تغريد السعايدة
عمان- تنعكس تقلبات الخريف على النفسية والمزاج العام، لذا، يصبح من الضروري أن يمنح الإنسان نفسه لحظات للتأمل والترويح عن النفس، من خلال استغلال الفرص المتاحة للسياحة والرحلات ضمن المنطقة أو المدينة التي يقيم فيها، لإعادة شحن طاقته وتحسين مزاجه والتخلص من الضغوطات اليومية.
الخطة السياحية التي قد تضعها العائلة، أو الشخص لنفسه، أو لمجموعة من الأصدقاء، لم تعد مجرد رفاهية، بل أصبحت حاجة نفسية واجتماعية مُلحّة، خصوصا مع الأوضاع السلبية العامة. حتى وإن كانت بسيطة وبأقل التكاليف، فإن الإنسان بحاجة إلى استراحة من ضغوط الحياة المرهقة والبحث عن مساحة للترفيه والتجديد من خلال السياحة.
ويحتفي العالم باليوم العالمي للسياحة في السابع والعشرين من أيلول من كل عام. وتبرز الأمم المتحدة السياحة في هذا اليوم على أنها "أداة للسلام"، كما جاء في بيانها الرسمي. ويسلط الضوء على السياحة لأهمية دورها في التنمية الاقتصادية، وأيضا في تعزيز السلام على المستوى العالمي". في عالم تتشابك فيه علاقات الشعوب، تبرز السياحة كقوة مؤثرة وديناميكية قادرة على تحدي الصور النمطية والأحكام المسبقة.
يشير البيان أيضاً إلى أن السياحة تلعب دورا كبيرا في تعزيز الحوار بين الثقافات وتوفير العديد من الفرص للتواصل مع الآخرين وبناء التسامح. وجاء شعار الأمم المتحدة لهذا العام تحت عنوان "السياحة والسلام"، مسلطا الضوء على الدور الحيوي لهذا القطاع في تعزيز السلام والتفاهم بين الأمم والثقافات.
وجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسياحة، أشار فيها إلى العلاقة الوثيقة بين السياحة والسلام. وأكد أن السياحة المستدامة يمكن أن تحدث تحولا إيجابيا في المجتمعات المحلية من خلال خلق فرص عمل، وتعزيز الاندماج، وتقوية الاقتصادات المحلية. كما تسهم في الحد من التوترات وتشجيع التعايش السلمي، وبناء جسور التواصل، وتعزيز الاحترام المتبادل بين الثقافات والأمم. ودعا غوتيريش إلى "تسخير قوة السياحة لتعزيز السلام والازدهار".
ويؤكد الاختصاصي النفسي التربوي، الدكتور موسى مطارنة، أهمية الترفيه عن النفس في تجاوز العديد من المشكلات النفسية والصحية، والتخلص من التوتر وحالات الاكتئاب. ويشير إلى أن الترفيه قد يتحقق من خلال أبسط الأنشطة، مثل الرحلات العائلية أو مع الأصدقاء، في أجواء ممتعة بعيداً عن التوتر والأخبار والأحداث التي قد تثير القلق والضغوط.
أوضح مطارنة إن الأجواء الخريفية الحالية قد تؤثر على مزاج الشخص وعلاقته بالآخرين، حيث أن التغيرات التي تحدث في هذه الفترة قد تؤدي بالبعض إلى الإصابة بالاكتئاب الموسمي، الذي يصيب نسبة كبيرة من الأشخاص المتأثرين بأجواء الخريف. فمع تقلص ساعات النهار وغياب أشعة الشمس، تتأثر الحالة النفسية للشخص، مما يجعل من الصعب التخلص من الروتين المرتبط بتفاوت درجات الحرارة في هذا الفصل.
ووفقاً لمطارنة، فإن الروتين قد يكون سبباً في تدهور المزاج والحالة النفسية للإنسان، حتى وإن كان هذا الروتين يبدو "عاديًا". لذا، يحتاج الإنسان إلى كسر هذا الروتين من خلال القيام برحلات أو أنشطة سياحية متنوعة، حتى لو كانت مجرد نزهة في مكان مختلف خارج المنزل. هذه الأنشطة تمنح الشخص فرصة لتجديد طاقته والعودة بحالة نفسية أفضل، مما يعزز إقباله على العمل وتفاصيل الحياة اليومية.
في الأردن، تولي الجهات المختصة اهتماما كبيرا بتطوير السياحة الداخلية من خلال برامج متعددة، أبرزها برنامج "أردننا جنة"، الذي يحظى بإقبال واسع ويستقطب أعداداً كبيرة من المواطنين. يعود هذا النجاح إلى الأسعار المناسبة للجميع، إضافة إلى تقديم برنامج سياحي مميز يتيح للمواطنين فرصة زيارة مناطق سياحية قريبة واستكشاف مواقع جديدة في المملكة.
لذا، يلجأ العديد من الأهل إلى تنظيم رحلات خاصة خلال العطلة الصيفية لدعم أبنائهم نفسياً وترفيهياً بين الأعوام الدراسية. هذه الرحلات تساعد الأطفال على العودة إلى الدراسة بروح مرحة وذكريات جميلة عن العطلة. وهذا ما تفعله أم سيف، التي تؤكد أنها تحفز أبناءها على الاجتهاد طوال العام الدراسي، وبالتالي الذهاب في رحلة سياحية خلال العطلة الصيفية.
تعتبر المكافأة بالسياحة والسفر، بحسب قدرة الأسرة، أسلوبا مناسبا جداً لأم سيف مع أبنائها. فهي تلاحظ أن مخزون ذكرياتهم عن اللحظات العائلية الجميلة خلال الرحلات يكون كبيرا، مما يجعلهم يعودون إلى أصدقائهم بحديث ممتع وحماس للدراسة. يأمل الأبناء في الحصول على رحلة مميزة أخرى في الصيف القادم.
وخلال هذه الأيام الخريفية، تستعد هبة بني أحمد وقريباتها لتنظيم رحلة سياحية إلى مدينتي العقبة ورم، بهدف الاستمتاع والتنزه في أجواء سياحية جميلة في هذه الفترة من العام. تتمتع مدينة العقبة باعتدال الأجواء، مما يوفر فرصة للعائلة للتجمع في أجواء ممتعة برفقة الأصدقاء وأطفال العائلة قبل بدء الامتحانات الدورية في المدرسة.
تقول هبة إن تنظيم الرحلة سيكون من خلال أحد المكاتب السياحية المشاركة في برنامج "أردننا جنة"، لضمان تنظيم مناسب وأسعار تتناسب مع الجميع، مما يتيح لكل أفراد العائلة فرصة المشاركة في الرحلة. تأتي هذه الرحلة في أجواء خريفية، "بحاجة فيها لتغيير المزاج والتخلص من كآبة الخريف"، كما تعبر هبة.
يعتقد مطارنة أن الاستمتاع بالمناظر الطبيعية المختلفة في مناطقنا يمكن أن يعتبر شكلا من أشكال السياحة، ولا يشترط أن تكون الرحلة طويلة. فمجرد النظر والتأمل في جمال هذه الأجواء والمناظر الطبيعية يساعد على تجاوز التفكير الزائد في أحداث الحياة والتوتر. يجب على الشخص أن يساعد نفسه من خلال تجنب التفكير في أي أمر قد يثير القلق، وأن يسعى للاستفادة من الرحلة السياحية، مهما كانت طبيعتها، في التخلص من التوتر وعوامل الاكتئاب المحتملة.
عدا عن ذلك، يقول مطارنة إن التنزه والسياحة تساعدان الإنسان على القيام بأنشطة بدنية متنوعة، مما يعزز قوة الجسم وينشط الدورة الدموية. سواء كان ذلك من خلال ممارسة المشي، أو الجري، أو حتى السباحة وتسلق المرتفعات، فإن جميع هذه الأنشطة تعتبر رياضات سياحية تسهم في تفريغ الطاقة السلبية وزيادة نشاط الجسم. وقد أثبتت العديد من الدراسات النفسية وجود علاقة قوية بين ممارسة الرياضة والتحسن النفسي والمزاجي.