرها من التأويلات التي تخفف من وطأة الموت عن عائلة الضحية، وتبعد عنها التحقيقات والملاحقات الأمنية. المعدلات الحقيقية لحالات الانتحار تزيد بكثير عن التقارير الصادرة عن وزارة الصحة، ويمكن تقديرها بأنها أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب السورية".

بدورها، تؤكد الأخصائية في الأمراض النفسية، رلى أبو علي، لـ"العربي الجديد"؛ أن "الأمراض النفسية زادت بمعدل ثلاثة أضعاف عمّا كانت عليه قبل الحرب، وتترجم بعض هذه الحالات في الانتحار في ظل توفر الوسائل، كالأسلحة والعقاقير المخدرة، والأوضاع المعيشية السيئة هي السبب الأساسي في معظم حالات الانتحار، فالضغوط التي يسببها الفقر وانعدام الأفق تخلق أمراضاً وحالات اكتئاب آنية أو مزمنة، ما يدفع للانتحار، إلى جانب أسباب أخرى قد تكون أسرية أو عاطفية، أو التضييق على الحريات الشخصية والتعنيف الأسري وغيرها".

وقبل أشهر، أفرد موقع "الراصد المحلي" تقريراً مفصلاً لحالات الانتحار التي سُجلت في التقارير الشرعية على أنها حالات "موت بالخطأ" نتيجة لاستخدام خاطئ للسلاح أو العقاقير المخدرة، مشيراً إلى ارتفاع غير مسبوق في حالات الانتحار بين اليافعين، وأن أسباباً اجتماعية وأمنية تقف خلف تحريف التقارير الطبية، وفي مقدمتها الأحكام الدينية لدى بعض الطوائف التي لا تجيز صلاة الجنازة على المنتحر، فيما أسباب أمنية تراعي امتلاك أحد أفراد الأسرة لسلاح بشكل غير شرعي، إضافة إلى تفشي الأمراض النفسية، وفي مقدمتها الاكتئاب الناتج من تردي الأوضاع المعيشية، إلى جانب التعنيف الأسري.

مرضى الكلى في عفرين السورية مهددون جراء توقف مشفى السلام

يعاني وسيم. ع، وهو طالب في السنة الثانية بكلية العلوم، من الاكتئاب، ويقول لـ"العربي الجديد": "خسرت أكثر من صديق خلال العام الماضي في حوادث انتحار، وكان إحداها بطلق ناري سُجل في التحقيق على أنه موت نتيجة الاستخدام الخاطئ للسلاح، وأخرى بطريقة الشنق، وفي كلتا الحالتين كانت الدوافع تنحصر في الفقر والتضييق على الحريات، وصديق ثالث انتحر بعد أن تراكمت عليه مسببات مثل الملاحقة نتيجة الهروب من الجيش وتراكم الديون، فوجد في جرعة من العقاقير القاتلة وسيلة للخلاص تاركاً خلفه زوجة وطفلا يعانيان".

وعن العلاج النفسي وفرص التعافي، يقول وسيم: "نعرف أسباب المرض، والعلاج أصعب من أن نستطيع توفيره، والمصاب الذي يتجاوز أفكار الخجل والعار السائدة يصعب عليه مراجعة الطبيب لارتفاع تكاليف العلاج، وعدم توفر طبيب نفسي بسهولة".

ويقول الأكاديمي مروان الأحمد، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، عن انتشار الأمراض النفسية في سورية، خاصة بين الشباب، إن "الأوضاع المعيشية والتعنيف الأسري وتداعيات الحرب والزلزال رفعت أعداد حالات الأمراض النفسية إلى حدود قياسية، وأكثر المرضى مراجعة لعيادات الطب النفسي هم من بين النساء".

JoomShaper