لا يتبع الرجال -عادةً- طريقةً محددةً للتعبير عن المشاكل التي تسبب لهم الحزن والتوتر والقلق والغضب، بل يميلون -في الغالب- لكتم مشاعرهم. ذلك أن الرجال يعيشون في الأساس -منذ الصغر- تحت ضغط رسالة واحدة "لا تظهروا ضعفكم"، كما تقول الدكتورة برين براون في كتابها "الجرأة".
وفي الوقت ذاته، يمتنع الرجال عن طلب المساعدة، حتى من المقربين منهم كالأصدقاء، والأهل والزوجات.
ويرى الباحثون أن التنشئة الاجتماعية للأطفال وتربيتهم على الصلابة وقوة التحمل، وتجنب أي سلوك ينظر إليه على أنه يشير للضعف، بما في ذلك مظاهر التعبير عن الحزن، قد تؤدي إلى تعرض الرجال للاكتئاب لاحقا، ذلك أن المجتمع بشكل عام لا يتقبل بكاء الأطفال الذكور في الصغر، ولا حتى اكتئاب الرجال في الكبر.
لماذا لا يعترف الرجال بمشاكلهم؟
تقول مؤسسة صحة الرجال الألمانية، إن تشخيص الأمراض النفسية لدى الرجال يعد أمرا صعبا للغاية؛ نظرا لأنهم يتعاملون مع مشاكلهم النفسية من خلال قمعها وعدم الاعتراف بها.
وأوضحت المؤسسة، أن كتم الرجال لمشاكلهم النفسية يرجع لكونهم يرونها لا تتوافق مع الصورة الذهنية النمطية الذكورية؛ كونها تعبر عن الضعف والعجز والفشل الشخصي.
إستراتيجيات المواجهة الذكورية
وأضافت المؤسسة الألمانية أن الرجال يحاولون مواجهة المشاكل النفسية من خلال اللجوء إلى "إستراتيجيات ذكورية"، تتمثل في:
العدوانية.
الغضب.
الانسحاب الاجتماعي.
الانهماك في العمل.
الإفراط في ممارسة الرياضة.
الهروب إلى العالم الافتراضي.
كما حذرت من عواقب وخيمة قد تترتب على عدم تشخيص ومعالجة الاكتئاب لدى الرجال، منها:
عدم القدرة على العمل.
التدهور الاجتماعي.
الوحدة.
اضطرابات القلق.
التفكير في الانتحار.
الإصابة بالأمراض مثل السكري والسكتة الدماغية.
ولتجنب هذه المخاطر الجسيمة، أوصى الخبراء بمواجهة الرجال لمشاكلهم النفسية، وعدم النظر إليها باعتبارها وصمة عار، مع ضرورة الخضوع للعلاج النفسي في الوقت المناسب.
الصمت يطغى على الصحة العقلية
وفي تقرير نشره موقع "سيكولوجي توداي" الأميركي، قال الكاتب نيك نورمن إن تقبل الرعاية النفسية زاد على مدى السنوات الثلاثين الماضية، كما ارتفعت معدلات الوعي العام بمشاكل القلق والاكتئاب والصدمات النفسية، ليُسلّط الضوء على القضايا المسكوت عنها منذ عقود طويلة.
لكن رغم المستوى الذي وصلت إليه الرعاية النفسية، فلا يزال الصمت يطغى على الصحة العقلية لدى الرجال. فوفقا للمركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، يعاني رجل من كل 10 رجال من القلق أو الاكتئاب، فيما يطلب أقلّ من نصفهم المساعدة.
"لا تظهروا ضعفكم"
ولا تكمن المشكلة الحقيقية -حسب نورمن- في اختلاف طريقة الرجال للتعبير عن الحزن، بل تتعلق بالثقافة المجتمعية التي لا تشجع الرجال على إظهار الحزن، وترى أن أي اعتراف بالحزن يتعارض مع كثير من التعليمات الاجتماعية التي يتلقاها الرجال طوال حياتهم، فمنذ الصغر يُقال لهم إن الرجال لا يبكون.
وهذا ما ذهبت إليه الدكتورة برين براون في كتابها "الجرأة"، بقولها: "يعيش الرجال في الأساس تحت ضغط رسالة واحدة: لا تظهروا ضعفكم".
نصائح ضرورية للرجال
ويقدم نورمن بعض النصائح التي يمكنها توجيه الرجال نحو الطريق الصحيح، ومنها:
تقبل المشاعر بكامل ثقلها: يفضّل الرجال كتم مشاعرهم السلبية، إذ يرونها محفوفة بالمخاطر. والحل لهذه المعضلة يكمن في تقبّل العواطف بدلاً من تجنبها.
مصاحبة رجال لا يخشون إظهار ضعفهم: إحدى أكثر المهام تحديا هي الانفتاح على أشخاص آخرين. ويوضح الكاتب أن العمل الداخلي هو رحلة شخصية، لكننا نحتاج إلى وجود أشخاص آخرين بجانبنا، فلا يوجد إنسان يعيش بمفرده. ومن خلال البحث عن أشخاص آخرين يشاركون في هذه المخاطرة وإظهار جوهرنا، سنجد مجتمعًا داعمًا ومفيدًا في رحلة الشفاء.
تقنيات أخرى للمواجهة
من جانبها، قالت الطبيبة النفسية الألمانية مازدا أدلي، إن "التوتر النفسي المستمر له تأثير سلبي على الذهن والنفس؛ حيث إنه يؤدي إلى ضعف التركيز ومشاكل الذاكرة، كما أنه يرفع خطر الإصابة باضطرابات الخوف والقلق ونوبات الذعر، فضلا عن أنه يمهد الطريق للإصابة بالاكتئاب".
ولتجنب هذه المخاطر الصحية الجسيمة، ينبغي مواجهة التوتر النفسي المستمر من خلال ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل اليوغا والتأمل وتمارين التنفس وتمارين الانتباه، كما أن المواظبة على ممارسة الرياضة تساعد على التخلص من التوتر النفسي.
ومن المفيد أيضا ممارسة الهوايات ومقابلة الأصدقاء؛ حيث يساعد ذلك على تعزيز المشاعر الإيجابية، ومن ثم الشعور بالاسترخاء النفسي، وفق أدلي.
متى تحتاج العلاج النفسي؟
وإذا لم تفلح هذه التدابير في مواجهة التوتر النفسي المستمر، تنصح الدكتورة باستشارة طبيب نفسي للخضوع للعلاج النفسي؛ حيث يساعد العلاج السلوكي المعرفي على تغيير طرق وأنماط التفكير، التي تعزز التوتر النفسي مثل السعي الدائم إلى الكمال. (الجزيرة)