تغريد السعايدة
عمان- ساعات تقضيها الشابة إيناس في متابعة أفلام تدور أحداثها حول قصص دموية، سواء كانت جرائم متسلسلة أو أفلام رعب متنوعة. هي تجد متعتها في متابعة الأحداث حتى النهاية، حين يتم اكتشاف المجرم وتصل "قفلة الفيلم" إلى ذروتها.
في كثير من الأحيان؛ تجتمع إيناس مع صديقاتها أو شقيقاتها لتهيئة الأجواء المناسبة لطبيعة الفيلم الذي يشاهدونه، والذي يكون في الغالب ضمن نفس السياق: جريمة، رعب، وعنف. تبدأ الصديقات في تبادل الحديث وتحليل تسلسل الأحداث، مستمتعات بكل مشهد. لكن المفارقة تكمن في أن كل تلك اللحظات مليئة بالرعب وتشمل أحداثا إجرامية كبيرة من قتل ودمار وتعذيب.
مع مرور الوقت والاعتياد على مشاهدة الأفلام العنيفة ومشاهد القتل، قد يصبح الكثيرون، مثل إيناس، غير مبالين بتلك المشاهد، حتى تبدو لهم أمراً طبيعيا. وفي بعض الأحيان، قد يشعرون بنوع من التعاطف مع المجرم، خاصة في الأفلام التي تبرر دوافع القتل ضمن
القصة. هذا التبلّد تجاه العنف قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على طريقة التفكير والحالة النفسية للشخص المتابع، خصوصاً إذا تجاوزت المتابعة حدود المعقول.
تنتشر قصص وأخبار عديدة عبر المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي تسلط الضوء على حالات حول العالم تأثر أصحابها بمقاطع ومشاهد العنف والقتل والإجرام، إلى حد تطبيق تلك الأفعال الجرمية على أقرب الناس إليهم، وكل ذلك نتيجة ضغوط نفسية ومعاناة من الاكتئاب، أدت بهم إلى الوقوع في فخ الجريمة، بتأثير مباشر من إدمانهم على مشاهدة أفلام ومشاهد الجريمة والقتل.
لذلك، اتجهت العديد من الجامعات والمختصين إلى دراسة تأثير مشاهدة أفلام الجريمة والعنف على السلوك الإنساني، وخاصة بين الشباب والمراهقين الأكثر عرضة للتأثر وتقليد تلك المشاهد، أو ممن يعانون من مشاكل مثل الإدمان والعنف الأسري والتنمر.
وأشارت دراسة بريطانية نشرت في عدة مواقع إلى خطورة تأثير أفلام الرعب والجريمة على الصحة النفسية، حيث أوضحت الدراسة أن "مشاهدة العنف والإثارة قد تزيد من إفراز الدوبامين لدى المراهقين، مما يدفعهم إلى الرغبة في المزيد، وأن التوقف عن المشاهدة قد يؤدي إلى الشعور بالاكتئاب، مما يجعلهم يعودون إليها مرة أخرى للشعور بالمتعة".
تشير الدراسات ذات الصلة إلى أن هذا الإدمان يمكن أن يؤثر على الصحة النفسية للإنسان من عدة جوانب، وأبرز الأعراض التي قد تصيبه تشمل التوتر، القلق، الاكتئاب، وانعدام التفاعل الاجتماعي. كما قد يعاني الشخص من الخمول وعدم الرغبة في مغادرة المنزل، بالإضافة إلى انخفاض الأداء في العمل أو الدراسة. والأخطر من بين هذه الأعراض هو "انعدام التأثر بمشاهد القتل والعنف والدماء"، مما قد يدفع الفرد إلى تقليد تلك الأفعال الجرمية كوسيلة لحل مشاكله أو لتفريغ الطاقة السلبية والاكتئاب الذي يعاني منه.
وفي هذا السياق، تتحدث والدة الطفل آدم (13 عاما) عن معاناتها مع ابنها، الذي يقضي ساعات طويلة في مشاهدة مقاطع عبر اليوتيوب أو مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن مشاهد رعب مخيفة. غالبا ما يحدثها عن تفاصيل جرائم شاهدها في أحد الأفلام، مما دفعها إلى منعه من متابعتها عدة مرات. ورغم ذلك، فإنه يعود إلى مشاهدتها بين الحين والآخر دون علم والديه، مستغلاً امتلاكه لهاتف خاص به. وعند منعه من استخدام الهاتف، يلجأ إلى البحث عن تلك المقاطع عبر شاشة التلفاز.
تقول والدة آدم إنها تشعر بخوف كبير عندما ترى المشاهد التي يبحث عنها ابنها، والتي تتضمن جميعها مشاهد قتل وتدمير وتنكيل. وتتساءل كيف يمكن أن تمر هذه المشاهد على الأطفال دون أن تؤثر عليهم بشكل مباشر، ورغم ذلك، لا تنكر قلقها من تأثير هذه المشاهد على سلوك ابنها مع مرور الوقت، خاصة بعد أن لاحظت الطريقة التي يلعب بها مع أصدقائه وإخوته، والتي غالبا ما تكون تقليدا لمشاهد رعب وجرائم، أو يسرد لهم تفاصيل ما شاهده دون خوف أو تردد.
دفع هذا الأمر والدة آدم إلى طلب المساعدة من المرشدة النفسية والسلوكية في مدرسة ابنها لإعادة تأهيله سلوكيا من خلال النصح والإرشاد. وأن تتحدث المرشدة مع طلاب الصف مباشرة عن خطورة متابعة أفلام الرعب والجريمة، كونها غير حقيقية ولا تعكس الواقع. وترى أن مشاهدة برامج تعليمية أو مسلسلات وأفلام برفقة العائلة هي الطريقة الأكثر أمانا للتخلص من هذه العادة السيئة.
وتتمنى والدته ألا تضطر، مع مرور الوقت، إلى اللجوء إلى مراكز الإرشاد أو المختصين، وأن يتمكن ابنها من التغلب على رغبته في مشاهدة أفلام الرعب والجريمة.
كما أشار باحثون في الدراسات العلمية السلوكية إلى خطورة هذا الأمر، حيث تبين أن الأطفال والمراهقين هم من أكثر الفئات تأثرا بالمشاهد الجرمية والعنيفة. فقد لا تساعدهم قدراتهم العقلية على التمييز بين الحقيقة والخيال (التمثيل)، مما يؤثر على سلوكهم اليومي في التعامل مع الآخرين في حياتهم الواقعية بسبب التقليد ووجود القدوة في مثل هذه الأعمال الإجرامية. وأكد باحثون من خلال دراستهم للعديد من الحالات أن الأطفال المتابعين لمثل هذه المشاهد هم "الأكثر عرضة لارتكاب الجرائم في مرحلة الشباب".
ويرى أختصاصي الطب النفسي والإدمان الدكتور عبد الرحمن مزهر أن مشاهدة أفلام العنف والرعب وما تتضمنه من جرائم تحمل وجهين في عالم الصحة النفسية. فمن جهة، يمكن أن تأخذ هذه المشاهدة منحى إيجابيا، حيث يشعر العديد من الأشخاص بالمتعة عند معايشة تلك الأفلام، مما يؤدي إلى إفراز الجسم لمواد معينة مثل الإدرينالين، الذي يمنح الإنسان شعورا بالسعادة والمتعة.
كما أوضحت الدراسات، وفقا لمزهر، أن هذه الإفرازات يمكن أن تساعد في رفع مناعة الأشخاص. إذ أظهرت الفحوصات المخبرية النفسية للأشخاص الذين يتابعون هذا النوع من الأفلام ارتفاعا في كريات الدم البيضاء، وهو مؤشر على زيادة المناعة. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يتعلم الإنسان طرق مواجهة الخوف من الاعتداءات بعد مشاهدة تلك الأفلام. يعتمد العديد من الأطباء على علاج "مواجهة الخوف" لبعض أنواع الأمراض، وقد تساهم الأفلام في تحقيق ذلك.
أما فيما يتعلق بالنواحي السلبية وغير المستحبة لمتابعة وإدمان مشاهد العنف والجريمة، ينوه مزهر أن هذه التأثيرات تنقسم إلى عدة أقسام، منها ما يؤثر على الأفراد والمجتمعات بشكل عام، مثل الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية في القلب أو الضغط أو الأعصاب، حيث لا ينصح لهم بمشاهدة هذه الأفلام. إذ يمكن أن تتسبب هذه المشاهد في تسارع دقات القلب، وقد تؤدي إلى "الجلطات القلبية"، وهو ما وثقته دراسات علمية، بحسب مزهر.
من الناحية النفسية، يبين مزهر أن تلك الأفلام يمكن أن تؤثر في مشاكل مثل اضطرابات النوم، والقلق المستمر، والدخول في الاكتئاب أو الاضطرابات النفسية، خاصة لدى الفئة التي تعاني بالفعل من أمراض نفسية سابقة. وقد تكون معاناتها أكبر. إلى ذلك، فإن اضطراب النوم لفترة طويلة يمكن أن يؤدي إلى العديد من الأعراض المزمنة، مثل العصبية والتوتر، مما قد يخلق شخصا عصبيا وعنيفا في ردود أفعاله.
يعتقد مزهر أن تقليد مثل هذه الجرائم أمر غير وارد ولا يعتبر منتشرا في مجتمعاتنا. ويشير إلى أن هناك مجتمعات تحتفي بالرعب والجريمة بطريقة تسلية وترفيه، مثل احتفال الغرب بـ"الهالوين". ومدى الاحتفاء بهذه المناسبة يعتمد على الشخص ومدى حبه لتمثيل العنف والجريمة في الأشكال المرعبة التي يقوم بإعدادها لهذا اليوم. وقد يكون بين هؤلاء بعض الأشخاص الذين يميلون للعنف ويستمتعون بتطبيقه.