ربى الرياحي
عمان - كثيرة هي الشخصيات التي تعتقد أنها "ملمّة" بكل شيء في هذه الحياة، تتصدر بالمعرفة المطلقة، تنتقد الآخرين إن تم مناقشتها، وتعترض على كل ما يقوله الآخرون لأنها ترى أنها وحدها التي تستطيع الخوض في كل موضوع يتم طرحه.
يرى مختصون أن الحياة مليئة بهذه الشخصيات التي تتظاهر بالمعرفة الكاملة، وأنها تمتلك الإجابات لكل الأسئلة، وتتمتع بنسبة ذكاء أعلى مقارنة بالأشخاص المحيطين بها، ولديها طبع متعال لاعتقادها بأن الآخرين أقل معرفة منها.
كما أن هذه الشخصيات تختار أوقاتا غير مناسبة وتتمادى في الجدل والنقاش، مما يزعج الآخرين، وفق مختصين، وتحاول دائماً تصحيح الآخرين وإحراجهم، مما يعرضها في المستقبل لأن تخسر احترام المحيطين بها ومحبتهم بسبب الغرور والتعالي والتعنت والسعي نحو لفت الانتباه وإثبات الذات.
يعتقد هؤلاء أن الأهمية تكون بمقدار ما يعرفونه ويفهمونه، ولذلك هم يتعمدون الخوض في كل شيء بغض النظر عن علمهم به، ويرون أنفسهم الأفضل دائما حتى لو أخطأوا وتعرضوا لمواقف محرجة. كما أنهم يقدمون أنفسهم على أنهم الأذكى والأهم وأن كل ما يقولونه صحيح ولا مجال للتشكيك فيه نهائيا، وهذا ما يجعل عشرتهم صعبة.
"نحن بشر نخطئ ونصيب"، هذا ما يؤكده مالك (46 عاما)، يقول "في محيطنا أشخاص لا نتفق معهم وربما لا نشعر بالراحة عند الجلوس معهم أو حتى محادثتهم، ونضطر في كثير من الأحيان لمسايرتهم والتعامل معهم رغما عنا"، مبينا أنه عانى فترة طويلة بسبب شخصية أحد إخوته لتصل الأمور حد الخصام بينهما.
ويلفت إلى أن أخاه شخصية متعبة لكونه يشعره دائما بأنه الأهم والأذكى ويعلم بكل شيء، إضافة إلى أنه يتحدث كما لو أنه يفهم في كل شيء، حتى وإن أخطأ لا يعترف، فهو يتفنن بالتبرير لنفسه واختلاق الأعذار ليظل هو المسيطر. لذلك يحاول مالك تجنبه قدر المستطاع والتغاضي عن كل ما يقوله حتى لا يدخل معه في جدال يعرف مسبقا أنه عقيم ولا جدوى منه، الأمر الذي جعل علاقتهما اليوم تتسم بالفتور.
أما ملك طارق (29 عاما)، فترى أن أهميتنا كأشخاص تكون في أن نتعلم "أين نقف ومتى"، فهناك حدود يجب أن نحترمها حتى لا نزعج الآخر ونتسبب بأذيته، مشيرة إلى أنه من الطبيعي ألا نعرف كل شيء، ففي الحياة هناك أشياء نجهلها، وأخرى لا تخصنا، وهذا ليس عيبا، بل فرصة لأن نتعلم أكثر ونبحث في أمور تهمنا وتزيدنا ثقافة.
تقول "كلمة لا أعرف لا تقلل من احترامنا، وإنما تجعلنا أكثر واقعية، فلكل شخص حد معين من المعرفة يتسع بالتعلم لا بالكذب والتظاهر.. فهي شخصيا لا تفضل أن تشارك في كل المواضيع المطروحة لأنها ببساطة تعرف حدودها، ولأنها أيضا تستفز جدا من أولئك الذين يغترون بأنفسهم ويذهبون للأقصى باعتبارهم يعرفون كل شيء ولا يحق لأحد أن يملي عليهم أو يصحح لهم في حال أخطأوا".
ومن جهته، يبين الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن الحياة مليئة بالشخصيات المتعبة والمستفزة، كتلك التي تتظاهر بالمعرفة المطلقة لكل شيء، فهي تعبر وتنتقد وتخوض في الخصوصيات، وكذلك تعترض على كل ما يقوله الآخرون لاعتقادها بأنها هي الوحيدة التي تفهم وقادرة على التحدث بكل موضوع يتم طرحه، وهذا ما يجعلها شخصية صعبة ينفر منها الناس ولا يحبون مخالطتها وفتح أحاديث معها.
ويشير مطارنة إلى أن هذا النوع من الشخصيات يخسر احترام المحيطين له ومحبتهم، لكون الشخص يرى نفسه الأصح والأهم دائما، وأنه يعرف أكثر من الجميع ولا يستطيع أحد منافسته، لافتا الى أن هذه الشخصيات مصابة بالغرور والتعالي والتعنت، كما أنها تلجأ للتظاهر بالمعرفة طوال الوقت للفت الانتباه وإثبات الذات.
وبحسب مطارنة، فإن الناس ينظرون لهذه الشخصية على أنها شخصية مستفزة وغير محبوبة ويكون التعامل معها بإعطائها المساحة لتقول كل شيء عندها والانشغال عنها بأحاديث جانبية لتفهم أن كلامها غير مرغوب به وليس هناك من يريد أن يستمع إليها وعدم الاكتراث لها.
ويؤكد مطارنة أن هناك أشياء يظل الإنسان لا يعرفها، وهذا هو الطبيعي ألا نعرف كل شيء. فالإنسان عامة يتعلم أشياء جديدة كل يوم ويكون واقعيا عندما يدرك أين حدود معرفته، مع الإصرار على تطوير نفسه ومتابعة كل ما هو جديد.
وترى خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم، أن بعض الأشخاص يدعون أنهم على علم بكل شيء، ويمتلكون المعرفة والإجابات لكل الأسئلة، ويتمتعون بنسبة ذكاء أعلى مقارنة بالأشخاص المحيطين بهم، ولديهم طبع متعال لاعتقادهم بأن الآخرين أقل معرفة منهم.
هؤلاء الأشخاص، وفق إبراهيم، في الغالب، لديهم شعور بالغرور والعظمة، ويصعب عليهم قبول فكرة أن ثمة أشياء لا يملكون المعرفة عنها، ويحب هذا النوع من الأشخاص النقاش، فغالباً ما يطرحون المواضيع من أجل النقاش واستعراض عضلاتهم، كما يقال، من أجل التباهي بمعرفتهم والمعلومات التي يمتلكونها.
كما أنهم يطرحون النقاشات الفلسفية المزعجة في كل وقت ومن غير أي ضرورة أو مناسبة، ويختارون أوقاتا غير مناسبة ويتمادون في الجدل والنقاش، مما يزعج الآخرين، ويحاولون دائماً تصحيح الآخرين وإحراجهم، ولا يقبلون هم بأن يكونوا مخطئين أو يعطوا معلومات خاطئة، وإن حصل فإنهم يختلقون المبررات والأعذار.
وللتعامل مع هذه الشخصيات، تقول ابراهيم "من الممكن طرح الأسئلة عليهم، لأن هذا يعطيهم الفرصة للتعبير عن آرائهم وإبهار العالم بإجاباتهم فيتحقق لهم ما يريدون، مع وضع حدود للوقت لكي لا يأخذ هؤلاء الأشخاص وقت الآخرين ويفسدوا اللقاءات والجلسات".
أيضاً، من الممكن تقديم الثناء والإطراء لهؤلاء الأشخاص لأن ذلك يرضي غرورهم، وعدم إظهار أي تفوق بالمعلومات عليهم إن كنا نريد أن نختصرهم وألا ندخل بجدليات عقيمة معهم. وأخيراً، يجب أن نكون متفهمين لمثل هؤلاء الأشخاص، خصوصاً إذا كانوا مقربين كالأصدقاء أو أفراد العائلة، فربما لا يدركون أن سلوكياتهم هذه مزعجة للآخرين، وربما لا يستطيعون التحكم بدوافعهم، لذا وجب التعاطف معهم.