رشا عبيد
تشير أحدث بيانات معهد اليونسكو للإحصاء أن 250 مليون طفل حول العالم يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة، كما أن ثلثي الأطفال في أميركا لا يلبّون معايير الكفاءة في القراءة.
الربط بين ما يسمعه الطفل وما يقرأه
ومع الانخفاض الملحوظ في معرفة القراءة والكتابة بين الأطفال، ظهرت حركة "قم بتشغيل الترجمة"، وهي حركة عالمية جمعت قادة التعليم ورجال الأعمال والمشاهير، وتسعى إلى إحداث ثورة في الطريقة التي يتعامل بها الأطفال مع التلفزيون والأجهزة اللوحية من خلال تشغيل خاصية الترجمة النصية بلغة العرض نفسها أثناء مشاهدة البرامج ومقاطع الفيديو المفضلة، وبهذا يتحول وقت الشاشة إلى وقت للترفيه وتعزيز مهارات القراءة والتهجئة، وفي سبيل ذلك طالبت الحملة جميع قنوات البث التلفزيوني المخصصة للأطفال بإجراء تغيير بسيط على برامجها، وتثبيت الترجمة النصية، وقد أبدى العديد منها اهتماما بالفكرة.
ووفق الحملة، إذا كان وقت الشاشة والمحتوى الذي يشاهده الطفل يوفر له معرفة بصرية مهمة حول الأرقام والألوان وغيرها، فإن إضافة ترجمة إلى النص وتسمية الأشياء باللغة نفسها يمكن أن يضاعف احتمالات إتقانه القراءة والكتابة بدون أن يدرك ذلك.
بدأت حملة "تشغيل الترجمة" عندما قام اثنان من الآباء المهتمين بقضايا التعليم، وهما هنري وارن وأولي باريت، بالبحث عن طرق لمساعدة أطفالهما على زيادة مهارات القراءة والكتابة أثناء إغلاق المدارس خلال جائحة "كوفيد-19″، ويدعم الحملة عدد من نجوم الفن من أمثال جاك بلاك، وستيفن فراي، وساندي توكسفيج، وليني هنري، فضلا عن عدد من قادة التعليم والأكاديميين ومؤثرين بارزين.
وتتطلع الحملة التي ظهرت منذ عام 2020 ومستمرة حتى الآن إلى أن يتمكّن أكثر من مليار طفل حتى عمر 10 سنوات حول العالم من استخدام الترجمة على شاشات التلفزيون بحلول نهاية عام 2027، بعد تحويل جميع برامج الأطفال بشكل رسمي.
تعزيز المهارات الأدبية
"إذا كان متوسط ساعات مشاهدة الطفل للتلفزيون 11.8 ساعة أسبوعيا، فإن هذا الوقت ليس ضائعا مع تشغيل الترجمة وزيادة مفردات الطفل"، هذا ما قاله رائد الأعمال في مجال التعليم والمؤسس المشارك لحملة "تشغيل الترجمة" هنري وارن لصحيفة "التايمز".
وأضاف "إنه تغيير بسيط من شأنه أن يحدث فرقا كبيرا في حياة الملايين، ويجب التفكير في الأمر مثل إخفاء الخضراوات في الوجبات، لا يلاحظ الأطفال، لكننا نعلم كآباء أن هذا إجراء مفيد"، ووفق وارن، فإنه إذا قمت بتشغيل الترجمة، سوف يقرأ طفلك عدد الكلمات الموجودة في سلسلة هاري بوتر وسيد الخواتم ومعظم كتب الأطفال تقريبا خلال عام واحد.
مهارات الطفل في القراءة والتهجئة قد تتضاعف إذا تم تشغيل الترجمة النصية (بيكسلز)
ماذا تقول الأبحاث العلمية؟
تشير العديد من الأبحاث إلى أنه بغض النظر عن الشاشة التي يشاهد منها طفلك برامجه، فإن مهاراته في القراءة والتهجئة قد تتضاعف إذا تم تشغيل الترجمة النصية، وقد قام باحثون في مؤسسة البرمجيات التعليمية "أكسيس إيديوكيشن" Access Education بتحليل نصوص 1000 حلقة من برامج الأطفال الشهيرة، واستنتج الباحثون أن برامج الأطفال تعزز المهارات اللغوية، وعند مشاهدتها مع الترجمة فإنها تضاعف فرص الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و7 سنوات في إجادة القراءة وطلاقتها.
وتستند فوائد الترجمة إلى 3 ركائز أساسية هي:
لا يمكن تجاهل قراءة الترجمة الموجودة على الشاشة: أكدت دراسة قام بها باحثون في جامعة لوفن عام 1997 أن الأطفال والبالغين يظهرون سلوك القراءة التلقائي أثناء مشاهدة الوسائط مع تشغيل الترجمة، وهذا يعني أنه عندما تكون الترجمة متاحة أسفل الشاشة، فإن الطفل لا يستطيع إلا أن ينظر إليها ويتابعها وحتما سيقرؤها، وبيّنت الدراسة أن الدماغ يقوم بتعزيز الارتباط بين الأصوات والكلمات المكتوبة، مما يؤدي إلى تطوير مهارات القراءة بشكل أسرع.
الترجمة لا تنتقص من جودة المشاهدة: تستند هذه الفرضية إلى دراسة قام بها الصندوق الوطني للعلوم والتكنولوجيا والفنون (NESTA) عام 2021، وقد أجريت الدراسة على 450 ألف طفل، وتوصلت إلى أن 98% من المشاهدين الصغار لم يقوموا بتغيير الإعدادات، وكذلك لم يشتكِ أي طفل في الدراسة بشأن وجود ترجمة أسفل الشاشة.
نتائج مشابهة توصلت إليها دراسة قامت بها مؤسسة "بلانت ريد" الخيرية (Planet read) عام 2018 على أطفال في ريف راجاستان بالهند يعانون من ضعف القراءة، وأشارت إلى أن حوالي 94% من الأطفال يتفاعلون مع الترجمة المكتوبة، وفي الدراسة استخدم الباحثون تقنية تتبع حركة العين لمراقبة عادات المشاهدة لدى الأطفال، ووجدوا أن برامج الرسوم المتحركة المليئة بالحركة تشتت انتباههم عن الترجمة، لكنهم غالبا ما يقرؤون الترجمة بشكل أفضل أثناء العروض التي تركز على الكلام والقصص البسيطة، ومع تزايد صعوبة القصص وتعقيدها، أظهر الأطفال مستويات أقل من المشاركة في القراءة، وهذا يشير إلى أن الأطفال الذين يعانون من تعثر في القراءة سوف يتفاعلون مع الترجمة بشكل أفضل طالما أن المحتوى بسيط وسهل المتابعة.
بمجرد اندماج الطفل والنظر إلى الترجمة يبدأ في الاستفادة: تعمل الترجمة على مطابقة الكلمات المكتوبة مع الأصوات والصور والسياق، ومع إقبال الأطفال على مشاهدة برامجهم المفضلة مرارا يتعزز هذا الارتباط في كل مرة، وتدعم ذلك دراسة قام بها باحثون في أميركا عام 2010، كشفت عن أن الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و9 سنوات تمكنوا من التعرف على المزيد من الكلمات وقراءتها وفهمها، وتقديم استنتاجات بعد أن شاهدوا سلسلة من البرامج التلفزيونية المصحوبة بترجمة نصية مقارنة بمن شاهدوها بدون ترجمة.
الترجمة ليست بديل القراءة للأطفال
نظرا لفوائد الترجمة في محو أمية الأطفال، أقرت الهند قانونا يتطلب وجود ترجمة في 50% من محتوى التلفزيون بحلول عام 2025، ومع ذلك تؤكد حملة "تشغيل الترجمة" أن الترجمة النصية ليست بديلا عن القراءة للأطفال، لكنها قد تساعد في توفير فرص متكافئة لمن لا يظهرون أي دافع للقراءة، وأنها تعمل جنبا إلى جنب مع القراءة للطفل لتنميته على المستوى الشخصي والاجتماعي، لا سيما أن الأطفال الذين يفتقرون إلى مهارات القراءة المطلوبة بحلول نهاية الصف الرابع تقل احتمالات حصولهم على شهادة الثانوية العامة بمقدار 4 مرات.